دول » دول مجلس التعاون

هل يمكن صياغة مقاربة للأمن الخليجي تقوم على المشاركة بين السعودية وإيران؟

في 2016/04/25

أميركان إنتربرايز- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

لا يوجد أي موضوع يلوح في الأفق بعد القمة التي عقدت هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية في المملكة العربية السعودية من قضية كيف يمكن للولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الاقتراب من إيران. يزداد ذلك أهمية على وجه الخصوص بعد تنفيذ الاتفاق النووي في يناير/كانون الثاني وبعد مقابلة «جيفري غولدبرغ» مع الرئيس «أوباما» حول النهج الفلسفي له في الشرق الأوسط.

وقد ألقى «أوباما» باللوم على السباق المحتدم بين المملكة العربية السعودية وإيران على القيادة السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة في تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا، والعراق، واليمن، مؤكدا أن كلا الطرفين بحاجة إلى تعلم كيفية اقتسام النفوذ مع بعضهما البعض. وخلال القمة، أكد الرئيس «أوباما» على ضرورة العمل على الوصول إلى إيران أكثر مسؤولية منخرطة في المنطقة. السؤال هنا هو كيف يمكن أن تبدو إيران تلك؟ وهل يمكن حقا للولايات المتحدة أن تطمح في ذلك طالما ظلت طهران واقعة تحت سيطرة حكومة ثورية؟

وضع المستشار المقرب السابق للرئيس الإيراني «حسن روحاني» والباحث في جامعة برينستون، «سيد حسين موسويان»، رؤيته هذا الأسبوع في افتتاحية صحفية قبل القمة. ويعتقد «موسيان» أن إيران هي الفائز الأكبر في السباق الحالي مع دول مجلس التعاون الخليجي «التي تعاني تعاني تعثرا بكل الطرق المتصورة». ويشير إلى أن المجتمع الدولي، وتحديدا الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إضافة إلى ألمانيا يجب أن يعملوا من أجل إنشاء نظام تعاون إقليمي يشمل إيران والعراق، ودول مجلس التعاون الخليجي. ويقترح «موسيان» إنشاء نموذج على شاكلة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي تأسست خلال الحرب الباردة في عام 1975 لتسهيل الحوار حول المصالح الأمنية الأوروبية الجماعية، وتم دعمها من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

الدور الهامشي، إلى حد كبير، الذي لعبته منظمة الأمن والتعاون في حل الحرب الباردة لا يجعل من فكرة «موسيان» إضافة حقيقية. ويقول القادة الإيرانيون منذ عام 1979 أن منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، يجب أن تدار جماعيا من قبل القوى الإقليمية. في حين يبدو هذا التصور على السطح مناسبا ومعقولا، فإن دوافعه أقل دبلوماسية. دائما ما كانت طهران تسعى إلى إخراج الولايات المتحدة من باحتها الخلفية سواء لأسباب أيديولوجية مرتبطة بالثورة الإسلامية أو لأسباب استراتيجية تكمن في رغبتها في إعادة تشكيل ميزان القوى لصالحها وتقليص التهديد الذي يمثله الجيش الأمريكي. وقد أجرى الحرس الثوري الإسلامي الإيراني حملة بالوكالة ضد القوات الأمريكية في العراق ما بين عامي 2005 إلى 2011، والتي قتل فيها ما يقرب من 500 جندي أمريكي وتم جرح الآلاف، من أجل تحقيق هذه الأهداف.

وكانت القوة العسكرية الأمريكية هي السمة الغالبة لمقاربة الأمن في منطقة الخليج منذ حرب تحرير الكويت في عام 1991. مع وجود الدرع الأمريكي الذي يهدف إلى حماية حلفاء الولايات المتحدة من العرب و(إسرائيل) على حد سواء إضافة إلى عزل إيران، فإن طهران لم يكن لديها أي خيار سوى مواصلة توازن الردع والسعي إلى إظهار قوتها العسكرية من خلال الصواريخ البالستية ثم التحالف مع «حزب الله» اللبناني وسائر وكلائها الإقليميين المسلحين، فضلا عن تعزيز جناحها البحري من أجل أن تكون قادرة على تهديد الشحن عبر الخليج ومنازعة هيمنة البحرية الأمريكية. الجمهورية الإسلامية بالتأكيد يمكن أن تضر جيرانها وحلفاءهم الغربيين، لكنها لم تكن في موقف يسمح لها بفرض شروطها للأمن الإقليمي، على الأقل حتى الآن.

ترك الشرق الأوسط إلى عمل الأجهزة من إيران ودول مجلس التعاون الخليجي (ناهيك عن تركيا ومصر) سوف يمثل تحديا كبيرا للغاية لحلفائنا التقليديين فضلا عن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. دول مجلس التعاون الخليجي لديها اليد العليا بشكل واضح حين يتعلق الأمر بالقدرات العسكرية التقليدية وخاصة القوة الجوية. المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تنفقان وحدهما أكثر من ستة أضعاف ما تنفقه إيران على الدفاع. وحتى لو كانت جيوش دول مجلس التعاون الخليجي ليست مجهزة بالشكل الأفضل للاستفادة من أسلحتها المتطورة، فإن لديهم أسباب قليلة للخوف من غزو إيراني مباشر.

الصواريخ البالستية هي المعضلة الرئيسية في هذا التوازن العسكري. تواصل إيران إنتاج وتحسين صواريخ قصيرة المدى بوتيرة سريعة، بغض النظر عن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة للسيطرة على إنتاجها واختبارها. بدون دعم الولايات المتحدة في مجال الدفاع الصاروخي، فإن دول مجلس التعاون الخليجي من الصعب أن تقاوم السلطة القسرية للقوة الصاروخية الإيرانية الساحقة في نهاية المطاف.

في واقع الأمر، فإن السباق السعودي الإيراني ليس صراعا سياسيا كلاسيكيا حول الهيمنة الأمنية. الخوف الرئيسي لدول مجلس التعاون الخليجي يكمن في سعي الجمهورية الإسلامية إلى تغيير الأنظمة الدينية والسياسية في المنطقة. استمرت طهران في تصدير أيدولوجيتها الثورية عبر ما يعرف باسم محور الممانعة، وهي شبكة من الشركاء والوكلاء الذين صنعهم الحرس الثوري وتضم الميليشيات الشيعية التي تمتد من البصرة إلى بيروت ويمتد تهديدها إلى اليمن والبحرين. وفي الوقت الذي يبدو فيه السياسيون والدبلوماسيون الإيرانيون يسعون نحو تعزيز الأمن الجماعي، فإن قادة الحرس الثوري لا يزالون يبذلون جهودا واضحة من أجل تخريب نظام الدولة القائم، وتعميق التوغل الإيراني في الهياكل الأمنية العراقية والسورية، واللبنانية. وقد صرح قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء «محمد علي جعفري» في الآونة الأخيرة بالقول إن «محور المقومة يواصل جهوده لحشد العالم الإسلامي ضد الأعداء. والآن فإن الوضع في العراق وسوريا، واليمن يسير بشكل جيد لمصلحة الثورة الإسلامية».

وكما كان الوضع خلال الحرب الباردة، فإنه سوف يكون من الصعب وضع ترتيبات رسمية أو غير رسمية للأمن الجماعي عندما يكون هناك طرف أو أكثر ضمن المشاركين يسعى إلى تخريب حكومات الدول الأخرى. ترك اللاعبين الإقليميين للاستجابة لهذه التحديات بطريقتهم الخاصة سوف يولد معضلة أمنية أكبر لدول مجلس التعاون الخليجي وسيدفع سباق التسلح إلى التصعيد أكثر من أي وقت مضى. وحتى لو تم إنشاء قوات غير تقليدية في دول الخليج تهدف إلى الاستجابة بشكل أكثر فعالية للأنشطة الإيرانية، كما سبقت الإشارة خلال قمة كامب ديفيد في العام الماضي، فمن غير المؤكد أن تلك القوة التي ستشيدها السعودية على غرار الحرس الثوري الإيراني والتي سوف تكون مرتبطة بمختلف الجماعات السنية التي ترعاها الرياض وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي في سوريا، سوف تكون مفيدة للمصالح الإقليمية أو لمصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل.

تموج المنطقة في دوامة من انعدام الأمن. إزالة الوجود الأمريكي الكبير في المنطقة من المرجح أن يخلق مشاكل أكثر من المشاكل التي يعتقد «أوباما» أنه سوف يحلها. ربما، كما يوصي موسويان، المنطقة لا تزال بحاجة إلى إشراف قوة عظمى لكبح جماح تجاوزات من كلا الجانبين. ولكن رؤيته تمنح دورا موازيا لموسكو. وبالنظر إلى مدى اللعبة الروسية الجديدة في سوريا، فهل حقا هذه هي النهاية التي نرغب في الوصول إليها؟