سياسة وأمن » حروب

لماذا تضرب المملكة العربية السعودية اليمن

في 2016/04/15

ترجمة راصد الخليج- مات بربل-ناشيونال انترست

الرياض تأمل بوضع الصحوة الشيعية في السرير.

عندما بدأت المملكة العربية السعودية بقصف اليمن العام الماضي، تكهن الكثير من المراقبين أنها كانت ترسل رسالة لجيرانها. الآن، وحيث أن العنف استمر لمدة طويلة، والحملة السعودية تستدعي إلى الذهن بلدا آخر يبعد عن اليمن بمسافة نصف قارة تقريبا.

الحرب، التي كانت تهدف إلى وقف تقدم ميليشيات الحوثيين المحلية، قد تم شنها من قبل الأمير «محمد بن سلمان بن عبدالعزيز» وزير الدفاع القوي وصغير السن في المملكة العربية السعودية. هذا في وقت ترتفع فيه الهمسات التي تؤكد أن اليمن سوف سيصبح فيتنام الخاص به.لكن اليمن لن يكون كذلك للمرة الاولى. خلال حقبة الستينيات، تدخل الرئيس المصري «جمال عبد الناصر» في الحرب الأهلية في شمال اليمن من اجل منع الإمام الزيدي المخلوع من استعادة السلطة. لكنه سرعان ما وجد نفسه محاصرا في مستنقع. قد تكون أفغانستان هي مقبرة الإمبراطوريات ولكن اليمن نالت حصتها من قهر الغزاة الأجانب ايضا.

مع تنحية الاستعارات العسكرية جانبا، تكمن المشكلة الحقيقية الآن في أن اليمنيين يتضورون جوعا حتى الموت. والدولة الأفقر في الشرق الأوسط تتعرض لحصار سعودي مستمر منذ عدة أشهر ويتسبب بنقص في المواد الأساسية بما فيها المواد الغذائية. ليس من المستغرب أن يولد ذلك العداء ضد الرياض التي تخسر الآن معركة القلوب والعقول كما تصفها. فلماذا يقوم السعوديون بفعل ذلك اذا؟ ولماذا يطحنون البلاد من أجل وقف الحوثيين؟ بالنظر إلى قدر الدمار الذي تم تحقيقه فإن الأمر أشبه ما يكون بسحق ذبابة بمطرقة صغيرة.

ان جزءاً من السبب هو أن اليمن يقع على حدود المملكة العربية السعودية. فوجود حكومة مناهضة هناك يمكن أن يعرض الحدود السعودية الجنوبية لخطر كبير. لكن الحملة في اليمن قد زادت في تدهور الوضع الأمني في المملكة العربية السعودية، حيث ينتقم المسلحون الحوثيون عبر إطلاق الصواريخ على القرى السعودية وشن الغارات على الحدود. ورغم من أن تنظيم القاعد كان يمثل التهديد الأكبر للمملكة العربية السعودية في الماضي، الا ان وجوده في اليمن لم يثر أبدا تلك التعبئة العسكرية الكبيرة حيث كانت المملكة تفضل ترك مهمة التعامل مع التنظيم للولايات المتحدة. فلماذا تتدخل الآن؟

لفهم الحرب في اليمن، علينا أن نأخذ بالاعتبار وجهة نظر النخبة السعودية وأن نوسع الرؤية إلى الخارج قليلا. في وقت ما، كانت الدول ذات الأغلبية الشيعية في الشرق الأوسط تحكم من قبل حكام أقوياء كانوا غير متعاطفين إلى حد كبير مع فكرة النفوذ الديني للشيعة كما في حالة العراق ايام «صدام حسين» أو البحرين التي تحكم من قبل سلالة «خليفة» المدعومة من السعودية وحتى سلطة آل بهلوي في إيران. ظل الإسلام لعدة قرون يحكم من قبل السنة المسيطرون على مقاليد الحكم، بينما كان الشيعة ينتظرون النهايات. كانت الولايات المتحدة تنظر إلى الشرق الأوسط من خلال منظار السنة وقد تعاونت مع العديد منهم، وأبرزهم العائلة المالكة السعودية.

لكن هذه الأمور قد تغيرت خلال الـ35 عاما الماضية: مع الثورة الإسلامية في إيران أولا ، والتي أنتجت حكومة إسلامية شيعية، وبعد ذلك من خلال الاحتلال الأمريكي للعراق الذي نقل الحكم بعيدا عن أهل السنة. وفي وقت اصطف فيه الشيعة العراقيون للتصويت، وتدفق الشيعة الإيرانيون إلى النجف الأشرف، كان الشرق الأوسط يشهد اهتزازا اعطى للأقلية الشيعية (10 - 15% من المسلمين) التي ظلت مضطهدة لفترة طويلة نفوذا حقيقيا. وقد أرخ «فالي نصر» لهذه الثورة في كتابه إحياء الشيعة الذي صدر عام 2007.

الا ان هذا الصعود الشيعي أثار ردود فعل مضادة من قبل السنة الذين تدفقوا بدورهم إلى العراق لمواجهة الشيعة. وفي وقت لم تعترض فيه الدول العربية السنية مسار هذه الصحوة فقد كانت ترصدها بقلق شديد. في عام 2004، حذر العاهل الأردني الملك «عبد الله» من هلال شيعي يمتد في منطقة الشرق الأوسط، من البحرين إلى إيران فالعراق وصولا إلى نظام «الأسد» العلوي في سوريا وحزب الله في لبنان. وعلى الضفة الشرقية هناك طهران التي هي في قلب المخاوف السياسية للملك «عبد الله» الذي رأى أن الهلال الشيعي سوف يتحول حتما إلى إمبراطورية إيرانية.

من اجل ذلك  لم يكن مفاجئا قيام السعوديين بمساعدة النظام الملكي السني في البحرين بقمع الانتفاضة الشيعية إبان الربيع العربي، أو عندما قررت العديد من القوى العربية السنية القفز وراء الجهود الرامية لإسقاطن«نظام الأسد» المرتبط بإيران. كان الهدف الرئيسي هو التصدي للنفوذ الإيراني. وقد وجد تحليل صحيفة نيويورك تايمز لوثائق وزارة الخارجية السعودية التي كشف موقع ويكيلكس النقاب عنها أن هناك «هواجس تتعلق بإيران حيث يقوم الدبلوماسيون السعوديون في آسيا وإفريقيا وأوروبا بمراقبة التفاصيل الدقيقة للأنشطة الإيرانية في حين تعمل كبرى الوكالات الحكومية من أجل الحد من انتشار المذهب الشيعي». وهذا السبب الذي يجعل السعوديين مترددين في كثير من الاوقات في وضع كامل طاقتهم في الحرب على الإرهاب حيث ينظرون إلى الجماعات الجهادية السنية، كالقاعدة، على أنها تهديدات داخلية يمكن التحكم بها، في حين ان إيران تمثل تهديدا جيوسياسيا خارجيا.

عندما استولى الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء في أيلول /سبتمبرمن العام 2014، كان ذلك بمثابة الصدمة التي التقطها الجهاز العصبي السعودي. لم يكن يهم كثيرا كون الحوثيين هم من الشيعة الزيديين الذين يقعون على خلاف مع التيار الشيعي الرئيسي الاثنا عشري في إيران، أو أنهم ليسوا وكلاء لإيران بنفس الطريقة التي يعمل بها حزب الله في لبنان. قام السعوديون على الفور بإلقاء اللوم على إيران، كما قاموا، جنبا إلى جنب مع غيرهم من الدول العربية السنية بالذهاب إلى الحرب وسحب جيوشهم بعيدا عن الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

المشكلة الأبرز هنا هي أن المملكة العربية السعودية تسعى لإحباطال صحوة الشيعة وذلك قد أدى إلى نتائج عكسية. فلا يزال الحوثيون يسيطرون على صنعاء بعد أكثر من عام على القصف، في وقت تتصاعد فيه المشاعر الدولية ضد جرائم الحرب. في حين يعاني الاقتصاد السعودي بفعل انخفاض أسعار النفط، وبينما تواجه إيران تحديات مماثلة، الا ان الاتفاق النووي أعطاها دفعة كبيرة من الإيرادات وقدرا كبيرا من المصداقية. لقد أعدمت المملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا العام وبشكل مفاجئ رجل الدين الشيعي البارز «نمر النمر»، فقد كانت تقصد إظهار التحدي وتوجيه رسالة إلى إيران والشيعة المضطهدين في المنطقة الشرقية في أن النموذج القديم من الحكم السني لا يزال يملك العصا. لكن ذلك ذلك، أثار انتقادات دولية وتسبب في إحراق السفارة السعودية في طهران.

كما أن السعوديين متورطون ايضا في جدال مع الرئيس «أوباما» الذي وصفهم الشهر الماضي بأنهم «راكبون بالمجان» وأنهم يعتمدون على الضمانات الأمنية الأمريكية بشكل تام. لقد سارع الأمير «تركي الفيصل» إلى الرد بسرعة، وتبعه الأمير «عبد الله آل سعود» في افتتاحية له في صحيفة وول ستريت جورنال دافع فيها عن الحرب في اليمن. السعوديون يرون أن لديهم مشكلة في العلاقات العامة وأن الولايات المتحدة أصبحت أكثر تشكبكا تجاههم في حين تحوز إيران على المزيد من النفوذ. لكن حربهم ضد الشيعة في اليمن أسهمت في تأليب الرأي العام ضدهم في المقام الأول.

والسؤال المطروح الآن يتعلق بالسعوديين وإذا ما كانوا يستطيعون تصحيح هذه الأزمة. ولكن الشيء الواحد المؤكد هو : ان الشيعة قد استيقظوا ومن غير المرجح أن يعودوا في وقت قريب إلى سباتهم. يبدو ان الشرق الأوسط الذي نعرفه قد تغير.