السلطة » خلافات سياسية

«ناشيونال إنترست»: أين تتجه التغييرات داخل العائلة الحاكمة في المملكة؟

في 2016/04/11

ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

بعد عقدين من الانجراف المحلي في ظل وصاية حكام شائخين، مع الإفراط في الاعتماد على الحماية الأمريكية في منطقة خطرة، فإن المملكة العربية السعودية تبدأ في الوقوف لأجل تشكيل مستقبلها بنفسها. هناك نوعان من الأسباب الرئيسية لهذا التغيير. قامت العائلة المالكة نفسها بوضع السلطة في أيدي جيل جديد من القادة الذين هم أكثر ثقة بالنفس كما أنهم أكثر حزما. في ذات التوقيت، ومن وجهة نظر الرياض، فإن الولايات المتحدة، الحامي طويل الأمد للمملكة، تنأى بنفسها بشكل متزايد عن القيادة في الشرق الأوسط في عهد الرئيس «أوباما».

إلى حد بعيد، فإن التغيير الأكبر في المملكة العربية السعودية يحدث داخل العائلة المالكة التي تتحكم في كل شيء داخل هذه الملكية المطلقة. عائلة آل سعود، حكام المملكة العربية خلال القرون الثلاثة الماضية قد قاموا أخيرا بتمرير السلطة إلى جيل جديد من الأمراء. وفي الوقت نفسه فإن السلطة قد صارت مركزة الآن ضمن عدد قليل من الأيدي ضمن الأسرة الحاكمة أكثر من أي وقت مضى منذ وفاة الملك «عبد العزيز آل سعود» مؤسس الدولة السعودية الحديثة في عام 1953 . الملك «سلمان بن عبد العزيز»، (80 عاما)، قد يكون آخر أبناء المؤسس الذين يتولون الحكم. وقد قام الملك «سلمان» في إبريل/نيسان من العام الماضي بتأكيد ذلك عبر الإطاحة بأخيه غير الشقيق، الأمير «مقرن بن عبد العزيز»، 68 عاما، من منصب ولي العهد عقب أشهر من صعوده إلى العرش بعد وفاة أخيه غير الشقيق، الملك «عبد الله». قام «سلمان» بإنهاء تقليد تمرير التاج من الأخ إلى أخيه بين أبناء الملك المؤسس وقام بإحداث تغيير في الأجيال عبر تسمية اثنين من أحفاد المؤسس في ترتيب ولاية العرش.

قام الملك «سلمان» بتصعيد ابن أخيه ذائع الصيت، الأمير «محمد بن نايف»، 56 عاما، إلى منصب ولي العهد، كما قام، بشكل أثار استغرابا، بترقية نجله «محمد بن سلمان»، 30 عاما، إلى منصب نائب ولي العهد. هذا الأمير الشاب، غير المعروف إلى حد كبير لدى معظم السعوديين، قد بدأ بسرعة مساعيه لتعزيز سلطته، مما أثار تكهنات بأنه يتحدى ابن عمه ولي العهد، ليصبح الحاكم القادم للمملكة. في غضون أشهر، أصبح «محمد بن سلمان» وزيرا للدفاع، وقيصر الاقتصاد المسيطر على شركة أرامكو السعودية، شركة النفط السعودية التي تعد مصدرا لـ80 في المائة من عائدات المملكة. يقوم الأمير الشاب بمواصلة هز النظام السعودي المتصلب ومعه المجتمع السعودي المخدر. منذ عصر جده الملك «عبد العزيز»، لم يحز أي أمير في مثل هذا السن على هذا القدر من السلطة. وقد قلب صعود الأمير الشاب بعض الفروع الأخرى للعائلة المالكة، ولكن في الوقت الحاضر، مع دعم والده الكامل، يبدو أنه راسخ بشكل جيد في موقعه.

صعود «بن سلمان»

مما لا شك فيه، فإن صعود الأمير الشاب قد ضخ الكثير من الطاقة في المملكة ولكن جنبا إلى جنب معها، فقد صاحبه حالة من عدم اليقين. جميع أفراد العائلة المالكة وحتى المواطنين السعوديين العاديين يتابعون ما ينظر إليه على أنه صراع على السلطة يتبدى بين اثنين من أمراء الجيل القادم باهتمام مستغرق. خلال زيارة للمملكة في يناير/كانون الثاني، فقد وجدنا أن الشباب السعودي في معظمه متحمس للأمير الثلاثيني. هذا أمر مهم لأن 70 في المائة من سكان المملكة هم تحت سن الثلاثين. (يقطن البلاد 30 مليونا منهم 20 مليونا من المواطنين و10 ملايين من الأجانب).

يعرب الشباب السعودي عن سعادته باستعداد «محمد بن سلمان» لتحمل المخاطر. فقد شن حربا في اليمن ضد الحوثيين، الذين يعتقد أنهم مدعومون من قبل إيران. كما أعرب عن تأييده لتطبيق سياسات أكثر حزما ضد النفوذ الإيراني في البحرين والعراق وسوريا، بما في ذلك الالتزام بإرسال قوات سعودية إلى سوريا إذا كانت الولايات المتحدة ستنشر قواتها هناك لمحاربة «الدولة الإسلامية» والرئيس السوري «بشار الأسد». وعلاوة على ذلك، نظم الأمير الشاب ائتلافا إسلاميا مكون من 34 دولة ضد الإرهاب وأخذ زمام المبادرة في لقائه مع قادة روسيا والصين ليؤكد للولايات المتحدة أن المملكة العربية السعودية لديها خيارات أخرى دوليا.

بنفس القدر من الأهمية، فإن نائب ولي العهد، الذي يرأس المجلس الذي تم إنشاؤه حديثا للاقتصاد والتنمية، قد وضع خطة طموحة لإصلاح اقتصاد المملكة بعيدا عن الاعتماد على النفط، ووضع هدفا لعام 2030 بزيادة الإيرادات غير النفطية من 10 في المائة من إيرادات المملكة إلى 70 في المائة. وتبدو وعوده بخصخصة الاقتصاد، وهو الأمر الذي تعذر تطبيقه في المملكة على مدى عقود عديدة، ضرورية لضمان مستقبل مشرق للشباب السعودي في حال ظلت أسعار النفط على انخفاضها.

مثل هذا التحول، مع ذلك، يمثل تحديا كبيرا لأنه سيتطلب في كل الأحوال تغييرا كاملا في عقلية السعوديين الذي طالما اعتادوا على مدار عقود طويلة الاعتماد على الحكومة من أجل تدبير أمور معيشتهم بما فيذلك لوظائف والتعليم والرعاية الصحية وفق العقد الاجتماعي السعودي التقليدي الذي يبادل الولاء والطاعة في مقابل الرخاء والاستقرار. سوف يصبح هذا العقد الاجتماعي في خطر ما لم يستطع النظام السعودي إصلاح الاقتصاد لخلق فرص عمل في القطاع الخاص ذات رواتب عالية للسعوديين، لأن الحكومة لم تعد قادرة على تحمل لخلق فرص عمل كافية لاستيعاب ثلاثمائة ألف شاب سعودي سوف يدخلون إلى سوق العمل سنويا من الآن وحتى عام 2030. وقد تعهد نائب ولي العهد بتوفير 6 ملايين فرصة عمل جديدة بحلول عام 2030، وهو هدف يلقى شعبية بين صفوف جيل الألفية السعودي الذي يعاني معدلات بطالة تتراوح حول 30 في المائة. ولكن النظر إلى أن صافي زيادة فرص العمل في المملكة العربية السعودية في عام 2015 كان 417 ألف وظيفة، منها 49 ألف وظيفة فقط كان السعوديون على استعداد لشغلها يخبرنا بمدى حجم التحدي الذي يواجهه.

ولا يقتصر القبول الذي يحظى به «بن سلمان» ضمن صفوف الشباب فقط. معظم السعوديين من كبار السن الذين تحدثت إليهم أبدوا الرضا عن سياسات بن سلمان الخارجية بالوقوف في وجه إيران وسياسته الداخلية بإجراء تحويلات على النظام السعودي. لكن التجربة جعلتهم يشككون ببساطة في مدى القدرة على خوض حربين في اليمن وسوريا، في الوقت الذي يتم فيه إصلاح الاقتصاد المتصلب بسبب الاعتماد على عائدات النفط. في حين أن بعضا من هؤلاء السعوديين من منتصفي العمر يفضلون أن يكون ملكهم القادم هو «محمد بن نايف» الذي يعتبرونه أكثر خبرة، فهم يصرون على أن المجتمع سوف يكون آمنا تحت قيادة أي من الأميرين كما صرح لنا أحدهم بالقول.

أقل تفاؤلا

البعض داخل العائلة المالكة هم أقل تفاؤلا بكثير. الأمير «طلال بن عبد العزيز» نجل الملك المؤسس، 85 عاما، ويتحدث بصراحة عن نفوره من ما يراها على أنها جهود أخيه غير الشقيق الملك «سلمان» في حرمان بقية ورثة والدهم الراحل والسيطرة على العرش لصالح ابنه وأحفاده في المستقبل. أنجب الملك المؤسس 44 ابنا من 22 زوجة. عاش 36 من هؤلاء الأبناء إلى سن البلوغ وقد تولى 6 من هؤلاء الأخوة العرش منذ وفاة والدهم في عام 1953 فيما لا يزال بعضهم على قيد الحياة ومنهم الملك الحالي. ولكن معظمهم من العجزة ومن غير المنتظر أن يحظى أي منهم بفرصة للجلوس على العرش.

هؤلاء الأبناء الستة والثلاثون قد قاموا بدورهم بإنجاب الكثير من الأحفاد وأبناء الأحفاد وقد قيل أن عددهم جميعا يناهز السبعة آلاف. ويمكننا أن نتفهم حالة عدم الرضا لدى الأمير «طلال» على ما يعتبرها محاولة الملك سلمان تأسيس نظام ملكي على الطريقة البريطانية حيث يتم تمرير العرش من الأب إلى الابن. ووفقا لما حدثني به الأمير «طلال» فإن قرار الملك «سلمان» بتسمية نجله كنائب لولي العهد من الطبيعي أن يتبعه قرار آخر وهو ترقيته إلى منصب ولي العهد وإزالة ولي عهد آخر من منصبه. «هو يعد أبناءه وأحفاده كي يكونوا الملوك من بعده». وقد كان الأمير «طلال» لفترة طويلة أحد أبرز الناقدين لآل سعود ما تسبب بإبعاده إلى مصر خلال الستينيات بسبب مطالبته بإجراء إصلاحات ديمقراطية في المملكة.

ولكن هناك عدد آخر من الأمراء الذين أعربوا عن عدم رضاهم دون الإفصاح عن هوياتهم علنا بالنظر إلى قانون الصمت الملحوظ بين كبار أعضاء العائلة المالكة فيما يتعلق بمسائل الخلافة. وقد قال مسؤول ملكي بارز إنه يأمل أن نائب ولي العهد الشاب سوف تنضج خلال السنوات المقبلة ويكتسب الحس الذي يطبع التفكير الملكي. «ولكن بالنظر إلى كل المشاكل التي نواجهها الآن مع إيران واقتصادنا، فإن الوقت ليس هو الأنسب لوقوع خلافات داخل العائلة المالكة».

لعبة العروش

من الواضح أن الملك «سلمان» فقط هو الذي يعرف جيدا ما ينويه. ونظرا لكونه طاعنا في السن ويخضع كثيرا لتأثير ولده فإن السؤال الذي يبرز هنا لماذا لم يقم بتعيين نجله مباشرة كولي للعهد. يصر البعض على الشاب قد أعد مرسوما للملك للتوقيع عليه من شأنه أن يفعل ذلك تماما وأن المسألة ليست إلا مسألة وقت. يظن الكثير من السعوديين أنه إذا حانت وفاة الملك دون أن يضع نجله في منصب ولي العهد فإن «محمد بن نايف» لن يضيع الكثير من الوقت قبل أن يزيح ابن عمه عن السلطة. المسألة ليست عداءا شخصيا بين الأمراء، وإنما خلاف حول كيفية تمرير السلطة في المستقبل. لدى «محمد بن سلمان» أبناء بالفعل يمكن أن يخلفوه في حين أن ذرية ولي العهد كلها من الإناث. هذه الحقيقة تبدو ماثلة بوضوح في أذهان باقي أفرع العائلة الذين لا يزالون يملكون الفرصة للسيطرة على العرش.

الأمير «محمد بن نايف»، الذي يشغل أيضا منصب وزير الداخلية المسؤول عن حفظ بلاده في مأمن من الإرهاب الداخلي، يبدو مختفيا بشكل كبير في هذه الأيام. في حين يظهر الأمير الشاب نائب ولي العهد ليل نهار على شاشات التلفاز بصحبة والده في استقبال الوفود الأجنبية بينما يبدو ظهور «بن نايف» مقتصرا على الملصقات المنتشرة في كل مكن والتي تصور الملك ونائبيه. محاصرا بين الملك الذي يعمل تحت إمرته وبين ابن عمه الذي يدبر له، يواصل «محمد بن نايف» نيل الاستحسان من مواطنيه لجهوده في حفظ البلاد، إلى حد كبير، بمعزل عن تهديدات «الدولة الإسلامية» والشباب السعودي المتعاون معها. وهو ينظر إليه باعتباره عاملا في صمت وليس متكلما. هناك الكثيرون ممكن يرون أن الملك رغم انحيازه لنجله فإنه غير راغب في إزالة ولي العهد الذي كان فعالا جدا خلال السنوات العشرين الماضية حيث نجح في هزيمة تنظيم القاعدة في المملكة، ومؤخرا في قمع «الدولة الإسلامية». من خلال منصبه كوزير للداخلية، فقد عمل «بن نايف» بشكل وثيق مع لولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب وحاز على إعجاب كبير من قبل المسؤولين الأمريكيين. ومع ذلك، يمكن أن تكون تلك نقطة سلبية للأمير، وذلك بالنظر إلى خيبة الأمل الواضحة في العائلة المالكة بسبب سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.

السعوديون، سواء أكانوا من داخل العائلة المالكة أو من خارجها، على قناعة بأن الملك لديه السلطة للمضي قدما في أي قرار يريده. في الواقع فإن الملك «سلمان» لديه من النفوذ أكثر مما كان يتمتع به أي من إخوته نظرا لأن أخوته الأقوياء قد لقوا حتفهم. على مدى العقود القليلة الماضية، كانت المملكة تحوي العديد من مراكز السلطة المصغرة، والتي كانت تعمل كـ«ملوك صغيرة» تحت سلطة الأخوة الأقوياء في آل سعود: ظل «سلمان» محافظا للرياض لأكثر من 40 عاما بينما شغل شقيقه «سلطان» منصب وزير الدفاع ثم ولي العهد حتى وفاته في عام 2011 بينما شغل «نايف» منصب وزير الداخلية ثم ولي العهد مع إمكانية الوصول إلى جميع أسرار المملكة والقدرة على استخداما للسيطرة على أفراد العائلة وحتى المواطنين السعوديين حتى وفاته في عام 2012. الملك الراحل «عبد الله» ظل رئيسا للحرس الوطني السعودي لمدة زادت على 50 عاما ومثل الحرس قاعدة سلطته الخاصة إلى أن أصبح ملكا في عام 2005. جميع هؤلاء قد ذهبوا، وليس هناك المزيد من الأمراء الذين يحوزون قواعد مستقلة للسلطة أسوة بآبائهم ولا حتى «متعب بن عبد الله»، الذي خلف والده كرئيس الحرس الوطني السعودي، أو «محمد بن نايف»، الذي خلف والده أيضا في وزارة الداخلية.

«سلمان يستطيع أن يفعل أي شيء يريده»، وفقا لما صرح به رجل أعمال وعضو سابق في مجلس الشورى، البرلمان السعودي غير المنتخب. ويضيف: «هو الملك الوحيد الذي يستطيع أن يفعل ذلك. السلطة مركزة الآن بشكل غير مسبوق. وهو يتمتع شعبية كبيرة لدى الناس وبدعم قوي من رجال الدين».

وباختصار، فإن مرور السلطة من الملك «عبد الله» إلى الملك «سلمان» قد أكد على حقيقة الصارخة للنظام الملكي السعودي: تبقى سلطة الملك دون منازعة طالما ظل على قيد الحياة ولكنها تموت تماما معه. خلال سنواته الأخيرة كملك، دعم «عبد الله» جهودا غير مسبوقة للسيطرة على الخلافة في عائلة آل سعود بعد وفاته. لم يكن عبد الله مولعا بالسديريين السبعة، وهم مجموعة من سبعة إخوة أشقاء بينهم ثلاثة من الذين خدموه كأولياء للعهد وهم «سلطان» و«نايف» و«سلمان»، حيث كان يسعى لحرمان أبنائهم خصوصا «محمد بن سلمان»، من أي دور في القيادة عبر استحداث منصب نائب ولي العهد في عام 2014 وتسمية أخيه غير الشقيق، «مقرن»، له. وفقا للمراقبين فإن «عبد الله» كان يهدف قطع الطريق على «سلمان» حين يصبح ملكا عبر وضع مقرن كولي للعهد لمنع «محمد بن سلمان» من الصعود إلى سلم الخلافة في آل سعود.

ولكن الملك «سلمان» انتظرت أقل من أربعة أشهر لإزالة «مقرن» ورفع سديري آخر هو «محمد بن نايف» لمنصب ولي العهد ثم استخدم ذات البوايبة التي استحدثها أخوه الراحل من أجل وضع ابنه في خط الخلافة. من الواضح، إذا لم يستطع الملك أن يعين ابنه وليا للعهد قبل وفاته، فإن التاريخ قد يعيد نفسه مع الملك الجديد الذي قد يطيح بولي عهده الموروث، «محمد بن سلمان».