علاقات » اميركي

الإعلام الغربي يشوه صورتنا

في 2016/03/30

د. فهد بن عبدالعزيز الخريجي- عكاظ السعودية-

قامت بعض الصحف البريطانية مثل الديلي ميل وصحيفة الديلي ميرور، بحملة دعائية لفيلم عرض على قناة ITV يوم الثلاثاء 22 مارس 2016.

أنتجت هذا الفيلم شركة «Hardcash Production» التي لها مواقف عدائية من المملكة (ولا نعلم إن كان هناك من دفع ثمن التشويه خلف الكواليس)، حيث يسعى هذا الفيلم المشبوه وبخبث، لتشويه صورة المملكة أمام الغرب وتحريض الحكومة البريطانية ضد العدالة في المملكة.

يفقد هذا الفيلم أبسط أبجديات الحرفية الإعلامية التي تفرض على المنتج طرح وجهة نظر الطرفين بعدالة، مما يجعل هذا الفيلم عرضة للمقاضاة القانونية.

لم نستغرب أن تقوم قنواتITV ببث فيلم يتهم فيه المملكة بإقامة الحدود ويصفها «بوحشية الحياة في المملكة العربية السعودية». يتعاطف الفيلم مع القاتل، متناسيا حق العدالة الإنسانية للضحية. لكن الغريب هو ضعف إعلامنا في التفاعل الآني مع الأحداث التي تمس صورة المملكة في الخارج.

هذه الحملة المسعورة على المملكة في وسائل الإعلام الغربية، ردة فعل تجاه المواقف السعودية الصريحة والجادة في الحفاظ على استقرار المنطقة العربية والإسلامية من عبث اللعبة السياسية العالمية الجديدة، لتقسيم المنطقة متجاوزة اتفاقية الوزيرين السابقين سايكس وبيكو عام 1916 (الاتفاق والتفاهم السري بين فرنسا وبريطانيا ـ بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام المنطقة العربية وأفريقيا وتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية). وقد حظيت روسيا آنذاك بالهيمنة الكاملة على المناطق الإسلامية في آسيا.

لم يدرك الغرب أن الشعوب والحكومات أصبحا أكثر قوة وتماسكا وأنها لم تعد قابلة للتقسيم حسب الرغبات الاستعمارية القديمة، حتى وإن بقيت بعض أيادي الاستعمار جاثمة كما هو الحال في العراق وسورية ولبنان. فالمشاعر الوطنية لم تكن موجودة آنذاك والفوضى كانت تضرب أطنابها أيام الحكم العثماني الذي أهمل الشعوب العربية ثقافيا وتعليميا.

الفكر الاستعماري كان يعتقد أن التقسيم سيمر بسهولة، وجعل التمدد الفارسي الإيراني وسيلة لشق عصا العالم العربي وأداة طيعة لتحقيق الرغبة اليهودية بجعل العرب دويلات صغيرة ضعيفة متناحرة قائمة على الطائفية تأكل بعضها بعضا، بهيمنة إيرانية تسعى لإرباك المنطقة بلغة الكراهية. رحم الله الأمير سعود الفيصل الذي قال «لقد سلمت أمريكا العراق لإيران على طبق من ذهب».. حيث سرقت إيران ثروات العراق على يد الملالي بما يتجاوز 570 مليار دولار منذ احتلاله وحتى اليوم، وما زالت مستمرة في نهب ثروات العراق إلى اليوم. وأصبحت الحكومة العراقية عاجزة عن سداد رواتب موظفيها، بل طلبت الدعم المالي من دول العالم لإنقاذها من الورطة التي وقعت فيها.

الإعلام المسيس

عودا إلى تاريخ الإعلام المسيس، فلقد تعرضت المملكة والعرب والمسلمون لحرب دعائية قذرة على مر الأجيال الماضية، في الإعلام الغربي عموما وأمريكا خصوصا. كانت منهجية هذه الصورة المشوهة قائمة على رؤية ضيقة وأحادية. وتجاهلت أن العالم كله أصبح قرية صغيرة تتبادل فيه المنافع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، وأنه لا يمكن الاستمرار والبقاء بدون الآخر. لقد كانت وسائل الإعلام الغربية تصور الشخصية العربية كشخصية بترولية غنية، مليئة بالجشع، تسعى لأشباع نزواتها بدون قيود.

في المقابل لم يسجل التاريخ العربي أي جهود جادة، لمواجهة هذا التشويه للصورة العربية في العقل الغربي، إلا بعد أحداث 11 سبتمبر التي جعلت العرب يدركون أن الوقت كان متأخرا، وعليهم أن يقدموا شيئا أمام هذا التيار الإعلامي المستمر من اللوبي اليهودي واليمين المسيحي المتطرف، الذي كسب جولات. ولكن ما زال هناك جولات أخرى يمكن أن يلعب فيها العرب دورا إيجابيا في تصحيح الصورة السلبية إذا تمكنوا من التخطيط السليم والأدوات الفعالة وتنفيذ الحملات في الوقت المناسب بالمحتوى المقبول لدى المستقبل للرسالة (العقل الغربي).

ونقول إن القوالب الجاهزة والصورة الذهنية عن العالم الثالث لها جذور تاريخية، بمـا فيها القرن السادس عشر، الذي امتد إلى القرن التاسع عشر، حيث المد الاستعماري، والمبشرين والتجار الذين كانوا ينفذون إلى قلب العالم العربي والإسلامي الخاضع للهيمنة العسكرية آنذاك. وكان الاستعمار وروافده يحرصون على نشر القوالب الجاهزة عن هذا العالم على أساس التخلف وانعدام القيم الإنسانية وغيرها. وكانت الصور الذهنية مهمة لتبرير واقع الاستعمار للشعوب الغربية آنذاك. نفس الدور تقوم به وسائل الإعلام الغربية اليوم وبأكبر قدر من الكفاءة. دراسة الصورة الذهنية المقولبة يمكن أن تظهر في الحقبة الاستعمارية حيث كان يوصف الشرق الأوسط بالشرق وقد وضع في صور جاهزة بأنه بهيمي، وحشي، مظلم، وضئيل الثقافة.

وقد تمكنت الثقافة الغربية آنذاك من تعريف نفسها بأنه حضارة إنسانية راقية ديناميكية متقدمة في مقابل ثقافة الأكواخ والرماح والبقر. ومشكلة حقبة الاستعمار أنها لم تكن قادرة على التمييز بين ثقافات الشرق وأنها ليست واحدة. لكن الإصرار على رؤيتها في بوتقة واحدة لتسهيل مهمة المستعمر الذي جاء لتحرير الشرقيين من التخلف والثقافة البدائية. وهذه الصورة النمطية كانت مبررا معقولا في بدايات الاستعمار. كما أن الاستعمار أعطى بعدا جديدا للقوالب الجاهزة باعتبار هذه الثقافات البدائية. وأصبح التعامل مع الآخر أمرا سهلا بحكم التوصيف ووضوح الأهداف المدعومة بآلة الاستعمار.

الصورة النمطية للآخر انتقلت إلى أمريكا الشمالية مع موجة الانتقال إلى الأرض الجديدة من بريطانيا وأوروبا. واستخدم الرجل الأبيض مفهوم الآخر في استعمار الأمريكان الأصليين والأفارقة والهنود، والذين ينظر إليهم أنهم مجموعة من الهمج. وأصبح الزنوج وحوشا قذرة، وغير متحضرين. ومستوى ذكائه متدن جدا. وبصناعة هذه الصورة الذهنية أصبح التوسع في أمريكا الشمالية مبررا.

هذا يعطينا مؤشرا جيدا بأن القوالب الجاهزة لها وظيفة مهمة في صيانة القوى المهيمنة وتبرير السلوك السياسي والاقتصادي والعسكري عند الحاجة إليه، والحفاظ على عناصر القوة لدى المهيمن.

وكالات الأنباء العالمية

استمرت قوة المعلومات واحتكارها من خلال وكالات الأنباء الرئيسية في العالم التي كانت تعود ملكيتها إلى ثلاث دول. وهذه الدول تزود العالم بنحو تسعين في المئة من الأخبار إلى وقت قريب. وكان هناك جولات في سراديب اليونسكو وجهت فيه دول العالم الثالث اللوم للغرب بالسيطرة الثقافية من خلال منتجاتها الإعلامية والإخبارية. ويقول مارك وود رئيس التحرير في رويترز آنذاك إنه ليس هناك من فائدة في لوم أجهزة الإعلام الغربية على التقارير الضارة على العالم الثالث. أعتقد أن مارك على الصواب، علينا لوم أجهزة الإعلام الخارجي المنسوبة لنا على عجزها عن مخاطبة العقل الغربي، بدلا من مخاطبة المتلقي المحلي فهو يؤمن بما تقول.

الغريب أنه مع صدور الأحكام القضائية الأمريكية بإدانة إيران، ومعرفة الأمريكيين أن إيران كانت الداعم الأكبر للقاعدة، وحليفها الذي تؤمن له الممرات الآمنة، بل كانت تتواطأ بعدم ختم جوازات مرورهم لتنفيذ جريمة 11 سبتمبر، فإن أحداث 11 سبتمبر أصبحت خطا فاصلا بين الصورة الذهنية المشوهة إلى حد ما، وبين الصورة السلبية الكاملة التي تكاد أن تجعل من الاتجاه سلوكا. أحداث 11 سبتمبر وطريقة توظيفها زادت من اختلال الرؤية الغربية، واستمر التمادي في تشويه صورة العالم العربي والإسلامي، وذلك من خلال حملات تشهير منظمة استهدفت الشخصية العربية والدين والحضارة، وكان للمملكة نصيب الأسد.

اليوم تحولت الشخصية العربية من شخصية شهوة ونزوة وزير نساء في الصحراء، إلى شخصية إرهابية متعطشة للدم، مستعدة للاعتداء على المدنيين وتدمير الحضارة الغربية بكل أشكالها. ويمكن قياس تنامي هذه الصورة السلبية، المتراكمة تاريخيا عن العرب والمسلمين في العقل الأمريكي مثلا، من خلال المعاملة السيئة والمهينة للزائر العربي والمسلم، سواء كان شخصية رسمية أو عادية، وذلك عند منافذ الدخول في الدول الغربية، تحت مضلة محاربة الإرهاب. وقد نشرت العديد من وسائل الإعلام نماذج من هذا السلوك الذي يعزز وجود هذه الصورة لدى العقل الغربي في الوقت الحاضر.

ختاما: تضامن الحكومات مع شعوبها الضمان الوحيد لإيقاف مشروع التقسيم الجديد للعالم العربي. وحرب الصورة الذهنية في الإعلام الغربي أخطر أبوابها. فهل من مدكر؟