سياسة وأمن » حروب

حاضر "عمان" ومستقبلها.. واحة الاستقرار في الشرق الأوسط إلى أين؟

في 2016/03/22

جلوبال ريسك إنسايتس- ترجمة: علاء البشبيشي- شؤون خليجية-

في منطقةٍ تمزقها الحروب والنزاعات الأهلية، يصبح من الصعب أحيانا العثور على جهات فاعلة سياسية واقتصادية صنعت تغييرا جذريا بطريقة إيجابية لمواطنيها في الشرق الأوسط. ورغم أن دبي وأبوظبي وقطر تعتبر أمثلة ساطعة على الاقتصادات الخليجية التي نوَّعت صناعاتها، وجمعت ثروة كبيرة من الطفرة النفطية خلال فترة السبعينيات، إلا أن "عمان" تبرز، في ظل الفوضى التي ينزلق إليها الشرق الأوسط، باعتبارها واحة الاستقرار في المنطقة.

ما حققته عمان ليس فقط نموا اقتصاديا هائلا، بل أيضا رفعت مستوى معيشة مواطنيها بشكل كبير. وعلى رأس هذا الازدهار الاقتصادي الملحوظ، يتربع السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد؛ الذي أشرف طيلة أربعين عاما على برامج التحديث والتحرير الاقتصادي، التي حوّلت عمان من سلطنة زراعية ومعزولة إلى لاعب اقتصادي ودبلوماسي قوي في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط.

تحت حكم والد السلطان قابوس، حافظت عمان على خطائصها الإقطاعية، رغم التغير السريع الذي طرأ على الشرق الأوسط في مطلع القرن. وارتفعت معدلات وفيات الرضع ونسب الأمية، وتجلّت الاضطرابات العامة في ثوبِ تمردٍ ماركسيّ في ظفار جنوب البلاد. لكن في يوليو 1970، أطاح السلطان قابوس بأبيه سعيد بن تيمور، وبمجرد توليه زمام الأمور في السلطة وعد الابن المواطنين العمانيين بأنه سيُحَوِّل حياتهم إلى ازدهار وتعهد بمستقبل مشرق. والآن، بعد مرور 46 عاما، لم يعد هناك وجود لتاريخ عمان الإقطاعي.

ومنذ عام 1970 فصاعدًا، شرع السلطان قابوس في تنفيذ مشروع بنية تحتية ضخم لنقل عمان إلى القرن العشرين عن طريق إنشاء شبكة مدارس وطرق ومستشفيات ووسائل نقل عام وجامعات. كما دشن نظام رعاية صحية وطني يتمتع بفعالية شديدة، ومرافق صحية للحصول على الغذاء والتخلص من النفايات وتنقية المياه.

كما شهد الاقتصاد العماني نموًا مذهلا في الناتج المحلي الإجمالي، الذي ارتفع من 265 مليون دولار في عام 1970 إلى 79.66 مليونًا في 2012. ورغم أن احتياطيات النفط العمانية تمثل العمود الفقري للتنمية الاقتصادية، إلا أن السلطنة ليست غنية بالنفط والغاز بقدر جيرانها أعضاء مجلس التعاون الخليجي.

ومع تنفيذ الخطة الخمسية الثامنة في عام 2011، بدأ السلطان قابوس في تنفيذ هدف طموح متمثل في التنويع الاقتصادي؛ بهدف خفض نسبة إسهام النفط في الاقتصاد العماني من 37.2٪ إلى 9٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي.

وبحلول عام 2020، تسعى سلطنة عمان أيضا إلى امتلاك مقومات التنويع الاقتصادي، والاستغلال الأمثل لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، ومواردها من النفط والغاز، مع التركيز كذلك على الموارد البشرية لضمان انتفاع المواطنين العمانيين بشكل كبير من هذا التطوير.

وكجزء من أهداف التنويع الاقتصادية، ارتفع الإنفاق الحكومي على احتياطيات البلاد من الغاز، وتطوير مشاريع البنية التحتية الضخمة، مثل: توسيع ثلاثة موانئ رئيسية في صحار والدقم وصلالة. وبمجرد الانتهاء منها، من المقرر أن تجعل هذه الموانئ عمان مركزا لوجستيا رائدًا في الشرق الأوسط. وإلى جانب تقدم الاستثمار في البنية التحتية، شهدت البلاد نموًا متسارعًا واستثمارًا في قطاع السياحة والصناعات التحويلية.

وتمثل عمان نموذجًا للاستقرار السياسي والاقتصادي، الداخلي والخارجي على حد سواء، في الشرق الأوسط الذي يعاني من اضطرابات متزايدة. فمع تورط العديد من الجهات الفاعلة الرئيسية داخل المنطقة في توترات سوريا واليمن، لعبت عمان دورا رئيسيًا كوسيط دبلوماسي في الشرق الأوسط.

وتبنت عمان نهجا مستقلا في تعاملها مع إيران، وأدت إلى تضاؤل النفوذ السعودي في دول مجلس التعاون الخليجي. أما قدرة السلطان قابوس على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وقوى غربية أخرى، فضلا عن علاقاتها مع الجهتين الفاعلتين الإقليميتين الرئيسيتين، إيران والمملكة العربية السعودية، فقد هيأت عمان للعب دور فريد ومتوازن في المنطقة. حيث قامت عمان بدور حاسم في تسهيل اتفاق جنيف بين الولايات المتحدة وإيران، كما توسطت في النزاع اليمني المستمر بين القوات التي تقودها السعودية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

ومحليا، رغم وجود بعض المظاهرات التي تركز على المظالم الاقتصادية والسياسية، فإن عمان- على عكس جيرانها- لا تعاني من توترات عرقية أو طائفية بالغة الشدة. يضاف إلى ذلك أيضا، شعبية السلطان قابوس الذي يحظى بالاحترام والتقدير من مواطني بلاده. هذا يجعل عمان تتمتع بحالة فريدة من الاستقرار الخارجي والداخلي، تغيب عن دول أخرى في المنطقة.

وعموما، يثبت دور قابوس وعمان في الشرق الأوسط مدى براعة السلطنة. ذلك أن تطوير الركود الاقتصادي والسياسي النسبي في السبعينيات إلى مثل هذه الدولة المستقرة في الشرق الأوسط متزايد الفوضى، ليس بأي حال إنجازا سهلا. ومع هذا الاضطراب، ها هي عمان تحت حكم السلطان قابوس تعتبر مكانًا آمنًا للاستثمار، وتقدم مثالا ساطعا للبلدان النامية الأخرى على الاحتمالات التي تستطيع تحقيقها بالتخطيط الاقتصادي الاستراتيجي الجيد.

بيدَ أن هناك أزمة محتملة تلوح في أفق عمان. فمع استمرار انخفاض أسعار النفط، وتزايد الاضطرابات في المنطقة، سوف يعتمد حفاظ عمان على سياستها الخارجية المستقلة، والاستمرار في خطط التنمية الاقتصادية، على صياغة سياسات عميقة الغور وشديدة الذكاء. كما أن هناك مخاوف من احتمالية إصابة السلطان قابوس بسرطان القولون، وأن يكون شفاؤه ميؤوسًا منه. ولمَّا كانت السلطة السياسية مُرَكَّزة في يد السلطان قابوس، وليس هناك وريث مُعلَن له نظرا لعدم إنجابه أولادا، فإن احتمالية حدوث أزمةِ خِلافةٍ وعدم استقرارٍ تتحوَّل إلى مخاوف واقعية على نحوٍ متزايد. وربما تقوّض احتمالية حدوث صراع داخلي على السلطة الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي شهدته عمان في عهد السلطان قابوس على مدى السنوات الـ 46عاما الماضية.

سيكون علينا الانتظار لنرى هل سيستطيع خليفته في نهاية المطاف الحفاظ على نفوذ عمان الدبلوماسي والاقتصادي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، في الوقت الحالي، تعتبر عمان في عهد السلطان قابوس بن سعيد واحة الاستقرار في خضم الفوضى التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط.