علاقات » اوروبي

فرنسا تبيع نفسها للسعودية

في 2016/03/22

مجلة "ماريان" الفرنسية - مارك اندويلد-ترجمة : محمد بدوي- شؤون خليجية-

نشرت مجلة "ماريان" الفرنسية في عددها الصادر هذا الأسبوع، ملفًا خاصًا من اثنتي عشرة صفحة عن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين فرنسا والمملكة العربية السعودية، كشفت خلاله النقاب عن العديد من الوثائق الحصرية، ومن بينها برقيات دبلوماسية تشير إلى روابط خطيرة بين فرنسا والسعودية.

فتحت شعار "الدبلوماسية الاقتصادية"، قدم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند وسام جوقة الشرف، إلى ولي العهد السعودي ووزير الداخلية محمد بن نايف. ولكن في الواقع، فإن هذه الواقعة- التي أثارت انتقادات وتساؤلات عديدة لدى الفرنسيين- تمثل إحدى صور التقارب غير المسبوق بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.

ومن بين تلك التساؤلات: هل ما يحدث يشير إلى تبنى فرنسا سياسية "التوافق الدبلوماسي" بناء على لعبة مزدوجة تمارسها مع أكبر قوة سنية؟ أم هل ساعد ذلك على تقليل الدعم الذي تقدمه السعودية للحركات الجهادية في سوريا؟

ملف هذا الأسبوع الذي نشرته مجلة "ماريان" حاولت فيه فك شفرة أسرار العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين فرنسا والسعودية، في ضوء عدة وثائق، من بينها برقيات دبلوماسية، وتحركات فرنسية فعالة بالتنسيق مع السعودية، تهدف للضغط على إدارة أوباما إزاء الملف السوري بشكل خاص.

ومن بين تلك الوثائق ما جاء في محضر اجتماع سري في ربيع عام 2013، بين عدد من الدبلوماسيين الفرنسيين والأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية السابق وسفير الرياض السابق في واشنطن، وهو يحث محاوريه الفرنسيين على توجيه موقف فرنسا ليتوافق مع وجهة نظر الرياض بالنسبة للملف السوري، "وأن باريس لها دور كبير في هذه القضية، وأن الملك السعودي يعرب عن تقديره لشجاعة الرئيس هولاند".

وخلال الاجتماع، كشف رئيس المخابرات السعودية في ذلك الوقت عن تفاصيل مثيرة، بشأن تمويل وتسليح حركات المعارضة السورية من قبل المملكة العربية السعودية، دون أن يثير ذلك الأمر أسئلة عميقة من جانب الدبلوماسيين الفرنسيين...

وفي أكتوبر عام 2012، قدم وزير الخارجية الفرنسي السابق، لوران فابيوس، مذكرة حذر فيها إدارة "كاي دورسيه"، ذكر فيها معلومات من ناشطين سوريين قالوا إنهم يشعرون بالقلق حول دينامية "سعودة حركات المعارضة، من خلال عمليات التمويل والخدمات التي تقدم لها عبر دول الخليج، وخاصة السعودية، للقتال ضد بشار الأسد وقواته.

ومع ذلك، فقد فضلت السلطات الفرنسية السير قدمًا في طريق إبرام عدة عقود كبيرة بين الشركات الفرنسية والمملكة العربية السعودية. أملا في الحصول على نحو 30 مليار يورو عبر عقود مدتها خمس سنوات، ويبدو أن هذا هو أحد مظاهر تلك "الدبلوماسية الاقتصادية" التي مازالت تتبناها باريس حتى الآن.

وكشفت وثائق "ماريان" أيضًا، عن الشبكات الاقتصادية والسياسية والتجارية الفرنسية في عهدي ساركوزي وهولاند، التي اعتمدت على الاستثمارات القطرية ثم السعودية، على أمل الفوز بأكبر قدر ممكن من كعكة البترودلار.

وسام بن نايف

ملف "ماريان" عن العلاقات السعودية الفرنسية جاء بمناسبة منح "وسام جوقة الشرف"، الذي يعد الأرفع في فرنسا لولي العهد السعودي محمد بن نايف، والذي أثار جدلًا كبيرًا بين الفرنسيين، حيث طالبت أحزاب معارضة بسحبه من الأمير السعودي بسبب انتهاكاته ضد حقوق الإنسان، بينما دافعت الحكومة الفرنسية عن هذا الإجراء.

فقد طالب حزب الجبهة الوطنية اليميني الفرنسي المتطرف بسحب الوسام من بن نايف، الذي يوصف بأنه قاطع رؤوس معارضيه، واعتبر المسؤول الثاني في الجبهة الوطنية فلوريان فيليبو، أن صورة فرنسا هي التي تتضرر جراء ذلك..

وأضاف فيليبو أن كشف وسائل الإعلام عن مراسلات دبلوماسية يعطي الانطباع بأن السلطات الفرنسية تنصاع للضغوط السعودية بشكل "يزيد العار" على فرنسا، حسب قوله.

وعلى الجانب الآخر، نقلت "ماريان" تبرير وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، لتلك الخطوة قائلًا: إن منح محمد بن نايف، الذي تواجه بلاده انتقادات حادة حول حقوق الإنسان، وسام جوقة الشرف يأتي احتراما "لتقليد دبلوماسي"، مضيفًا أن تسليم ولي العهد السعودي هذا الوسام من قبل فرانسوا هولاند "لم يرتد أي طابع احتفالي".

وأوضح وزير الداخلية الفرنسي أن هذا الإجراء هو "تقليد دبلوماسي، ويمكنني أن أذكر الكثير من أوسمة جوقة الشرف التي منحت في هذا الإطار"، مضيفًا: "رأيت ردود الفعل، وأتفهم جزءًا منها، ولكن أعتقد أننا كنا نتناقش مع رجل دولة في قضايا ذات أهمية، تناقشنا معه حول السلام في سوريا، ونعرف أن المملكة العربية السعودية لديها دور هام تلعبه هناك".

وتمت الخطوة في قصر الاليزيه، إلا أن الرئاسة الفرنسية لم تعلن الأمر سوى بعد يومين من الحدث، إلا أن وكالة الأنباء السعودية "واس" كانت قد بثت الخبر.