خاص الموقع

الاعلام «الملكي» و«التفحيط» العقلي

في 2016/03/18

جاسر الدخيل- خاض راصد الخليج

عند الحديث عن حزب الله اللبناني لا يمكن عزل هذا الحديث بعيدا عن القراءات الموضوعية التي ينبغي اجراؤها بحق جميع الحركات والاحزاب التي تنشط في العالمين العربي والاسلامي. فليس حزب الله كإسمه، اعني مقدساً بعيدا عن العيوب والشوائب وعن المساءلة والمحاسبة ولا هو فوق مستوى النقد. لكن الموضوعية تقتضي ايضا ان لا نحول الايجابيات الى سلبيات ولا ان نحرف الوقائع ونجعلها اوهاما وخيالات، ولا ان نجعل الحقائق أكائيب وأباطيل. أن نعطي كل أحد حقه ليس تطرفا، وان نذكر محاسن الخصوم ليس عدواناً.

من خلال متابعاتي لبعض كلمات السيد نصر الله كان في بعض الاحيان يذكر نقاط القوة عند العدو الاسرائيلي، كان يقول من الخطأ ان نركز فقط على نقاط الضعف. بل كان يذكر بعض الاحيان على سبيل التحسر والاسف كيف ان اكبر القيادات الاسرائيلية تخضع للمحاسبة القانونية لانها تعتبر نفسها تحت القانون فيما تغيب هذه الامور عن عالمنا العربي. علينا الاعتراف انه في اسرائيل، في هذا الكيان العدواني الغاصب هناك قانون، هكذا كان يقول السيد نصر الله.

هكذا تكون النظرة الموضوعية للامور، لان تحريف الوقائع لا يفيد القضية التي نحملها، الا اذا كنا نتعاطى مع الرأي العام علة انه رأي غبي يمكن أن نتنقل به من موقف الى آخر بانحراف 180 درجة دون ان يلحظ ذلك.

في القضية التي أود الحديث عنها هنا هي بعض المواقف التي أدلى بها مرشد حزب النهضة التونسي راشد الغوشي وتعاطي بعض اعلام المملكة السعودية معه.

مواقف الغنوشي جاءت على خلفية قيام وزراء الداخلية العرب بتصنيف حزب الله على انه ارهابي،حيث اعتبر بحسب ما نقل عنه، أن حزبه، اي حركة النهضة الاسلامية، لا يمكنه الحكم بصفة مطلقة على سلوك «حزب الله» بأنه إرهابي٬ مشيًرا إلى أن مواطن الاختلاف مع الحزب كثيرة، وهو لا يدعمه بكل تصرفاته حالًيا!

 

وبحسب صحيفة الشرق الاوسط فان الغنوش صرح لها بأنه يقدر «الدور الكبير الذي لعبه (حزب الله) على صعيد مقاومة العدو الإسرائيلي سنتي 2000 و2006 ويعترف الجميع بذاك الدور، ولكننا نختلف معه تمام الاختلاف في دعمه للثورة المضادة في سوريا ووقوفه إلى جانب نظام الأسد ضد إرادة الشعب السوري».

كلام الغنوشي هذا، على الاقل في شقه المتعلق بالعدو الاسرائيلي لا يمكن وصفه الا بانه كلام موضوعي يعطي كل انسان حقه. لكن الموضوعية هذه لم ترق لطارق الحميد الذي كتب عن الموضوع في نفس الصحيفة.وفي معرض تكذيبه لكلام الغنوشي استعمل الحميد مفردتين: الاولى الحقيقة والثانية الصحة معلقاً على كلام الغنوشي بالقول : «والحقيقة أن هذا غير صحيح».

مجرد ان يقرأ الانسان هذه العبارة يتخيل ان طارق الحميد يمتلك الحقيقة ولديه «ميزان» الصح والخطأ. وما دام كلام الغنوشي ليس صحيحا كان لا بد من الحميد أن يقول لنا ما هو الصحيح؟ يجيب الكاتب بالقول : «والصحيح أولاً ما ينسب لـ«حزب الله» بالصراع مع إسرائيل عام 2000 هو حقيقة ما يعرف بخطة الانسحاب الأحادي الإسرائيلي.

والله لو أن شبه أمي بالسياسة قرأ هذه العبارة لما تأخر في وصف الكاتب «بالجاهل» هذا اذا لم يصفه «بالكاذب» او «المتصهين» فمن المعلوم ان خطة الانسحاب الاحادي تعني انهزام اسرائيل وهو تعبير اسرائيلي استعملوه للتخفيف من وقع العبارة الاخرى الاكثر دقة والتي تقول «انسحاب دون قيد أو شرط». وهو انسحاب غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي. اذ لم يشهد التاريخ منذ نشوء الكيان الاسرائيلي ان انسحب هذا العدو من أي ارض احتلها الا بعد توقيع اتفاقية معه، هذا ما حصل مع مصر واتفاقية كامب ديفيد وهو ما حصل ايضا مع الاردن واتفاقية وادي عربة. هذا بالنسبة للانسحاب الاسرائيلي عام 2000 اما بالنسبة لحرب 2006 فيقول طارق الحميد : « وبالنسبة لحرب 2006 في لبنان فالحقائق تقول إنه لم يكن هناك إجماع عربي أو اعتراف بدور «حزب الله» بل كان هناك خطاب سعودي تاريخي شهير وفي عهد الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله٬ يصف حرب 2006 بـ«المغامرة».

هل بالفعل وصل استغباء القارئ الى هذا الحد؟ هل عدم وجود اجماع عربي يعني ان حزب الله لم يكن له دور؟ اذن من كانت تحارب اسرائيل؟ هل كانت تحارب وتقصف الاجناع العربي؟ وهل وصف المملكة للعملية العسكرية التي قام بها الحزب انذاك لاسر جنود اسرائيليين من اجل مبادلتهم، هل وصف هذه العملية بالمغامرة تعني ان الحزب لم يكن له دور في الحرب؟ وانه ليس هو من هزم اسرائيل فيها؟ واذا كان يتحسس البعض من كلمة هزم اسرائيل فلنقل منع اسرائيل من تحقيق اهدافها. الاهداف الاسرائيلية التي غاليا ما كانت تتحقق في كل حروبها مع العرب، ولم يمنعها احد من تحقيق اهدافها الا المقاومى اللبنانية والفلسطينية التي دعمها حزب الله.

أعود الى ما بدات به مقالتي انه ان كان لنا مآخذ على حزب الله في مكان ما فان ذلك لا يعني انكار الحقائق وتزوير الوقائع وتحريف الامور واطلاق الاكاذيب فان طلب الحق لا يمكن بحال ان يكون عبر اساليب معودة. فلا يطلب الحق بالباطل بل بحق مثله.

ان ما يخطه طارق الحميد وامثاله من اعلامنا السعودي الوطني هو اشبه بألة غير نافعة ولا تصدر الا ضجيجا. انه تفحيط عقلي يستهدف عقول الناس. وقد شبهته بالتفحيط لأنه يصدر ضجيجا لكنه في الواقع لا يتقدم بل يدور حول نفسه.

لمتابعة جاسر الدخيل على تويتر اضغط

او: jaseradakhil@