مجتمع » ظواهر اجتماعية

«التحرش بالأطفال» بين الواقع والوهم

في 2016/03/11

حسين التتان- الوطن البحرينية-

يشكر القائمون على البرنامج المحلي «مستشارك»، وعلى تناولهم كل القضايا الحيوية والجريئة والمسكوت عنها في البحرين، حيث يبدو التفاعل الكبير من طرف مكونات المجتمع المدني مع هذا البرنامج المميز، كما نشكر كل الجهات التي تحاول تصحيح الكثير من الرؤى الخاطئة عند الأسرة والمجتمع، خصوصاً فيما يتعلق بمشاكل الأطفال والسبل الكفيلة بمعالجة قضاياهم بطريقة علمية رصينة. أثيرت مؤخراً في البحرين قضية «التحرش الجنسي ضد الأطفال»، سواء عبر برنامج «مستشارك»، والذي طرح الموضوع بشكل واضح تحت عنوان «ما بنسكت» أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر دراسات متواضعة قام بها بعض المهتمين بقضايا الطفولة واستخراج بعض الأرقام والإحصاءات الخاصة بهذا الملف المستتر خلف أسوار المنازل والمراكز المعنية بحماية الأطفال من الاعتداء، فكانت حملات التوعية المجتمعية زاخرة بالكثير من النماذج الواقعية في هذا الإطار، كما كانت تلكم الحملات مكثفة فيما يخص تجنيب الصغار كل أشكال الالتصاق بالكبار الذين لا يعرفونهم أو يشكون في «أمرهم» وفي سلوكياتهم المريبة من باب «الوقاية خير من العلاج»، فجاءت كل الحملات التوعوية الأخيرة لكل الأطفال والتي هي عبارة عن تحذيرات حادة في وجه كل إنسان كبير وغريب.
نحن لسنا ضد هذه الحملات التوعوية، ولسنا بطبيعة الحال ضد التحشيد الصحيح فيما يتعلق بقضايا التحرش الجنسي ضد الأطفال، كما أننا ندعم بشكل كبير كل الجهود التي تحارب هذه الظواهر الشاذة والبعيدة عن روح المجتمع البحريني، لكننا ضد الاستغراق في تخويف الأطفال من الكبار، إذ إن الضغط باتجاه هذا النوع من التحذيرات المفرطة ربما تكون له نتائج عكسية، إذ من المتوقع بعد هذه الحملات التوعوية الشرسة ضد الكبار، هو أن نجد جيلاً لا يثق بعموم الكبار، ولربما تخلق هذه الحملات المنظمة والصلبة في أنفسهم حالة من الرغبة في الانزواء والانعزال عن المجتمع، إضافة إلى أننا سنصنع أطفالاً لا يمكن أن يثقوا حتى بأنفسهم إذا استمرت برمجتهم على التخويف المريع من كل ما هو «كبير».
نحن ندعو إلى خلق مناخات معتدلة عبر طرح مناهج علمية فيما يخص القضايا التربوية في المجتمع ومؤسساته، فبالإضافة إلى التحذير من الاحتكاك المباشر والكبير بالغرباء من الناس، يجب أن نخلق حزمة من الثقة المتوازنة داخل الطفل حتى لا تكون تحذيراتنا المتكررة سبباً في خوفه وابتعاده عن محيطه بشكل حادٍ أيضاً، وهذا الأمر يجب أن ينتبه إليه غالبية الإعلاميين والمختصين بشؤون التربية، فالحذر من الاحتكاك المفتوح مع الكبار في هذا العصر المشحون بالمغريات والسقطات الأخلاقية يعتبر أمراً مهماً للغاية، وفي ذات الوقت يجب أن نعلم صغارنا أن هنالك معايير ومقاييس للشخصية التي يجب ألا نخافها أو نهرب من وجودها في حياتنا، وعليه فإننا نود أن نلفت نظر الأسر البحرينية ألا تغالي في استقبال وتصديق كل القصص التي يسمعونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المفتوح، تلك التي تنسج من الخيال قصصاً مثيرة لتعطيها طابع التشويق والتخويف، فلربما يصل الأمر بالأطفال لو استمرت تحذيراتنا في وجوههم بهذا الشكل أن يخافوا حتى من أقرب الناس إليهم كالأم والأب والجد والعم والخال وغيرهم، ولعل هذا الأمر يعدُّ من أخطر النتائج العكسية التي قد تنتجها هذه المواقع وتلكم التحذيرات. نحن ندعو إلى التوازن في الطرح من خلال بناء الثقة في داخل الطفل، كما ندعو إلى الحذر الواقعي وليس الحذر الوهمي من كل سلوك مريب أو شخص غريب تبدو عليه علامات الريبة.. ببساطة، هذا كل ما في الأمر.