سياسة وأمن » تصريحات

إرهابيو الأهداف العائلية والصغيرة

في 2016/03/05

يحيى الأمير- عكاظ السعودية-

دعك من الألم العاطفي والعائلي الذي يحيط بقصص اغتيالات الأقارب على أيدي إرهابيين من عائلاتهم. هذا ألم لا حدود له ولا يمكن وصفه. لكن ما يمكن وصفه هو هذا التحول في مستوى الاستهداف من مستويات سابقة كانت تدور حول الأجانب وإخراج المشركين من جزيرة العرب والمصالح الأجنبية إلى مستوى استهداف ابن العم وابن الخال وأي من أفراد العائلة.

هذا يعني أن الحفاظ على الأهداف الكبرى وحراستها وحمايتها إنما يحميها من الإرهاب لكنه لا يمنع الاٍرهاب ولا يوقفه، وهذا يعني أيضا أننا يجب أن نخرج نحن أيضا في حربنا على الإرهاب من مواجهة الجماعات والخلايا إلى مواجهة الأفراد، لكن هذا في الغالب صعب جدا من الناحية النظرية على الأقل، فالإرهابي لا يحمل علامات فارقة يمكن القبض عليه بمجرد ظهورها.

في أثناء سعي الجماعات الإرهابية لاستهداف المنشآت والأهداف الكبرى كان الدور أولا يقع على عاتق المؤسسة الأمنية فهي التي تراقب وتتبع خيوط واتصالات الجماعات ومصادر تمويلهم وتحركاتهم وتقرر لحظة القبض عليهم، لكن في الأهداف العائلية الصغرى التي بات يتجه إليها الإرهابيون الآن لم يعد بإمكان المؤسسة الأمنية أن تقوم بشيء من ذلك، فلا خلايا ولا اتصالات ولا مصادر تمويل بل خطط بسيطة كإيهام الضحية القريب بأن لدى خالته أغراضا لأمه أو دعوته لأي مكان بعيد عن أعين الناس أو حتى إطلاق النار عليه داخل غرفة في بيته أو بيت أحد أقاربه.

هذا التحول يقتضي البحث عن جندي جديد، هذا الجندي لا يرتدي زيا عسكريا ولا يركب سيارة رسمية، إنه باختصار كل من يحيطون بإرهابيي الأهداف العائلية وأولهم أفراد العائلة الأقرب. هؤلاء شركاء في المسؤولية وليسوا في الجريمة بالطبع، التحولات التي تظهر في اللغة وفي السلوك وفي العزلة وفي الاهتمامات الجديدة لدى من أصبحوا قتلة ومن استهدفوا أقاربهم.

الذين قاموا باغتيال بدر الرشيدي منذ أيام كانوا مجموعة لا يمكن أن يغفل المحيطون بهم أن تحولا ما طرأ عليهم وكذلك غيرهم. هنا يأتي التداخل بين ما نظنه صلاحا وما قد يكون مدخلا لجريمة.

ما يمكن تسميته بالتوبة العمياء هي واحدة من أبرز حالات التحول المفاجئ حيث تتضمن قطيعة مباشرة مع الحياة ورغبة جادة في (الشهادة) أو الانتصار للدين، تلك التوبة العمياء هي الطريق الأسهل للتحول فهي خروج إلى غربة مفاجئة واتخاذ أعداء جدد هم المحيطون بهذا التائب الأعمى.

هذا ليس كل شيء، إنما وأمام مثل هذه الحالات ذات الطابع الفردي يكون من الأهمية بمكان البحث عن الحلول والإجراءات ذات الطابع الفردي أيضا، فالمشروعات الكبرى الرامية إلى مواجهة التطرف والتشدد مهمة للغاية وبحاجة لمراجعة وتطوير مستمر، لكن القضية والتحدي الآن يكمن في وقف هذه الجرائم وهذا الإرهاب ذي الأهداف العائلية.

ترى ماذا يمكن أن يقول ولي أمر أحد القتلة أثناء التحقيق؟ غالبا سيسمع المحقق عبارات من قبيل أنني طننته قد اهتدى وفرحت بهدايته، وآخر يقول: لقد أصبح أقل خروجا من المنزل وأكثر جلوسا بمفرده.. وغيرها من المظاهر التي قد تراها العائلة التقليدية خصوصا مظاهر وعلامات إيجابية. يحظى التائب غالبا بسلطة ما داخل المنزل فأبواه يصبحان اقل لوما وعتابا له وهو ما يجعل الرقابة أقل بالطبع. لايمكن لوم العائلة على هذا الاحتفاء بالابن الملتزم لكن اللغة وطريقة الحياة وتحول السلوك والغموض لا يجب أن يراها الأهل إلا مؤشرا على واقع غير سوي وليست توبة صالحة واعية.

في مواجهتنا الفكرية والثقافية للإرهاب ورغم الفقر والبساطة التي ما زالت تهمين على تلك المعالجة وافتقارها لمشروع واضح ومتكامل، رغم ذلك فإن الخطاب غالبا ما يتم توجيهه للشباب، لكن الوقت قد حان الآن لتوجيهه للعائلة ليس فقط على المستوى الفكري بل على المستوى الإجرائي أيضا: كيف تتصرف أمام مثل هذه التحولات التي تراها في أبنائك.

القضية الآن وبالدرجة الأولى هي بذل كل ما يمكن لوقف هذه الجرائم المؤلمة والبغيضة.