ثقافة » شؤون جامعية

الاتهامات متبادلة بينهما – من الأستاذ إلى الطالب.. البحث العلمي إلى أين؟؟

في 2016/02/27

د.سلطان العزري- عمان اليوم-

يلخص الدكتور أحمد المعيني موقفا مع طالبة جاءت تراجعه في بحثها، بهذا الحوار: دكتور هل يمكنك مراجعة سؤال بحثي؟ فيجيب الأستاذ: أعتقد انه موضوع مثير للاهتمام، لكن السؤال هل ستجدين بيانات كافية من البحث الميداني؟، وترد عليه: «أكيد! سأستطيع كتابة عدد من الفقرات عن الموضوع. لدي أفكار جاهزة من المراجع والمصادر»؛ فيوضح لها أنه: «نعم! لكن هذا لا يعد بحثا. هذا عرض لما قرأتِ عن الموضوع. البحث يجب أن يحتوي علي بيانات تقومين بتحليلها والاستنتاج منها، بناء على مقابلات تجرينها حول الموضوع»؛ فترد بالقول إن هذا «غير مهم فمثل كل مرة سأعتمد على التأليف. بمعنى يمكن أن أستشهد بكلام أشخاص وهميين في البحث. مثلما نعمل دائما من سيعرف؟ مثلا سأكتب هنالك 4 طلاب من الكلية قاموا بالبحث أحدهم اسمه (…) والثاني (…) وكان مشروعهم في مسابقة (…) و و …»، فأوضح لها: «إذا كان لديك جواب السؤال فلماذا تقومين بالبحث؟».
ويستشهد بهذا الموقف والمواقف الأخرى العديدة التي تحدث في جامعات السلطنة وتوضح تدهور البحث العلمي، لكن الطلاب، بدورهم، ينتقدون أساتذتهم من الأكاديميين معتبرين أنهم هم السبب فيما آلت إليه العملية التعليمية والعلمية والبحثية في جامعاتنا. وسرى تبادل الاتهام بين الطرفين. فما الموقف من هذا؟ التحقيق التالي يحاول أن يجيب عن أهم الأسئلة المتعلقة بحياة البحث العلمي وأهميته ومعوقاته في الجامعات من وجهتي النظر المختلفتين: بين الأساتذة والطلاب.
التفكير الناقد

يجمل الدكتور سلطان العزري أهمية البحث العلمي بالقول: يلعب البحث العلمي دورا مهما في تنمية التفكير الناقد وتعويد الطالب على أخذ المعلومة والتحليل والربط من ثم الإنتاج العلمي. فتعليم البحث عن المعلومات بدلا من تلقيها مباشرة والتحول من منهج التلقين إلى منهج التعلم الذاتي اللاصفي، يعود الطالب على احترام وحفظ الملكية الفكرية وتوثيق المعلومة. كما يعود الطالب على المحافظة على حقوقه الخاصة من إنتاج البحث تعد في مجملها مميزات البحث العلمي. وذلك ما يجعل منه مهم جدا في مسيرة الطالب الأكاديمية.
ويرصد العزري عددا من الأخطاء التي يقع فيها الطلبة خلال إعداد البحوث العلمية بالقول إن منها: «عدم الالتزام بحقوق الملكية الفكرية؛ وذلك بسرقة البحوث دون الإشارة إلى المصدر والتوثيق وتنظيم البحث، وأخذ المعلومات من مصدر غير علمي ونسبتها إلى مصدر آخر وذلك بسبب الكسل في البحث عن المعلومات الموثقة».

استطلاع

وفي الاستطلاع الذي شارك فيه خمسون طالبا جامعيا من مختلف مؤسسات التعليم العالي حول قضية البحوث العلمية أوضح 26% منهم أن الأكثر تجاوزا الذين قاموا أثناء إعداد البحوث بإضافة أسماء كتب في قائمة المراجع لم يستندوا إليها في البحث، وجاء الخطأ في توثيق الكتب في المرتبة الثانية بنسبة 24% في حين قال 12% من الطلبة إنه سبق لهم نقل البحث كاملا من المصدر.
وعلق الدكتور أحمد المعيني، باحث وأكاديمي في كلية صحار للعلوم التطبيقية، على هذا بالقول: «قد نشعرُ بالاستياء، وهو يحقُّ لنا، من سلوكيات الطلاب الجامعيين في إعداد البحوث كالانتحال وتزييف البيانات والاعتماد على النقل أكثر من التحليل والنقد».

الأسباب :

ويذكر د.المعيني: ثمّةَ أسبابٌ عديدة يمكن ذكرها هنا، منها الجهلُ والكسلُ وثقافةُ الاستسهال في إنجاز الأعمال وغيابُ الإرشاد الأكاديمي الصحيح وغير ذلك. لكنّني قد أُرجعُ هذا كلّه إلى فكرةٍ أشملَ تُنتجُ هذا الوضع، وهي القصورُ في فِهم معنى «المعرفة» وإنتاجها في المجتمع لكننا قد لا ينبغي لنا أن نتفاجأ من ذلك؛ فنحنُ لا نُعلَّمُ معنى المعرفة وقيمتها وطريقة إنتاجها في المدارس، ولا يُصاحبُ نشأتَنا ما يكفي من التوعية الإعلامية لغرس فكرة المعرفة، فلا يبقى للطالب بعد ذلك إلا التفكيرُ في طريقةٍ للتخلّص من «عبء» البحث المطلوب منه بأيسر طريقةٍ ممكنة، أو الاستشهاد المسرف بمصادر عديدة لإيهامِ المعلّم بسعة الاطلاع وللحصول على درجات مرتفعة. أما القيمةُ التي يُضيفها الطالب للمعرفة (وإن كانت في غاية البساطة) فلا يهتمُّ بها لا الطالبُ ولا كثير من المعلّمين للأسف.
وأرجعت الدكتورة عالية السعدي مساعد باحث في قسم الاجتماع :سبب الأخطاء التي يقع فيها الطلبة في إعداد البحوث إلى تخوف الطالب من طرح موضوع جديد في البحث، والضغط النفسي الذي يعانيه بسبب عدد المقررات والمتطلبات، وعدم قدرة الطالب على التمييز بين البيانات الكمية والكيفية،فيكثر الاعتماد على الاستبيان ويندر استخدام المقابلات وأسلوب الملاحظة للحصول على المعلومة، إلى جانب عدم الجرأة في كتابة الرأي الشخصي والتعبير عن آراء الطالب الخاصة في البحث وبالتالي يلجأ إلى النقل من الباحثين أو إلى النت أو إلى مكاتب إعداد البحوث.

قلة مصادر أم كسل؟

رأت الدكتورة شريفة آل سعيد، أستاذ مساعد بقسم الثقافة الإسلامية، أن السبب الرئيسي هو عدم معرفة الطلبة بالطريقة الصحيحة لإجراء بحث، فهنالك عدد من الطلبة لا يتقنون مهارة كتابة البحوث «وذلك ما أشار إليه 14% من الطلبة المستطلعة آراؤهم بأنهم لا يعلمون الطريقة الصحيحة لإعداده ولا يجيدون صياغة البحث وتنظيمه». وأضافت: «عدد من الطلبة يتكاسلون في البحث عن المراجع وذلك لضيق الوقت وعدم قدرتهم على الوصول للمصادر المناسبة والحصول عليها، لذلك في كثير من الأحيان أقترح على الطلبة المراجع المناسبة للموضوع وأعيرهم الكتب من مكتبتي الخاصة».
وأشار د.العزري إلى أن سبب عدم حصول الطلبة على مصادر المعلومات يعود إلى عدم الاعتياد على استخدام المصادر الإلكترونية «تكنوفوبيا» لدينا فوبيا من استخدام المصادر الإلكترونية العلمية لذلك فالطلبة يمتنعون عن المحاولة للوصول للمعلومة. إضافة لذلك كون الموضوعات الحديثة لا يمكن أن يضمها كتاب لأنها تستحدث بصورة سريعة».
وقال إن 16% من الطلبة بأنهم لا يجدون مصادر كافية للمعلومات وعدد منهم لا يجيدون استخدام المصادر الإلكترونية. كما تشير آخر إحصائيات أن المكتبة الرئيسية بجامعة السلطان قابوس تضم 185146 كتابا ورقيا أستعير منها 43800 كتاب، مقارنة بـ181186 كتابا تمت استعارة 48923 كتابا منها في عام 2012 م حيث تلاحظ الإحصائيات تناقص عدد الاستعارات للكتب مقارنة بزيادة عدد الكتب المتوفرة.

تفادي الأخطاء

وأكد العزري أن «20% من الطلبة ينالون درجة صفر في البحوث التي تقدم لي في المقررات، ومن المواقف أنني منحت أحد الطالبات درجة صفر في البحث وهي في سنواتها الأخيرة بالجامعة واحتجت بأنها معتادة على إعداد البحث بذات الطريقة وتنال درجات نهائية !! «ومن هذا الموقف يتضح أن عددا من الطلبة اعتادوا على منهج غير سليم في إعداد البحث . ولتفادي الأخطاء التي قد يقع فيها الطالب وقبل محاسبته استوفى الأمور الأساسية وهي التأكد من معرفة الطالب بمنهج البحث العلمي وأساسياته وابلغه بمعايير تقييم البحث بالإضافة لذلك فأي طالب يقوم بتسليم عمله قبل الموعد من حقه الاستشارة وإبلاغه بالأخطاء التي وقع فيها، لذا نحتاج إلى المزيد من الاهتمام بمادة البحث العلمي فكثير من المواد لا تهتم بالبحث بشكل كافٍ. فالبحوث العلمية ليست سهلة وتحتاج لجهد بحثي وعلى الأستاذ مراعاة الطالب بالشكل المناسب».
في حين ذكرت عالية السعدي أنه «إلى جانب متابعة الطالب منذ الخطوات الأولى لإعداد البحث فعلى الأستاذ قراءة بحوث الطلاب والتركيز على اللغة فهنالك فرق بين صياغة الطالب والكاتب وبالتالي تقييم الأعمال بشكل دقيق». واتضح من الاستطلاع أن قناعة الطلاب بعدم قراءة الأستاذ للبحث يدفعهم إلى عدم الالتزام بالمعايير العلمية في إعداده. وفيما يتعلّقُ بالانتحال تحديدًا يقول الدكتور أحمد المعيني : «يتحمّلُ المعلّمون جزءًا من المسؤولية إذ إنهم في كثير من الأحيان يتغاضون عنها».

حوافز

21% من الطلبة لا يجدون الدافع أو الفائدة من إعداد بحث. لذا تقول د.عالية «على الأستاذ حصر بحوث الطلاب في صفحات قليلة لتحفيزهم، كما على الطالب البحث في موضوعات تهمه ومن بيئته حتى يتسنى له إنجازها بأقل جهد وبكفاءة عالية .
وفي إطار الجامعة يذكر الدكتور سلطان العزري :على الطلبة المشاركة ببحوثهم في المناشط والمؤتمرات وذلك من خلال تشجيع الأساتذة أو مبادرة الطالب نفسه، ومن المهم أيضا مشاركة الطالب في البحوث التي يعدها الأكاديميون حتى يستشعر بأهمية البحث ويلتفت للقضايا التي تحتاج إلى دراسة في مجتمعة .
وتضيف الدكتورة شريفة آل سعيد : بأن أكبر حافز للطلبة لأعداد البحوث هو أن يرى جهده لم يغلق عليه في الأدراج وإنما يستثمر بما يفيد من بعده. فهنالك بحث لاحدى الطالبات حول «أخطاء شائعة في العبادات» تم تحويله إلى كتيب تطبعه وزارة الأوقاف ويوزع على الحجيج ويجري حاليا ترجمته إلى التركية من قبل طالبات أخريات. إلى جانب ذلك أقوم باستغلال عروض الطلاب في شرح المقررات مع الاحتفاظ باسم الطالب صاحب العمل عليها.

لا غنى عن البحث

رغم غياب الحوافز لدى الطلبة لإعداد البحوث إلا أن الأغلبية يتفقون على أهمية البحث ويرغبون بدراسة مقرر في أسس البحث العلمية،كما أنهم لا يؤيدون إلغاء تكاليف البحوث العلمية بالمطلق غير أن مشكلة كثرة البحوث والتي يتخذها بعض الأساتذة كطريقة لسد درجات المقرر دون الاهتمام بما يقدم من قبل الطلاب يكاد يتفق عليه غالبية الطلبة، ففي هذا الجانب يذكر الدكتور سلطان العزري على أنه يجب تقنين عملية التعامل مع البحوث العلمية والاهتمام أكثر بها وذلك بتخصيص نسبة معينة من المقررات تتضمن بحوث علمية 20 % من مقررات الخطة الدراسية مثلا، إلى جانب مراعاة المعلم الذي يدرس مقررات تكلف الطلبة بإعداد بحوث حتى يقوم بمتابعة الطلبة بصورة أفضل، كما نحتاج للتوعية بخدمات المكتبة الالكترونية من خلال وسائل التواصل ولوحات الإعلانات وتعويد الطلاب على برامج كشف النقل من البحوث.

مستقبل البحث والباحثين:

تذكر أستاذة عالية : ما بعد التخرج يواصل بعض الطلبة إجراء البحوث كمساعدين باحثين مع الأكاديميين بالإضافة إلى العمل في مؤسسات في دائرة البحوث العلمية والدراسات.
وأضاف الدكتور سلطان : «هنالك تطور في الاهتمام بالبحوث العلمية في السلطنة ولكن لم نصل للمستوى الذي نطمح إليه، نحتاج للمراكز المتخصصة في إعداد البحوث، مركز أبحاث للدولة يدرس أي قرار قبل تنفيذه مع المؤسسات المرتبطة بالقرار، كما سيساعد هذا المركز في استيعاب الباحثين .