مجتمع » ظواهر اجتماعية

سعوديو المهجر

في 2016/02/24

محمد اليامي- الحياة السياسية-

رسولنا المصطفى الأمين حدد قبل 14 قرناً أسباب هجرة الإنسان من مكان إلى مكان، فأولها «هجرة إلى الله ورسوله» التي اعتبرها الأفضل، ولا تزال كذلك إلى يومنا هذا، ثم هجرة إلى «دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها» ووقف منها موقف المحايد بقوله عليه صلوات الله وسلامه: «فهجرته إلى ما هاجر إليه».

هل يثير وجود مليون مهاجر سعودي خارج الوطن القلق كما يقول أحد أعضاء مجلس الشورى؟ هذا إذا اتفقنا على دقة الرقم أولاً، ثم على كونهم مهاجرين، وليسوا زائرين موقتين، أعتقد أنه مثير للتساؤلات والمراجعات أكثر من إثارته للقلق، وهو فرصة للمراجعة، مراجعة الناس لأنفسهم، المهاجرين هناك، والباقين هنا.

ربما هي سانحة لمراجعة البيئة الطاردة للإبداع، ربما ليست طاردة عمداً بإيعاز حكومي مثلما هو الحال في الأنظمة الشمولية، أو شبه الشمولية، ولكن بطبيعة البيروقراطية، وهيكلية بعض الجهات، ثم بطبيعة البشر وعادات المجتمع.

الإبداع في شتى المجالات بدءاً بالبحث العلمي النادر والمتخصص طبياً وفضائياً وحيوياً، وهذا غالبه بسبب البيروقراطية وقلة موازنات الأبحاث، وانتهاءً بالإبداع الكروي الذي لا يوجد مهاجرون بسببه إلى الآن، مروراً بالإبداعات الإعلامية والثقافية والفنية، التي غالباً تُحارب اجتماعياً، فيهاجر أهلها هرباً من مجتمعهم الصغير المتمثل في الأسرة، أو الكبير المتمثل في مجتمعٍ اعتاد إطلاق الأحكام وتصنيف الناس، وليس من قمع رسمي كحال كثير من بلدان العالم الثالث.

لنا تاريخ عريق مع الهجرات، في الأزمنة الغابرة والعرب العاربة والمستعربة، وفي أزمنة تلت بسبب الجوع وقسوة الصحراء، وعندما لانت قسوة الصحراء مع الرخاء وتوافر الثروات، لم تلِن كثيرٌ من السمات الاجتماعية التي تجعل البعض يهاجر، أو يقيم في الخارج موقتاً، فقط ليتنفس حرية لا تتعارض مع الدين والقيم النبيلة بقدر تعارضها مع المجتمع الذي يرسم شكله العام المدعي للمثالية من فئة محددة ذات اتجاه تفكير واحد.

لا بأس في «تصدير» البشر، إذ لا يمكننا أن نكون فقط مستوردين لهم، بل إننا وبدعم حكومي معروف صدّرنا قيادات إعلامية ودبلوماسية في فترة ما لنتخلص من سطوة ما كان يسمى بـ«صحافيي المهجر» وابتزازهم الناعم لنا عبر سيطرتهم على الإعلام العربي، وبات بعض السعوديين اليوم قيادات تحرك الرأي العام العربي والعالمي.

لا بأس أن يذهب شاب لتحقيق حلم عملي أو اقتصادي، فالفرص ليست كافية للجميع، وحتى تصبح كذلك يمكنه التجريب والبحث، أيضاً يمكن للمسرحي والموسيقار والممثل الذي لا يمكنه الإبداع هنا أن يرحل ويصدّر لنا من هناك أعماله، فهذه سنّة إنسانية كونية.

البأس هو في ازدواجية البعض وحصولهم على امتيازات المهاجر، والمواطن، يتجولون حول العالم بجواز أزرق أو أحمر ثم يعودون إلينا بجوازنا الأخضر، يحصلون على امتيازات المواطن ومنحه، وهم يعيشون خارج الوطن، وكأن هذا الوطن هو محفظة مال تنفق عليهم، هذا هو البأس، وهذا هو ما يجب أن يثير قلق أعضاء الشورى من النواحي الأمنية والاقتصادية.