دول » السعودية

حول مكانة الهيئات الدينية

في 2016/02/18

توفيق السيف- الشرق الاوسط السعودية-

خلال الأسبوعين الماضيين انشغلت الصحافة السعودية بعدد من الحوادث التي كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طرفا فيها. قد تبدو المسألة محلية جدا٬ إلا أنها تثير تأملات حول مكانة الدين في الحياة العامة٬ أظنها موضع جدل في معظم المجتمعات العربية٬ سيما المحافظة منها.

تمتاز «الهيئة» عن بقية الأجهزة الحكومية بتصنيف العرف لها كجزء من المؤسسة الدينية. ويلحقها بالتالي ما يلحق هذه المؤسسة من صفات وهالات. ولهذا فكل جدل حولها يستنهض في العادة مخاوف حول الدين عند فريق من المجتمع٬ وحول القانون عند فريق آخر٬ وحول الحريات الشخصية عند فريق ثالث.

يقر الجميع بطبيعة الحال٬ أن على الهيئة وكل منظمة حكومية أخرى٬ أن تلزم حدود القانون في كل أعمالها. وفي هذا الإطار فإن تجاوزات موظفيها تستدعي العقوبات الإدارية التي ينص عليها القانون. لكن الفريق الأول يشعر بالقلق مما

يعتبره تركيزا استثنائيا في الصحافة على أعمال «الهيئة». وهم يقولون – مباشرة أو مداورة – إن الدين هو المستهدف في شخص «الهيئة»٬ وإن هذا الاستهداف يتمثل غالبا في تضخيم أخطاء قد تصدر من أي منظمة رسمية أو أهلية أخرى.

أما الفريق الثاني فيجادل بأن الخطأ٬ سواء كان فرديا أو مؤسسيا٬ لا يترك أو ينسى٬ لأنه يشير إلى علة في المؤسسة تستدعي العلاج لا الإغفال. الهيئة جزء من منظومة الإدارة العامة٬ وينفق عليها من المال العام٬ والمبرر الوحيد لوجودها هو خدمة أفراد المجتمع٬ فلا يصح أن تتسلط عليهم أو تخرق حقوقهم. ارتباطها بالدين لا يغير من حقيقة كونها جهاز خدمة عامة٬ محكوما بالقانون. إذا تصرف موظف حكومي بموجب اجتهاده الشخصي فهو مذنب٬ لأن الموظف العمومي ممنوع بحكم القانون من اتباع رأيه أو اجتهاده الشخصي.

ينظر الفريق الثالث إلى عامل مشترك بين الحوادث التي أثارت ضجة حول عمل الهيئة٬ وهو اشتمالها على خرق واضح لحريات شخصية. ولحسن الحظ٬ فإن معظم الحوادث المثيرة كانت موثقة بالصور التي تدل قطعا على الخروقات المزعومة. لا يتعلق الأمر في هذه الحوادث بمجرم يدعي خرق حريته٬ بل بشخص عادي يتعرض للإذلال أو حتى الإيذاء البدني٬ لأن موظفا حكوميا اجتهد فاعتبر سلوكه مخالفا للآداب العامة أو أحكام الشريعة.

هذا يثير سؤالا جديا حول العلاقة بين الالتزام الديني والحرية الشخصية. ونعلم أن مثل هذا السؤال يبدو للمجتمعات المحافظة٬ غامضا٬ وربما فارغا. إلا أنه يكشف من ناحية أخرى عن الحاجة إلى مراجعة الفهم الموروث للحرية الشخصية ونقاط الاشتباك بينها وبين الأحكام الشرعية المنظمة للسلوك٬ فضلا عن الأعراف والتقاليد التي تحمل ظلالا دينية.

ينصرف جدل العلاقة بين الحريات الشخصية والأحكام الشرعية إلى ثلاثة أسئلة محورية٬ أولها يتناول الترتيب بين الحرية والحكم الشرعي أو العرف الاجتماعي٬ أيهما حاكم على الآخر ومقدم عليه. بينما يتعلق الثاني بالمسافة بين القانون والحرية٬ أي: هل نعتبر صون الحريات الفردية شرطا لعدالة القانون٬ وبالتالي هل يلزمنا طاعة القانون الذي يسمح بخرق حرياتنا؟ يتناول السؤال الثالث القوانين المستمدة من أحكام شرعية أو معتمدة عليها٬ هل نعتبرها مثل القوانين العادية٬ أم نبتكر لها مرتبة فوق القانون العادي. هذا السؤال يتناول بالضرورة المؤسسات الدينية أيضا٬ فهل نعاملها كأجهزة خدمة عامة٬ أم نبتكر لها وصفا خاصا يرفعها عرفيا ووظيفيا عن مستوى تلك الأجهزة؟