فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
المزايدات الفجة لنخب فقدت عقولها لا تقيم بناء، ولا تصلح لوضع رؤى لوطن يبحث عن مستقبله في أيام عصيبة، قد تصلح أكثر ما تصلح للقيادة نحو خراب مكثف وعاجل، قواعد منطقية لا تتجرأ النخب الحاكمة غالبًا على تحديها، وإلا فالواقع موجود ليحول الأحلام المتألقة بفعل الشوق إلى الإنجاز لنقطة في وسط صحارى الضياع.
تقارير دولية عديدة خرجت خلال الأسبوعين الماضيين، من صحف ومراكز أبحاث، عن تعديلات جذرية ينوي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إدخالها على رؤية 2030، و تتلخص في تخليص السعودية من عجز الموازنة وتحسين إدارة الأصول، والتي كاد إعلامه منذ إطلاقها يصفها بالوحي السماوي المنزل على بن سلمان.
الرؤية الصادرة بلا أي استناد لمعطيات، والتي تم إخراجها بشكل مثير لا ينفي عدم واقعيتها، تستند إلى خصخصة قطاعات الاقتصاد السعودي، أي تقليل الاعتماد على النفط، مقابل إيجاد مداخيل أخرى للدولة، لكن واضعها قرر القيام بذلك عن طريق التخلص من مشكلة أن عائدات الدولة تأتي من النفط، ببيع شركة النفط العملاقة "أرامكو".
رؤية 2030 التي يتم تدعيمها بتصريحات تكذبها الأرقام الحكومية ستقود السعودية كلها إلى ضياع كامل، واضع المخططات والأهداف الاقتصادية –في حالة المملكة- لا يدرك أنه لا بديل عن العبور بالاقتصاد السعودي إلى النجاح.
المملكة تخوض تحدي الاقتصاد وأمامها النجاح وخلفها التفكك والضياع.
القرار بتعديل الرؤية صدر عقب برود استقبال الأسواق العالمية لخطة الجزر السياحية بالبحر الأحمر، فتشدد هيئة الأمر بالمعروف لن يجعل من المملكة مكانًا مثاليًا للسياحة الشاطئية، وخاصة مع وجود أسواق بديلة، تمتلك مقدمًا البنية التحتية، ولها باع طويل في العمل، أقربها مصر وقبرص وتركيا ولبنان، والتي تعد متنفسًا للسعوديين أنفسهم.
الفشل في طرح أي مشروع للخصخصة في البورصات الدولية، نتيجة غياب قواعد الشفافية، أجلت طرح "أرامكو" في البورصات العالمية، فلا أحد في الغرب سيدفع الدولارات لشركة لا يعلم حجم عوائدها وقراراتها، ويتأكد من الاحتياطي الذي تملكه.
لم تنجح خطة الطرح الأولى حتى اللحظة، وكل ما يقوله المسؤلون بالمملكة ذر للرماد في العيون، للتوقف عن اتهامهم بالفشل وعدم الكفاءة، والأهم تمرير خطة إصلاح اقتصادي مشبوهة، لا تراعي المتطلبات الوطنية، مقابل إلقاء "جزرة" للناس تمثلت في توفير 1.2 مليون وظيفة حتى عام 2020، لا تثبت الأرقام الرسمية حتى اللحظة تحققها.
السيطرة على العجز الضخم بالموازنة السعودية تحقق طبقًا لولي العهد في موازنة العام الحالي، رغم أن تقرير مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" أظهر تراجع الأصول الاحتياطية للمملكة منذ عام 2014، عندما بدأت أسعار النفط بالتراجع، بمقدار 891 مليار ريال، وهو ليس أول تصريح أو إعلان تكذبه الأرقام الرسمية.
داعبت الرؤية أحلام الشباب الباحث عن دور في رسم مستقبل المملكة، بإدعاء قدرة الإصلاحات على خلق ملايين الوظائف في القطاع الخاص، وتخفيض مُعدَّل البطالة من 11.6% إلى 9%، وهو ما لا توجد دلائل رقمية عليه، ولا تبشر الخطوات المتخذة بأي تغيير في هيكل الاقتصاد السعودي على الإطلاق.
ويبقى جل ما صنعته خطوات الإصلاح فتح المجال أمام الشركات الأمريكية والصهيونية لنيل حصة من أكبر اقتصاد عربي،وما يتردد حول لقاءات بين بن سلمان وقادة دولة الاحتلال لم يعد سرًا إلا في المملكة فقط، فالعالم كله يعلم يقينًا أن خطوات ولي العهد نحو تل أبيب لم تتوقف، وهو تتوسع يومًا بعد الأخر.
الأهم في عوائق تنفيذ الرؤية، التي وضعت من مكاتب مكيفة، لا من داخل المملكة، هو افتراض أن التحول من اقتصاد ريعي قائم أساسًا على عوائد النفط إلى اقتصاد إنتاجي، يمكن أن يتم بضغطة زر، وهو ما لا تعرفه مشروعات التحول الإنساني، التي تدخلها المملكة الآن بجبهة داخلية مفتتة، وعداء سافر مع محيطها العربي والإسلامي.
الرؤية التي من المفترض أن تحول المملكة إلى جنة وارفة الظلال، ملأتها بالشكوك، وهو أخطر ما يمكن أن يواجه أي قيادة وشعب يخوضان معركة تحد بهذه الأهمية، فالشعب السعودي يقينًا لا يعلم ولا يدرك ولا يريد أن يدخل لعبة تمكين بن سلمان على حساب المستقبل.
فهل من وقفة قبل انهيار وشيك.