سلمى حداد - الخليج أونلاين-
يبدو أن طموحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لن تتوقف عند تحقيق أهداف رؤيته الإصلاحية الشهيرة 2030 التي قلبت معالم اقتصاد المملكة لتتنوع موارده بدلاً من الاعتماد لعقود طويلة على إيرادات النفط الخام.
ومع التقدم السريع في تحقيق أهداف رؤية 2030 حتى قبل انتهاء مدتها الزمنية، بدأت معالم خطة جديدة تتكشف مرتبطة بالعام 2040، وهو ما ظهر في تصريحات ولي العهد خلال مقابلته مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية.
وقال "بن سلمان"، في المقابلة التي عرضت في 21 سبتمبر 2023: إنه "يجري العمل على إنجاز بعض الأمور، التي نتطلع إلى الانتهاء منها في النصف الأول من عام 2024، وبعد ذلك يجب أن ننتقل إلى التنفيذ والاستعداد لرؤية 2040، والإعلان عنها في عام 2027 أو 2028، هذا هو الأمر الأساسي الذي نركز عليه".
يذكر في هذا الجانب أن ولي العهد السعودي أطلق رؤية المملكة 2030 في العام 2016، وكان أبرز أهدافها تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.
وحتى سبتمبر 2023، تجاوزت القيمة الإجمالية للمشاريع العقارية والبنية التحتية في السعودية، التي أطلقت منذ إعلان الرؤية، نحو 1.25 تريليون دولار، فيما بلغت قيمة المشاريع التي أُرسيت منها 250 مليار دولار، بحسب بيانات رسمية سعودية.
ليست المرة الأولى
ولكن حديث ولي العهد عن رؤية 2040 لم يكن الأول، ففي 28 أبريل 2021، كشف بتصريحات صحفية بثتها وسائل إعلام محلية بينها قناة "الإخبارية"، أنه بعد رؤية 2030 ستنطلق رؤية 2040 في المملكة، وسوف تكون مرحلة منافسة عالمية.
وقال بن سلمان آنذاك رداً على سؤال "ماذا بعد رؤية 2030؟": إن "رؤية 2030 تضعنا في موقع متقدم جداً، لكن رؤية 2040 ستكون مرحلة منافسة عالمية"، متوقعاً أن يتحقق كثير من أهداف الرؤية قبل موعدها النهائي.
مضمون الرؤية الجديدة
وحول مضمون الرؤية الجديدة، توقّع بندر الجعيد، أستاذ الإعلام الاقتصادي في جامعة الملك عبد العزيز، أن يكون أهم مستهدفات رؤية 2040 المزيد من التركيز على تنويع مصادر الدخل للمملكة لرفع مساهمة الإيرادات غير النفطية بأعلى من المستهدف الحالي في رؤية 2030 البالغ 50%.
وأضاف الجعيد، في مقابلة مع قناة "الشرق" السعودية بثتها في 21 سبتمبر 2023، أن "الرؤية قد تركز على مزيد من المشروعات الطموحة في مجال الهيدروجين الأخضر والطاقات النظيفة، ما يجعل المملكة أحد أهم موارد الطاقات النظيفة في العالم".
ورأى أن تحسين المناخ الاستثماري وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية أيضاً سيكون على رأس مستهدفات رؤية 2040.
ويضاف إلى كل ذلك تمكين قطاع التكنولوجيا والصناعات الدقيقة، والمزيد من المشروعات المرتبطة بالبحث والتطوير، وجميعها سيكون لها مردود اقتصادي كبير في تنويع الدخل والإيرادات غير النفطية للسعودية، وفق الخبير الاقتصادي.
كما اعتبر أن الاستثمار بالقطاع الرياضي سيكون جزءاً مهماً من الخطة، في إطار تطوير قطاع السياحة والترفيه.
ما الهدف من 2040؟
وفي مقابلة مع قناة "بلومبيرغ" الاقتصادية الأمريكية، علق محمد مكني، أستاذ الاقتصاد بجامعة الإمام محمد بن سعود، على تصريحات الأمير بن سلمان قائلاً: إن "رؤية 2040 دليل أننا سنحقق أهدافنا وفق دراسة مضمونة قبل 2030".
وأضاف مكني: "فعلياً تجاوزنا كثيراً الأرقام المستهدفة لـ2030، والعمل مستمر على كثير من المبادرات ضمن الرؤية".
وتابع: "رؤية 2030 هي البداية، والوصول لمستهدفاتها يعني الاستدامة للاقتصاد السعودي ليكون واحداً من أكبر اقتصادات العالم. نستحق أن نكون ضمن أكبر 7 اقتصادات بالعالم، وهذا ربما يكون هدفاً أساسياً للخطة".
وأشار إلى أن الهدف من رؤية 2030 أن تنقل الاقتصاد السعودي لمرحلة جديدة، فيما ستعمل رؤية 2040 على جعل اقتصاد المملكة منافساً عالمياً.
وقال الخبير الاقتصادي: "اليوم نتحدث عن تطوير بالبنية التحتية والخدمات اللوجستية والأنظمة والتشريعات ونوعية الموارد البشرية في المملكة، وهذا مؤشر مهم على التقدم السريع الذي حققته الدولة".
وأكد أن الهدف الأساسي من رؤية 2030 و2040 لاحقاً "أن نكون دائماً في استدامة وتحقيق مزيد من النمو للاقتصاد السعودي".
مرحلة منافسة عالمية
الحديث عن رؤية 2040 تناوله رجل الأعمال والاقتصادي السعودي خالد بن هزاع الشريف بمقال كتبه بصحيفة "عكاظ" المحلية، في 26 مايو 2021، إذ أكد أن هذه الرؤية سوف تدخل اقتصاد المملكة في مرحلة المنافسة عالمياً.
وحول مضمون الرؤية قال الشريف: "ثمة قفزات سعودية في التنافسية الدولية فأصبحت المملكة في قائمة الدول العظمى، تلك القفزات تنقل المملكة لمرحلة جديدة من التطور صوب تحقيق جودة الحياة من ضمنها جعل ثلاث جامعات سعودية ضمن مصاف أفضل 200 جامعة عالمية".
وأضاف: "تلك الطموحات والتطلعات السعودية وضعت خارطة طريق استراتيجية سعودية للاستفادة من قوتنا الاجتماعية والسكانية والاقتصادية".
وأكمل قائلاً: "سوف نصل إلى 2040 بعد نجاح رؤية 2030، وبتلك الإرادة السياسية للتطوير، وتلاحمنا كسعوديين مع قيادتنا سوف نصنع مقومات النجاح تخطيطاً وتنفيذاً".
"مرحلة الانتعاش التي تعيشها بلادنا منذ إعلان الرؤية 2030؛ شهدنا فيها تطورات جعلت المملكة بازدهار مستمر بإطلاق مشاريع كبرى توفر ملايين الوظائف وتجذب الاستثمارات العالمية"، يكمل رجل الأعمال السعودي.
ورأى أن رؤية 2040 ستحقق مزيداً من الانفتاح على الأسواق، وحماية الصناعات الوطنية واتفاقيات التجارة الحرة، وغيرها من المشاريع التي تجعل من المملكة ضمن التصنيف العالمي الأكثر قوة اقتصادياً.
واعتبر أن السعودية تعيش في ورشة عمل عملاقة للدخول في رؤية 2040 لتكون مترابطة ومتسلسلة مع رؤية 2030.
نجاح متوقع
وفي الدائرة ذاتها، تحدث الباحث في الشأن الاقتصادي والعلاقات الدولية أبو بكر الديب، لصحيفة "البلاد" السعودية في 29 أبريل 2021، حول الهدف من رؤية 2040 وكيف يمكن أن تحول المملكة إلى اقتصاد منافس.
ورأى الديب أن المملكة استطاعت أن تتربع على عرش اقتصاد الشرق الأوسط، ويمكنها أن تنافس على المراكز الأولى عالمياً بإطلاق الرؤية الجديدة 2040.
وأكد أن الرياض تمكنت من امتلاك زمام المبادرة السياسية والاقتصادية والأمنية في العالمين العربي والإسلامي.
واعتبر أن النجاح الذي تحقق في رؤية 2030 سيكتب أيضاً لرؤية 2040 نظراً لتوافر نفس العوامل؛ من توافر الإرادة السياسية، ورغبة الدولة في التطوير، وتلاحم الشعب مع قيادته.
وبين أن التوجه الذي أعلنه ولي العهد عن رؤية 2040 التي ستكون مرحلة المنافسة على مستوى عالمي، بعد تحقيق أهداف رؤية 2030، "يظهر توافر مقومات النجاح".
وقال إن الرؤية الجديدة ستعتمد على المواطن، الذي وصفه ولي العهد في تصريحات سابقة بأنه أعظم شيء تملكه السعودية للنجاح.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الاقتصاد السعودي بدأ مرحلة الانتعاش كنتيجة مباشرة للإصلاحات المالية والاقتصادية التي تضمنتها رؤية 2030.
وفي المجمل يمكن القول إن رؤية المملكة 2040 ستكون خطة استراتيجية طموحة تهدف لمزيد من الازدهار الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والمكانة العالمية للمملكة.
وستكمل الرؤية الجديدة أهداف خطة 2030 المرتبطة ببناء مجتمع حيوي ومزدهر يتمتع أفراده بحياة كريمة ورفاهية، وتنويع الاقتصاد، وجعله أكثر كفاءة وقدرة على المنافسة، وبناء دولة متقدمة تتمتع بمكانة عالمية بارزة.
وستعمل الرؤية الجديدة على رفع نسبة الإيرادات غير النفطية إلى ما يزيد على الـ70% من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
كما ستشتمل على تطوير السياحة ورفع عدد السياح إلى ما يزيد على 100 مليون زائر سنوياً، وهو هدف رؤية 2030.