في 2025/08/08
(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
شكل التطور المفاجئ المتمثل في اعلان تركي ال الشيخ رئيس هيئة الترفيه السعودية عن استبعاد المصريين من الموسم الجديد الذي سيبدأ في نهاية أكتوبر من العام الجاري، جدلا كبيرا، واثار فضول وشهية الباحثين عما بين السطور والمراقبين لخلفيات العلاقات المصرية السعودية، وبالتالي لم يتم التعاطي مع الحدث بشكل فني أو انتاجي واقتصادي، بل بشكل سياسي صريح.
وعلاقة المستشار تركي ال الشيخ بمصر تعد علاقة مركبة، حيث تحظى بترحيب كثير من الأوساط الرياضية والإعلامية والفنية بسبب التمويلات التي اغدقها على هذه الهيئات، بينما شهدت هذه العلاقة هجوما كبيرا من جانب اطراف أخرى في هذه الأوساط والتي لم تقبل الهيمنة والوصاية التي حاول المستشار تركي ممارستها وهو ما اعتبره الكثيرون نوعا من الشراء والامتلاك والاستعباد.
كما شهد موسم الرياض نفسه جدلا كبيرا بسبب الاختراقات الثقافية التي وفدت على المجتمع السعودي المحافظ، ولعل الانتقادات أصبحت اكثر سخونة بعد احداث غزة وما تشهده من حرب للإبادة ومجاعة ومأساة إنسانية، وهو ما لا يتناسب معه مفهوم الترفيه والبذخ وإقامة الحفلات والرقص والكوميديا، مما اعتبره الكثيرون انفصالا عن الامة واستخفافا بمصائبها وانسلاخا سعوديا عن الأمة والهوية العربية والإسلامية.
وقد تسبب هذا الجدل حول ممارسات المستشار تركي وحول هيئة الترفيه وانشطتها، في جدل داخل مصر، حيث نشبت ازمة شهيرة في الوسط الرياضي بين النادي الأهلي الأكثر شعبية في مصر وصاحب الجماهير العريضة وبين المستشار تركي بسبب محاولته السيطرة على النادي بتاريخه الكبير، وهو ما رفضته الجماهير واشتبكت لفظيا مع المستشار عبر هتافات غاضبة وصلت للسباب مما كاد يتسبب في ازمة دبلوماسية مصرية سعودية.
كما شهد الوسط الفني سجالا كبيرا بعض رفض الممثل المصري محمد سلام المشاركة في موسم الرياض بسبب احداث غزة احتراما للمأساة الإنسانية وعدم لياقة الضحك والترفيه تزامنا مع الاحداث، وهو ما شق صفوف الوسط الفني بين مؤيد لقرار سلام، وبين المعارضين له ممن يشاركون بموسم الرياض حرصا على إرضاء المستشار تركي وتمويله وانتاجه الفني لأعمالهم.
هذه الفتن الناتجة عن موسم الرياض وممارسات المستشار تركي الاحتكارية وصلت الى أروقة السلطة وأجهزة الاستخبارات، بعد سيطرة الشركة المتحدة للإعلام على النشاط الفني والانتاجي والإعلامي وأيضاً الرعاية الرياضية للأندية الكبرى، والتي وجدت في نشاطات المستشار تركي منافسة وهيمنة.
وبعد انتهاء عصر تمويل الامارات للإعلام المصري، حاولت الشركة ان تتحالف وتتشارك مع المستشار تركي، وقد حاول الرئيس السيسي شخصيا رعاية هذه الشراكة، الا ان الأمور لم تسير على ما يرام، ونشبت بسبب ذلك خلافات لاحقة وصلت الى حروب على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحول القرار الأخير باستبعاد المصريين، فإن الإعلان جاء غبر صفحات تركي ال الشيخ على مواقع التواصل، وبالطبع لم يعلن صراحة عن الاستبعاد ولكن الصيغة أفادت بذلك صراحة، حيث قال نصا: "إن شاء الله في موسم الرياض القادم، اعتماد كامل تقريبًا على العازفين والموسيقيين السعوديين والخليجيين في الحفلات الغنائية، مع اعتماد شبه كامل على المسرحيات السعودية والخليجية، وتطعيمها ببعض الأعمال السورية والعالمية".
وهذا الاستبعاد الصريح اثار ردود أفعال كثيرة بين من يقول انه من حق السعودية الاعتماد على فنّانيها، وبين من يقول انه قرار انتقامي بسبب انتقاد المصريين لهيئة الترفيه واختطافها للفن المصري.
الا ان الأكثر تعبيرا عن حقيقة وكواليس القرار هو تعليق الإعلامي المصري المقرب من تركي ال الشيخ، وهو الإعلامي الشهير عمرو اديب، والذي أشار الى ان الكيل قد فاض بالمستشار وان السبب في ذلك هو الهجوم المبرر من "احد الشركات".
وطبعا لم يذكر عمرو اديب اسم الشركة،الا انه من المعروف انها المتحدة للإعلام، وقد خشي عمرة اديب ذكرها صراحة لمعرفته بعلاقتها بالنظام المصري وجهاز المخابرات المصرية.
وقد اعادت التعليقات على هذا الخبر التذكير بمحطات سياسية سابقة مثل الازمة التي حدثت بين المستشار تركي والفنان المصري الكبير محمد صبحي ، حيث انحازت نقابة الفنانين المصرية للمستشار بشكل غريب مما يدل على ارتهان الفنانين المصريين بغالبيتهم للمستشار تركي، بينما جاء الرد من الدولة بتكريم الفنان محمد صبحي بالكلية الحربية، وهي رسالة عبرت عن ازمة بين الدولة وبين تركي ال الشيخ.
وقد انضم هذا الجدال الى الجدال المستمر على مواقع التواصل حول العمالة المصرية والاشتباكات بين المصريين والسعوديين بالألفاظ والشتائم ووجود دلائل على رعاية أجهزة كبرى للجان الكترونية تعمق هذه الفتن.
وبالتالي فإن قرار هيئة الترفيه بقيادة المستشار تركي ال الشيخ باستبعاد المصريين، لم يكن الا حلقة جديدة في سلسلة ازمة سياسية غير معلنة بين مصر والسعودية والأجهزة السيادية في الدولتين، وهو امر ينبغي الالتفات له ومراجعة دور هيئة الترفيه التي لم تتسبب الا في الفتن والإساءة لوجه المملكة المحافظ وخاصة وسط مأساة إنسانية يمر بها الشعب الفلسطيني وقضيته التي تشكل قضية مركزية للامتين العربية والإسلامية.