اقتصاد » احصاءات

الإمارات في فيتنام.. زخم اقتصادي وتسارع للشراكة التجارية

في 2025/09/06

طه العاني - الخليج أونلاين

تواصل دولة الإمارات ترسيخ حضورها المتنامي في أسواق آسيا، مدفوعة برؤية استراتيجية تستهدف بناء شراكات اقتصادية متنوعة وتوسيع نطاق تجارتها غير النفطية.

ويبرز السوق الفيتنامي كنموذج لافت لهذا التوجه، إذ يشهد تعاوناً متسارعاً بين أبوظبي وهانوي، مدعوماً باتفاقيات شراكة اقتصادية واستثمارات لوجستية تعكس حرص الجانبين على فتح آفاق جديدة أمام القطاع الخاص وتعزيز موقعهما في سلاسل التوريد العالمية.

التجارة المتنامية

يعكس الأداء التجاري بين الإمارات وفيتنام خلال 2025 حجم الزخم الذي تشهده العلاقات الاقتصادية الثنائية؛ فقد أعلن وزير التجارة الخارجية، ثاني بن أحمد الزيودي، أن قيمة التجارة غير النفطية بين البلدين بلغت نحو 7.02 مليارات دولار في النصف الأول من 2025، بزيادة 16.9% مقارنة بالفترة نفسها من 2024، وبنمو فصلي قدره 6.4%.

وتواصل فيتنام الحفاظ على مكانتها كأكبر شريك تجاري غير نفطي للإمارات ضمن دول مجموعة "آسيان"، ويأتي هذا الأداء امتداداً للعام الماضي، حيث ارتفعت التجارة غير النفطية في 2024 بنسبة 4% لتصل إلى 12.6 مليار دولار، بزيادة ملحوظة قدرها 54.3% مقارنة بعام 2019.

وأكد الزيودي أن هذه الأرقام تعكس قدرة الشراكة الإماراتية-الفيتنامية على تجاوز تقلبات الأسواق وتعزيز مسارات الاستثمار المشترك لدعم التنمية الصناعية.

كما أشار الوزير إلى أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، الموقّعة في أكتوبر الماضي، ستفتح أسواقاً جديدة أمام المصدرين، وتزيد من فرص الوصول إلى سلاسل التوريد العالمية، مشدداً على أهمية تمكين مجتمع الأعمال في البلدين من الاستفادة الكاملة من الفرص التي ستوفرها الاتفاقية فور دخولها حيز التنفيذ.

ولم يقتصر التعاون على التبادل التجاري فحسب، بل شمل أيضاً دعم البنية التحتية في فيتنام، من خلال الاستثمار في محطة حاويات متطورة بمدينة هو تشي منه، إلى جانب إطلاق خدمات شحن جديدة عبر دلتا نهر الميكونغ، ما يمهّد الطريق أمام مزيد من التوسع في السوق الفيتنامي.

وتأتي هذه الجهود في إطار استراتيجية إماراتية أوسع لتعزيز الروابط مع دول رابطة "آسيان"، حيث سجلت التجارة غير النفطية مع التكتل نحو 37.7 مليار دولار في 2024، بارتفاع 4.2% عن 2023، و16.8% مقارنة بـ2022، لتشكّل 4.6% من تجارة الإمارات غير النفطية مع العالم.

مركز محوري

ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي أحمد صدام، أن الشراكة الاقتصادية بين البلدين تفتح آفاقاً جديدة للمصدرين الإماراتيين للوصول إلى فيتنام ودول آسيان، وفي المقابل، تمنح الشركات الفيتنامية منفذاً أسرع إلى أسواق الخليج والشرق الأوسط عبر الإمارات، مما يعزز من دورها كمركز لوجستي وتجاري محوري.

ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن هذه الشراكة، لكونها أول اتفاقية من نوعها، تمنح الإمارات سبقاً تفاوضياً على أي طرف آخر، وفي الوقت نفسه توفر لفيتنام انفتاحاً على أسواق دول مجلس التعاون عبر البوابة الإماراتية.

وأوضح صدام أن وجود "موانئ دبي" في فيتنام حالياً ومشاريعها في الربط الساحلي قد ساهم في خفض التكاليف ورفع كفاءة النقل الداخلي.

ويردف أن هذا النجاح يعتبر ركيزة أساسية لاستدامة العلاقة الاقتصادية بين البلدين ويحفز على إطلاق مشاريع أخرى في المستقبل.

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن هذه الشراكة لا تخلو من بعض التحديات، مثل التغيرات المحتملة في الرسوم الجمركية التي قد تؤثر على تدفق السلع.

كما لفت صدام إلى وجود منافسة إقليمية من دول مثل سنغافورة وماليزيا وتايلاند، التي ترتبط بعلاقات قوية مع الإمارات وتنتج سلعاً مماثلة.

الشراكة الاستراتيجية

وتتجاوز العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وفيتنام حدود التبادل التجاري المباشر، لتتجه نحو ترسيخ شراكة استراتيجية شاملة.

ويأتي توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في أكتوبر 2024 كخطوة مفصلية في هذا المسار، حيث مثلت أول اتفاقية تجارة حرة تبرمها فيتنام مع دولة في الشرق الأوسط، بعد مفاوضات استمرت عاماً كاملاً.

وبحسب وزارة التجارة الفيتنامية، تم توقيع الاتفاقية في دبي في 28 أكتوبر 2024، بحضور رئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشين، وتنص على إلغاء الإمارات التعريفات الجمركية على 99% من صادرات فيتنام، مقابل تعهد هانوي بإزالة الرسوم على 98.5% من صادرات أبوظبي، ما يفتح المجال واسعاً أمام قطاعات الزراعة والطاقة والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية.

ويعكس الاتفاق إدراك البلدين لضرورة تعزيز التعاون في ظل النمو المتسارع لتجارتهما؛ فقد سجل حجم التبادل التجاري في 2023 نحو 12.12 مليار دولار، بزيادة 38.7% عن 2022.

فيما أظهرت بيانات فيتنام أن التبادل بلغ 4.7 مليارات دولار في 2023 فقط من جانبها، بارتفاع 6% عن العام السابق، ما يوضح تنوع طرق احتساب الأرقام تبعاً للمصادر الرسمية.

تعاون نموذجي

وأكد رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، في أكتوبر الماضي، على أهمية تنمية العلاقات منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1993، مشيراً إلى أن الشراكة مع فيتنام باتت تشكل نموذجاً للتعاون الاقتصادي المتنامي لبلاده مع دول آسيا.

وفي سياق متصل، أشار رئيس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلى أن الإمارات تُعد الشريك التجاري الأكبر لفيتنام في المنطقة، وأن التبادل غير النفطي بين الجانبين حقق نمواً لافتاً، بحسب ما نقلت وسائل إعلام محلية.

كما لفت إلى أن شركات إماراتية مثل موانئ دبي العالمية و"مبادلة" و"بروج" تدير استثمارات واسعة في السوق الفيتنامي، ما يعزز من عمق الشراكة الاقتصادية القائمة.

من جانبه، شدد رئيس الوزراء الفيتنامي على رغبة بلاده في توسيع هذه الشراكات وفتح آفاق جديدة في مجالات التجارة والاستثمار، مؤكداً أن فيتنام تنظر إلى الإمارات بوصفها بوابة رئيسية للتواصل مع أسواق الشرق الأوسط.

ومع نمو التبادل التجاري وتوسّع حضور الشركات الإماراتية في السوق الفيتنامي، تبدو المرحلة المقبلة مرشحة لمزيد من الانفتاح، بما يعزز موقع البلدين في خريطة التجارة الإقليمية والعالمية.