اقتصاد » احصاءات

انخفاض تاريخي في عدد حفارات النفط.. هل غيرت السعودية استراتيجية الطاقة؟

في 2025/08/07

طه العاني - الخليج أونلاين

تشهد السعودية تحولاً لافتاً في سياستها المتعلقة بقطاع الطاقة، مع استمرار تراجع عدد منصات حفر النفط إلى مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من عقدين.

هذا التراجع لا يعكس فقط متغيرات في سوق النفط، بل يكشف عن إعادة توجيه استراتيجي نحو موارد بديلة وعلى رأسها الغاز الطبيعي.

وبينما تقلصت مشاريع توسعة الإنتاج النفطي، تسارعت استثمارات المملكة في مشاريع الغاز ما يثير تساؤلات حول مسار الطاقة المستقبلي في السعودية.

تراجع الحفارات

وفي إطار ذلك، انخفض عدد حفارات النفط في السعودية إلى 20 منصة فقط في يوليو الماضي، مقارنة بـ46 منصة في أوائل 2024، بحسب بيانات شركة "بيكر هيوز"، ما يمثل أدنى مستوى منذ فبراير 2005.

وتشير وكالة "بلومبيرغ"، في تقرير نشرته (1 أغسطس 2025)، إلى أن هذا التراجع الممتد منذ 18 شهراً جاء عقب قرار المملكة، في يناير، بإلغاء خطة رفع طاقة "أرامكو" الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً، والاكتفاء بسقف 12 مليون برميل.

كما يرى خبراء أن العديد من مشاريع التوسعة في الحقول القديمة قد اكتملت أو أوشكت، ما أتاح تقليص أعمال الصيانة، خاصة في الحقول الكبرى مثل "الغوار"، ويُعد هذا التغير مؤشراً بالغ الأهمية على نوايا السعودية في إعادة ضبط إمداداتها ضمن استراتيجيات تتماشى مع ديناميكيات السوق العالمي.

وبحسب بيانات منصّة الاقتصاد الكلي الشاملة للسعودية "أرقام ماكرو"، تخطط المملكة لرفع إنتاجها من الغاز من 13.5 إلى 21.3 مليار قدم مكعبة يومياً بحلول 2030، بنسبة نمو تتجاوز 50%.

كما يُتوقع نمو الإنتاج بنسبة 4% في 2025، مع دخول مشاريع حيوية الخدمة، أبرزها المرحلة الأولى من حقل "الجافورة" ومشروع "تناجيب"، وتتماشى هذه التوسعات مع أهداف رؤية 2030 في تقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الطاقة.

ويمثّل حقل الجافورة ركيزة أساسية لهذا التوجه، إذ يحتوي على احتياطيات مؤكدة تُقدَّر بـ229 تريليون قدم مكعبة، منها 15 تريليوناً أُعلن عنها مطلع 2024.

كما يُنتج المشروع نحو 420 مليون قدم مكعبة قياسية يومياً من الإيثان، و630 ألف برميل من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات، ما يوفّر قيمة مضافة لصناعة البتروكيماويات.

ويُستخدم الغاز أيضاً كلقيم لإنتاج الأمونيا والهيدروجين الأزرق، في سياق التوجه نحو تقنيات منخفضة الكربون.

صعود الغاز

وبحسب "أرامكو"، تستهدف الشركة رفع مبيعات الغاز بنسبة 60% لتصل إلى ملياري قدم مكعبة يومياً بحلول 2030، وتعتزم استثمار مليارات الدولارات لتعزيز قدراتها الإنتاجية، ما يضع السعودية في طريقها لتصبح ثالث أكبر منتج للغاز الصخري في العالم.

ويمثل الغاز اليوم المحرك الرئيسي لإنتاج الكهرباء في المملكة، حيث شكّل 58% من مزيج الطاقة في 2023، مقابل 41% للنفط، ووفقاً لتوقعات "أرامكو"، يُرجّح أن ينمو الطلب المحلي على الغاز بنسبة 3.7% سنوياً حتى 2030، نتيجة التوسع في الصناعات وتوليد الطاقة.

كما تأتي هذه الطفرة في وقت حساس عالمياً، إذ يسعى المستوردون – خصوصاً في أوروبا – إلى فك الارتباط من الغاز الروسي بعد تداعيات الحرب في أوكرانيا، وهنا تبرز السعودية كلاعب محتمل في سوق الغاز العالمي، معززة دورها كمصدر استقرار في سوق الطاقة، ومنافساً استراتيجياً في أسواق الكهرباء.

وتستهدف المملكة توفير مليون برميل نفط يومياً عبر استبداله بالغاز لتوليد الطاقة بحلول 2030، حيث أشار الرئيس التنفيذي لـ"أرامكو"، أمين الناصر، في تصريح سابق لـ"بلومبيرغ" إلى أن أكثر من نصف إنفاق الشركة على أنشطة المنبع مخصص حالياً لمشاريع الغاز.

كما يُعد مشروع "الجافورة" حجر الأساس في هذه الرؤية، حيث من المنتظر تشغيل مرحلته الأولى بطاقة 650 مليون قدم مكعبة يومياً بنهاية 2025، يليها تشغيل المرحلة الثانية خلال عامين.

يقول الخبير النفطي حمزة الجواهري إن السعودية تتحول تدريجياً لتصبح منتجاً رئيسياً للنفط والغاز معاً، ويعتقد أن هذا التوجه نحو الغاز هو الذي دفعها لتغيير برامجها الاستراتيجية، مضيفاً لـ "الخليج أونلاين":

- السعودية ستبقى المنتج الأكبر للنفط، حيث تمتلك حالياً كميات فائضة من الإنتاج.

- حجم إنتاجها الكبير سمح لها بتطوير قدراتها في إنتاج الغاز بالإضافة إلى النفط، ويوجد إمكانية لتعديل البرامج المستقبلية وفقاً للمتغيرات الجديدة.

- إنتاج النفط إلى جانب الغاز يجعل من السعودية دولة منتجة لكليهما دون عناء، مما يعزز مكانتها في سوق الطاقة العالمية.

انعكاسات في الطاقة

وتسعى الرياض لتوسيع آفاق تصدير الغاز رغم مراجعتها خطط تصدير الأمونيا الزرقاء، ووقعت "أرامكو" مؤخراً 23 عقداً بقيمة 2.4 مليار دولار لحفارات الغاز، وسط مؤشرات بأن عقوداً إضافية ستُمنح لاحقاً هذا العام.

ورغم الضغوط التي يواجهها قطاع الحفارات، فإن السعودية تواصل البحث عن أدوات أكثر كفاءة لإدارة الحقول الناضجة، مستبدلة الحفر التقليدي بعمليات تدخّل أقل تكلفة.

يقول الخبير النفطي، الدكتور عبد السميع بهبهاني، إن سوق خدمات الحفر في السعودية شهد انخفاضاً ملحوظاً في عدد منصات الحفر العاملة، عازياً ذلك بشكل أساسي إلى انخفاض نشاط نقل الحفارات وزيادة مدة التوقف لإحدى الوحدات البحرية. 

ويضيف لـ"الخليج أونلاين":

- هذا الانخفاض انعكس بوضوح على أداء أكبر شركات الحفر في المملكة، ما أدى إلى تراجع في معدلات الاستعمال وانخفاض في الإيرادات.

- عدد المنصات ليس مؤشراً مباشراً لبدء تحول في استراتيجية الطاقة السعودية، نظراً لحجم الإنتاج الضخم والقدرة الاحتياطية الكبيرة للمملكة.

- يوجد خطة لإعادة توجيه استثمارات الحفر نحو تطوير الحقول المتهالكة، والتي لا تحتاج إلى منصات الحفر التقليدية.

- المملكة تدفع بقوة نحو تعزيز إنتاج الغاز الطبيعي، مستهدفة رفع طاقتها الإنتاجية ودعم مشاريع خفض الانبعاثات الكربونية وإنتاج الأمونيا الزرقاء.

- الالتزامات المناخية العالمية قد تدفع المملكة إلى إعادة ترتيب أولوياتها في قطاع الطاقة، بما يتماشى مع استراتيجيتها للتحول التدريجي نحو مزيج طاقة أكثر استدامة.