في 2025/08/04
طه العاني - الخليج أونلاين
تكتسب صناعة ملح الطعام في السعودية اليوم بُعداً اقتصادياً واستثمارياً متنامياً؛ حيث تحوّل من منتج غذائي بسيط إلى مورد استراتيجي يسهم في تنويع الاقتصاد الوطني، ويغذي صناعات كبرى من الأغذية وحتى البتروكيميائيات.
هذا التحول جاء بدعم مباشر من وزارة الصناعة والثروة المعدنية، التي تواصل فتح الباب أمام الاستثمارات الجديدة في قطاع يعدّ من الأقدم في المملكة، والأكثر ارتباطاً بالجغرافيا المحلية، خصوصاً في المنطقة الشرقية.
إنتاج وتصدير
وبلغ عدد المصانع الوطنية المنتجة للملح حتى منتصف عام 2025 نحو 27 مصنعاً، ساهمت في تغذية السوق بملح خام متنوع الاستخدامات، بلغت قيمته السوقية نحو 3.7 مليارات ريال (قرابة 986 مليون دولار أمريكي).
ويمتد حضور "الذهب الأبيض" السعودي إلى الأسواق الإقليمية والدولية، حيث صُدِّرت كميات إلى دول الخليج العربية، والأردن، والسودان، وماليزيا، وموريتانيا، وغيرها بإجمالي صادرات تجاوز 18 مليون ريال (4.8 ملايين دولار) بين عام 2024 ومنتصف 2025.
وتتركز المخازن الطبيعية للملح في سبخات ساحلية بمحاذاة الخليج العربي، من شمال الخفجي حتى جنوب العقير، وتبرز سبخة "رأس القرية" في محافظة بقيق كأهم المواقع، نظراً لنقاوة الملح فيها، وامتداده الطبيعي على سطح الأرض بعمق يصل إلى 5 أمتار.
وفي يونيو من العام الماضي، أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية فوز 4 شركات محلية في المنافسة على 4 رخص كشف لخام الملح في مجمع سبخة رأس القرية الاستراتيجية بمحافظة بقيق في المنطقة الشرقية.
ويعتبر مجمع سبخة رأس القرية موقعاً ساحلياً يبعد نحو 4 كيلومترات عن البحر، وينكشف فيه خام الملح بشكل طبيعي في بعض المواضع، بينما يترسب في شكل طبقات، ويصل سمك بعض هذه الرسوبيات إلى 5 أمتار، وفقاً لدراسات جيولوجية سابقة.
كما بيّنت الوزارة حينها أن خام الملح في السبخة يتميز بمناسبته العالية للصناعات التحويلية والبتروكيميائية، كما يُستخدم لإنتاج ملح الطعام المكرر وملح الصناعات الغذائية، ويُحول إلى منتج صناعي عالي الجودة، وخالٍ من الشوائب.
مخزون استراتيجي
يعتمد استخراج الملح البحري على عمليات تبخير طبيعية لمياه البحر في فصل الصيف، باستخدام أشعة الشمس في السبخات الملحية، في حين يستخرج الملح الصخري من مناجم طبيعية أو من تكوينات غنية بالهاليت.
كما تستخدم هذه الأنواع في دعم قطاعات غذائية وصناعية، مثل الصناعات التحويلية والبتروكيميائية، إذ يجري تحويل الملح الخام إلى منتجات نقية تحتوي على أكثر من 99% من كلوريد الصوديوم.
وبحسب المدير العام لشركة "مسفر" للتعدين والخدمات اللوجستية، فهد القحطاني، فإن قطاع الملح يشكل ركيزة مهمة في الصناعات الوطنية، مؤكداً أن رؤية السعودية 2030 منحت قطاع التعدين دفعة قوية، جعلت منه مساهماً بارزاً في الاقتصاد الوطني.
كما أشار القحطاني، في تصريح لوكالة الأنباء السعودية في 26 يوليو 2025، إلى أن "السبخات الملحية، وعلى رأسها سبخة رأس القرية، تحتوي على مخزون تشكّل عبر آلاف السنين نتيجة تبخر مياه البحر، ويتم معالجته لاحقاً لاستخراج ملح نقي خالٍ من الشوائب الرملية".
بدوره أكّد المهندس المتخصص في مجال التعدين، أحمد العوض، أن الملح في المملكة يتكون من نوعين أساسيين، هما الملح الصخر الذي يتشكل من مياه البحر، ويتميز بنقاوة عالية وتنوع الاستخدامات، والملح المتبخر من المياه الجوفية وتكون جودته أقل، وكمياته محدودة.
وبيّن العوض، في حديثه لوكالة الأنباء السعودية، أن مناجم الملح تُختار بدقة عبر مسح جيولوجي، مشيراً إلى أن بعض المواقع في رأس القرية تحتوي على مخزون يتجاوز 5 ملايين طن من الملح الخام المتجدد.
كما أوضح أن آلية الاستخراج تراعي المعايير البيئية، ويتم الحفر بعمق يصل إلى 4 أمتار داخل المناجم، ومن ثم يُغسل ويكرر الملح حسب نوع الاستخدام.
فرص وتحديات
يقول الكاتب والمحلل الاقتصادي، سعيد خليل العبسي، إن اهتمام السعودية بالملح يأتي ضمن رؤية 2030، التي تشدد على تنويع مصادر الدخل. مضيفاً في حديثه مع "الخليج أونلاين":
- الملح يُعد مكوناً رئيسياً للعديد من الصناعات، مثل تحلية المياه، وصناعة الكلور، ومعالجة النفايات.
- الملح يمثل أحد الموارد البديلة ذات القيمة المضافة العالية، والبنية التحتية موجودة في مدن صناعية كبرى مثل ينبع والجبيل، مما يسهل استغلال الملح كمنتج صناعي متطور.
- استغلال الملح يتطلب توسيع قدرات التكرير والمعالجة، وتطوير تقنيات صديقة للبيئة، مشيراً إلى تحديات بيئية أبرزها التأثير على النظام البيئي الساحلي، وتسرب المواد الكيميائية.
- التحديات اللوجستية تكمن في بُعد بعض المواقع عن مراكز المعالجة، ومحدودية البنية التحتية، ويردف أن ذلك يتطلب إدارة دقيقة للمياه والموارد البيئية لضمان استدامة العمليات.
- السعودية ركزت على طرح رخص الكشف والتعدين كأداة فعالة، إذا ما تم توجيهها ضمن إطار حوكمة صارم لإحداث توازن دقيق بين جذب الاستثمارات والحفاظ على الموارد الطبيعية.
- هذا يشجع أيضاً على دخول شركات ذات كفاءة عالية، ويفرض التزامات بيئية صارمة، كما يحفز الابتكار في أساليب الاستخراج والمعالجة، ويربط منح الرخص بقدرة الشركات على تقديم حلول صناعية متقدمة.