دول » دول مجلس التعاون

من الحظر إلى البدائل.. مسار الخليج للحد من التلوث البلاستيكي

في 2025/12/27

كامل جميل - الخليج أونلاين

لم يعد البلاستيك مجرد مادة استهلاكية عابرة في حياة المجتمعات الخليجية، بل تحوّل خلال العقود الأخيرة إلى أحد أبرز التحديات البيئية والصحية التي تواجه المنطقة، في ظل أنماط استهلاك مرتفعة، ونمو سكاني متسارع، واقتصادات تعتمد على التغليف والمنتجات أحادية الاستخدام.

ويمتد أثر البلاستيك في دول الخليج إلى ما هو أبعد من مشهد الأكياس المتراكمة في المكبات، ليصل إلى الشواطئ، والشعاب المرجانية، والأسماك، وحتى السلسلة الغذائية للإنسان، وسط تحذيرات علمية من تزايد الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في المياه والتربة.

وتكتسب هذه القضية زخماً متجدداً مع إعلان وزارة التغير المناخي والبيئة الإماراتية تفعيل المرحلة الثانية من قرار حظر مجموعة جديدة من المنتجات البلاستيكية الاستهلاكية، في خطوة تعكس اتجاهاً خليجياً متصاعداً نحو كبح التلوث البلاستيكي وحماية البيئات البرية والبحرية، لا سيما السواحل الخليجية الحساسة.

وقالت الوزارة إن القرار القاضي بحظر استيراد أو إنتاج أو تداول مجموعة جديدة من المنتجات البلاستيكية الاستهلاكية ذات الاستخدام الواحد سيُطبَّق في 1 يناير 2026.

ويشمل الحظر الجديد أكواب المرطبات وأغطيتها، وأدوات المائدة البلاستيكية مثل الملاعق والشوك والسكاكين وعيدان الأكل وغيرها، فضلاً عن مستوعبات الطعام المصنوعة من مادة الستايروفوم (الفوم)، التي تُعد من أكثر المواد تلويثاً للبيئة البحرية.

ويمتد القرار إلى حظر شامل للأكياس ذات الاستخدام الواحد مهما كانت مادتها، بما في ذلك الأكياس الورقية الأقل سماكة من 50 ميكرون، مع استثناءات محددة لأكياس الأدوية، وأكياس القمامة، واللفائف الرقيقة لحفظ الأغذية الطازجة، وبعض أكياس التسوق الكبيرة.

وأكدت وكيل الوزارة المساعد لقطاع المجتمعات المستدامة، علياء عبد الرحيم الهرمودي، أن تفعيل القرار يمثل محطة مفصلية في مسيرة الدولة نحو مستقبل أكثر استدامة، ويرتكز على ترسيخ مبادئ الاقتصاد الدائري وحماية البيئة البحرية والبرية، مع الحفاظ على استدامة الأعمال.

وكانت الإمارات قد بدأت تنفيذ المرحلة الأولى من القرار مطلع عام 2024، بحظر أكياس التسوق البلاستيكية، في خطوة أسهمت في خفض الاستهلاك المفرط وتشجيع البدائل القابلة لإعادة الاستخدام.

السواحل الخليجية تحت الضغط

تشير الدراسات البيئية إلى أن الخليج العربي، بوصفه مسطحاً مائياً شبه مغلق، أكثر عرضة لتراكم الملوثات البلاستيكية مقارنة بالبحار المفتوحة. فالرياح، والعواصف، والكثافة الساحلية العالية تجعل من البلاستيك تهديداً مباشراً للشعاب المرجانية، واللافقاريات البحرية، والأسماك.

في السعودية، التي تُعد من بين أعلى دول العالم في استهلاك الفرد من البلاستيك بنحو 40 كيلوغراماً سنوياً، كشفت أبحاث علمية عن وجود جسيمات ميكروبلاستيكية بكثافة تتراوح بين 5.5 و21.2 جزيئاً لكل كيلوغرام من الرمال في شواطئ الخفجي والجبيل والدمام، معظمها ألياف دقيقة يقل طولها عن 2 ملم، ما يعكس تراكمًا تاريخيًا للنفايات البحرية.

ولا تقتصر المخاطر على المشهد البيئي فحسب، بل تمتد إلى الثروة السمكية، إذ تُظهر دراسات عالمية أن الأسماك والكائنات البحرية تبتلع البلاستيك الدقيق، ما يهدد الأمن الغذائي وصحة الإنسان على المدى الطويل.

تحركات خليجية متفاوتة 

على مستوى الخليج، تتباين سرعة الإجراءات، لكنها تتقاطع عند هدف الحد من البلاستيك أحادي الاستخدام.

في قطر، تحظر القوانين تغليف الوجبات الساخنة بالبلاستيك، وتمنع استخدام أكواب وأطباق الفوم، إضافة إلى حظر تغليف الخبز بالبلاستيك.

أما السعودية، فتحظر استخدام الأكياس والأوعية البلاستيكية لحفظ المواد الغذائية الساخنة، ضمن مسار أوسع تقوده مبادرة السعودية الخضراء، التي تستهدف إعادة تدوير 95% من النفايات بحلول 2035، باستثمارات تُقدّر بنحو 120 مليار ريال.

وفي سلطنة عمان، يُفرض حظر قانوني على أكياس التسوق البلاستيكية أحادية الاستخدام، مع غرامات تصل إلى 2000 ريال عماني للمخالفين، فيما تحظر البحرين الأكياس أحادية الاستخدام، رغم أن البلاستيك ما يزال يشكّل نحو 32% من المخلفات المنزلية.

أما في الكويت، فتشير البيانات إلى أن النفايات البلاستيكية تمثل 13.4% من إجمالي النفايات الصلبة، وسط دعوات متزايدة لتشديد التشريعات والانتقال من المبادرات الطوعية إلى قرارات ملزمة.

أبعاد صحية واقتصادية مقلقة

ووفق تقارير الأمم المتحدة، يُلقى سنوياً نحو 11 مليون طن من البلاستيك في البحار والمحيطات، من أصل 400 مليون طن تُنتج عالمياً، يُعاد تدوير أقل من 10% منها، بينما يُصمَّم نصفها للاستخدام مرة واحدة.

وتحذّر التقديرات من احتمال مضاعفة تلوث النظم المائية بنسبة 300% بحلول 2040، مع تأثر أكثر من 800 نوع بحري، فيما تتراوح التكلفة الاجتماعية والبيئية للتلوث البلاستيكي عالمياً بين 300 و600 مليار دولار سنوياً.

وتكمن الخطورة الأكبر في الجسيمات البلاستيكية الدقيقة التي تتسلل إلى التربة والمياه والغذاء، التي يرى خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنها باتت تشكّل تهديداً يتجاوز أزمات المناخ وفقدان التنوع البيولوجي من حيث الانتشار وصعوبة الاحتواء.

تعاون حكومي ومجتمعي

يرى المختص في الشأن البيئي عمر عبد اللطيف أن التحدي الأكبر في مواجهة دول الخليج لخطر البلاستيك تشترك فيه القوانين الرادعة ووعي المجتمع.

وأوضح عبد اللطيف في حديثه لـ"الخليج أونلاين":

البلاستيك يُعد من أخطر الملوثات بسبب عدم تحلله وتراكم سُميّته عبر الزمن.

رغم تقييد بعض أنواعه، ما زال البلاستيك حاضراً بقوة في تفاصيل الحياة اليومية بالخليج.

دول الخليج تعتمد بشكل واسع على البلاستيك في أنماط الاستهلاك والتغليف.

التوسع في استخدامه خلق واقعاً بيئياً مقلقاً يهدد الإنسان والطبيعة معاً.

حملات التوعية البيئية شهدت تصاعداً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة في الخليج.

توعية الأطفال في المدارس تعكس إيماناً لدى الخليج بأهمية بناء الوعي منذ الصغر.

لكن التوعية وحدها غير كافية دون تشريعات ملزمة تضبط الاستخدام المفرط للبلاستيك.

الحاجة ملحّة لاعتماد بدائل قابلة للتحلل وصديقة للبيئة.

غياب الرقابة الصارمة يفاقم التجاوزات في التغليف والاستهلاك التجاري.

استمرار التلوث البلاستيكي يهدد النظم البحرية والثروة السمكية بشكل مباشر.

حرق النفايات البلاستيكية يطلق انبعاثات سامة تؤثر في الصحة العامة.

المرحلة المقبلة في الخليج تتطلب شراكة حقيقية بين الحكومات والمجتمع والقطاع الخاص.

حماية البيئة الخليجية مرهونة بإرادة تشريعية وسلوك مجتمعي مسؤول ومستدام.