في 2025/05/12
طه العاني - الخليج أونلاين
شهدت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقد الأخير تطوراً ملحوظاً في مجال زراعة القلب، مستندة إلى استراتيجيات صحية متقدمة واستثمارات كبيرة في البنية التحتية والكوادر الطبية.
وتحوّلت دول مجلس التعاون من مجرد مستهلكة للتقنيات الطبية إلى مساهم فاعل في تطويرها، مما مكّنها من تحقيق إنجازات نوعية تمثلت في إجراء عمليات زراعة قلب معقدة ومتقدمة تقنياً، بعضها يسجل الأول من نوعه على مستوى العالم.
بدايات رائدة
وفي إطار ذلك باشرت دول الخليج خطواتها العملية والملموسة نحو تأسيس برامج زراعة القلب، كان أبرزها تنفيذ أولى العمليات الناجحة في عدد من الدول، ما وضع الأساس لتطورات متسارعة في هذا المجال.
ونجحت دولة قطر، في 27 مارس الماضي، بإجراء أول عملية زراعة قلب داخل مستشفى القلب التابع لمؤسسة حمد الطبية، لمريض يبلغ من العمر 42 عاماً ويحمل الجنسية البنغالية.
وأُجريت الجراحة بواسطة فريق طبي قطري متعدد التخصصات، وشملت العملية تنسيقاً بين جراحي القلب، وأطباء قصور القلب، والعناية المركزة، والتخدير، وفرق التمريض، إلى جانب خبراء في الأمراض المعدية والكلى والطب النفسي والتأهيل.
وبحسب تصريح رئيس الإدارة الطبية في المؤسسة، الدكتور خالد الجلهم، الذي نشرته وكالة الأنباء القطرية في 27 مارس الماضي، فإن هذه العملية تمثّل علامة فارقة في الخدمات القلبية المتخصصة في قطر، خاصةً في ظل التقدم المحرز في برامج زراعة الأعضاء المدعومة بالبنية التحتية الطبية المتقدمة والسجل الوطني للتبرع بالأعضاء.
وانضمت سلطنة عُمان، في 1 مايو الجاري، إلى قائمة الدول الخليجية التي تنفذ زراعة القلب، بإجراء أول عملية من هذا النوع في المركز الوطني لأمراض القلب بالمستشفى السلطاني.
وأشرف على العملية فريق طبي عماني بالكامل، بقيادة وزير الصحة الدكتور هلال السبتي، الذي شارك شخصياً في إجراء الجراحة، وتمت العملية لمريض يعاني من قصور مزمن في القلب، بعد الحصول على قلب من متبرع متوفى دماغياً.
ونقلت وكالة الأنباء العمانية عن استشاري جراحة القلب بالمستشفى السلطاني، الدكتور قاسم العبري، تأكيده أن نجاح هذه العملية يعكس سنوات من الاستثمار في تأهيل الكوادر الوطنية الطبية، بينما أشار أحد أعضاء الفريق الطبي، الدكتور علاء اللواتي، إلى أن تعاون الفريق متعدد التخصصات كان عنصراً حاسماً في نجاح الإجراء.
وكانت وزارة الصحية الكويتية قد أعلنت، في 24 أبريل الماضي، عن نجاح سابع عملية لزراعة قلب طبيعي في البلاد، منذ أن بدأت مشوارها في هذا المجال عام 2019.
ونجح مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي" المتخصص في هذا المجال بزراعة أكثر من 23 قلباً حياً خلال 8 سنوات الماضية، عندما أعلنت الإمارات، في ديسمبر 2017، عن نجاح أول عملية زرع قلب تجرى في الدولة، بعد أن نقلوا قلباً من متبرع توفي دماغياً، إلى مواطن شاب يبلغ من العمر 38 عاماً، في إنجاز تاريخي.
وتعتبر السعودية الرائدة في هذا المجال؛ من خلال برنامج زراعة القلب للأطفال والبالغين في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، والذي يعتبر الأكبر في الشرق الأوسط، ونجح في نحو 500 زراعة قلب منذ تأسيس البرنامج عام 1989.
قفزات طبية
ويقول الباحث الدكتور حبيب الهادي إن القطاع الطبي في دول الخليج يشهد تطوراً مستمراً وطفرات كبيرة في التقدم، خاصة في مجال إدخال التقنيات والأجهزة والبرامج الحديثة المتعلقة بزراعة القلب والأعضاء.
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" أن دول المجلس طرقت كل الأبواب في هذا المجال، وتمتلك كيانات صحية متقدمة من مستشفيات ومراكز ومؤسسات صحية متنوعة، سواء كانت خاصة أو عامة.
ويشير الدكتور الهادي إلى إنشاء مراكز متخصصة في علاج القلب في الدول الخليجية، فضلاً عن تجهيزها بأحدث الأجهزة الطبية المتطورة.
ويرى أن هناك تحديات تواجه هذا التطور، مثل كثرة أمراض القلب والضغط المتزايد على الخدمات الصحية والمراكز التخصصية، بالإضافة إلى تحديات الكادر الطبي المتخصص.
ويؤكد الهادي بأن المستقبل يبدو واعداً بفضل إدخال الأجهزة الحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي، مما سيدعم هذه المراكز ويعزز تقدمها في المستقبل القريب.
إنجازات فريدة
وفي سياق التحول المتسارع الذي تشهده دول الخليج في مجال زراعة القلب، برزت إنجازات طبية فريدة تخطت النطاق الإقليمي إلى العالمية، ولم تكتف هذه الدول بتحقيق السبق، بل بادرت بابتكار أساليب وتقنيات عززت فعالية العلاج، وجودة حياة المرضى.
وأعلن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالسعودية، في سبتمبر 2024، عن إجراء أول عملية زراعة قلب كاملة باستخدام الروبوت على مستوى العالم، وهي سابقة طبية تم تنفيذها لمريض يبلغ من العمر 16 عاماً كان يعاني فشلاً قلبياً من الدرجة الرابعة.
وبحسب الموقع الرسمي للمستشفى فقد استغرقت العملية ثلاث ساعات، وأُجريت دون شق القفص الصدري، باستخدام تقنية طفيفة التوغل تُعد الأولى من نوعها، وقاد الفريق الطبي الجراح السعودي الدكتور فراس خليل، بعد تحضيرات دقيقة تضمنت محاكاة افتراضية للعملية سبع مرات خلال ثلاثة أيام بهدف التأكد من كفاءة المنهجية المبتكرة.
وشكل هذا الإنجاز نقلة نوعية في تقنيات زراعة القلب، حيث أتاح تخفيف الألم وتقليل فترة التعافي بشكل كبير مقارنة بالطرق التقليدية.
وقد أشار الرئيس التنفيذي للمستشفى، الدكتور ماجد الفياض، إلى أن العملية تمثل تطوراً محورياً في مسار الطب التخصصي في المملكة، وتسهم في تعزيز مكانتها على الساحة الطبية العالمية، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي تضع الابتكار والتقنيات الحديثة في صميم التحول الصحي.
وحققت الإمارات، في أكتوبر 2024، إنجازاً آخر في هذا المجال، حيث أعلن مستشفى "كليفلاند كلينك أبوظبي"، التابع لمجموعة (M42) الطبية، عن إجراء أول عملية زراعة مزدوجة للقلب والرئتين في الدولة، لمواطنة تبلغ من العمر 56 عاماً كانت تعاني من ارتفاع ضغط الدم الرئوي منذ عام 2004.
وتُعد هذه العملية من أكثر الإجراءات تعقيداً في جراحة الأعضاء، نظراً لحالة المريضة المزمنة، وقد تمت العملية بنجاح بعد تقييم ومتابعة دقيقة بدأت منذ مارس 2022. بحسب وكالة الأنباء الإماراتية "وام".
وتعكس هذه النجاحات قدرة المراكز الطبية الخليجية على التعامل مع الحالات الأكثر تعقيداً، مع اعتماد تقنيات متقدمة ومعايير دولية، ما يرسخ دورها الطبي المتميز.