أ.د. محمد الدعمي- الوطن العمانية-
” بغض النظر عن دلالات الاستيراد المتعامي “لجامعات مسلفنة” كاملة من العالم الغربي، كالذيلية الأكاديمية وكالنفقات الإستثنائية لتغطية ما تمرره شركات العالم الغربي عبر وكلائها في هذه الجامعات من طلبات وأجهزة وأثاث وأبنية لنستوردها، تبقى جامعاتنا “الوطنية” تشعر بـ”الفجوة” الفاصلة بينها وبين تلك الجامعات التي يحاضر في صفوفها الشقر الطوال الذين لايريدون ردم الفجوة “بيننا” و”بينهم”…”
بعد ما لايقل عن ربع قرن من العمل المتفاني في المؤسسات الأكاديمية، العراقية وسواها، تدريساً وعميداً ورئيساً لقسم اللغة الإنجليزية مرتين، طالما قض مضاجعي السؤال الذي يفيد: ما فائدة المؤسسات الأكاديمية في العالم العربي، إن لم تتمكن من إحداث النقلة العلمية والثقافية التي توخاها أولو الأمر وأهل الحل والعقد عندما أسهموا بتأسيس جامعاتنا الكبيرة، من الكلية اليسوعية في بيروت (الجامعة الأميركية اليوم) الى آخر كلية أو جامعة صدر أمر تأسيسها في السنوات الأخيرة، سوية مع حزمة مخصصاتها من الإنفاق المالي الذي غالباً ماتكون فلكية.
دليل ما اذهب اليه في أعلاه من استفهامات جلي، لايحتاج للكثير من التقشير والتمحيص كي يصل إليه المسؤولون أعلاه، زيادة على القيادات الجامعية التي عملت، شخصياً، معها ردحاً من الزمن، وخلاصته تتمثل في تواصل اعتمادنا على البعثات العلمية الى جامعات العالم الغربي والشرقي: وإلا لماذا نبتعث تلاميذنا الى الجامعات الأوروبية والأميركية، لو كان استثمارنا في الجامعات المحلية (الوطنية) سليماً، لا تشوبه العواهن والشوائب؟ وللمرء أن يذكر أولي الأمر بأن جامعاتنا الرئيسة، لم تؤسس ولم تحظ بالإنفاق الباذخ عليها، إلا بعد أن وعد القائمون على تأسيسها من القيادات والإدارات الجامعية، بالاستغناء عن البعثات العلمية المكلفة، مالياً وبشرياً، الى خارج بلداننا! أليس في ذلك مفارقة تستحق الرصد والتأمل المتأني؟
بل وقد تجسد الأدهى، ليس في إخفاق مؤسساتنا الأكاديمية في أن ترقى بنفسها الى مصاف مكافآتها عبر العالم، ولكن في استدراج واردات البترودولار العديد من القيادات في الحكومات العربية الى استيراد “جامعات وكليات كاملة مسلفنة” مع كوادرها الأميركية أو البريطانية أو الألمانية لاستزراعها في صحارينا، كما استزرعنا أعلى ناطحات السحاب على رمال بلاد العرب المتحركة، كثباناً نهمة تقرض شيئاً من السهول والوديان الخضراء كل سنة بقوة “التصحر”.
وبغض النظر عن دلالات الاستيراد المتعامي “لجامعات مسلفنة” كاملة من العالم الغربي، كالذيلية الأكاديمية وكالنفقات الإستثنائية لتغطية ما تمرره شركات العالم الغربي عبر وكلائها في هذه الجامعات من طلبات وأجهزة وأثاث وابنية لنستوردها، تبقى جامعاتنا “الوطنية” تشعر بـ”الفجوة” الفاصلة بينها وبين تلك الجامعات التي يحاضر في صفوفها الشقر الطوال الذين لايريدون ردم الفجوة “بيننا” و”بينهم” كي تستمر حاجاتنا إليهم ويتواصل نزيف البترودولار، بل وتتزايد الحاجة مع ارتفاع منحنى الشعور الوسواسي بمركب التخلف، للأسف.
هذا هو استثمارهم الحقيقي، ليس في التسليح والتصدير الاستهلاكي فقط، ولكن كذلك في “الخدمات المعمرة”، اي في بقائك خجلاً بسبب لاجدوى ما أسست وأرسيت من أسس لجامعات وكليات انتشرت كالفطر على سطح رطب: في كل قرية وبلدة ومفرق!
لم تجهز جامعاتنا الكثيرة مما تحتاج اليه خططنا التنموية قط، فعمدت حكوماتنا الى الاستعانة بـ”الخبراء” هذه المرة، الخبراء العسكريين والمدنيين على أنواعهم، درجة تبرير استيراد خبراء الموائد الباذخة والفندقة والطهي، فما الذي تبقى لنفعله بأنفسنا؟ كي نزعم بأن جامعاتنا أفلحت في الإسهام باستقلالنا الاقتصادي والثقافي؟