محمد أمين - الخليج أونلاين-
في ظل مواصلة مجلس التعاون الخليجي سعيه لإعفاء مواطنيه من تأشيرة "شنغن" الأوروبية بشكل نهائي، على غرار الإمارات، دخل قرار جديد حيز التنفيذ من شأنه تسهيل دخول السياح الخليجيين لدول الاتحاد الأوروبي.
ففي 22 أبريل الحالي، اعتمدت المفوضية الأوروبية قراراً ينص على منح تأشيرة "شنغن" متعدّدة الدخول صالحة لمدة 5 سنوات للمواطنين الخليجيين عند تقديم الطلب لأول مرة، وذلك بعد أن كانت تُمنح لمدة عام فقط عند طلبها للمرة الأولى، ولمدة 3 أعوام بعد طلبها مرة ثانية.
كما تأتي هذه الخطوة في إطار تعزيز العلاقات الخليجية الأوروبية والشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين الجانبين، كما تؤكد حرص أوروبا على استقطاب السائح الخليجي الذي يتمتع بقدرة مالية مرتفعة ما يساهم في تعزيز اقتصادها.
خطوة على طريق طويل
يعد هذا الإعفاء خطوة هامة نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين أوروبا، والدول الخليجية التي تشكل مجتمعة ثامن أكبر اقتصاد على مستوى العالم، وبإجمالي ناتج محلي يصل إلى 2.4 تريليون دولار.
ورحب بهذا القرار منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، على هامش "منتدى الأمن الإقليمي الخليجي الأوروبي" في لوكسمبورغ، حيث قال الاثنين 22 أبريل الحالي: "أرحب بقرار اعتمدته المفوضية الأوروبية هذا الصباح من أجل مواءمة قواعد منح التأشيرات متعددة الدخول لدول مجلس التعاون الخليجي".
أما السفير الفرنسي لدى السعودية لودفيك بوي، فقد وصف هذه الخطوة بأنها "بشرى ممتازة"، وأضاف عبر منصة "إكس" أن بلاده دعمت القرار بقوة، وقال: "الأصدقاء السعوديون، نتطلع إلى رؤية المزيد والمزيد منكم في فرنسا، سواء للسياحة أو للعمل، أهلاً وسهلاً بكم في فرنسا".
ويمثل القرار خطوة هامة على طريق مفاوضات ما تزال مستمرة منذ زمن، وتكثفت في الآونة الأخيرة، بهدف إعفاء مواطني دول مجلس التعاون الخليجي من تأشيرة "شنغن" بشكل كامل، ففي 19 مارس الماضي، بحث الأمين العام للمجلس جاسم البديوي، مع أعضاء اللجنة السياسية والأمنية بالاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل إعفاء الخليجيين من التأشيرة.
وخلال اللقاء نقل البديوي للجانب الأوروبي أهمية هذه الخطوة وتسهيل إجراءات السفر للخليجيين، وذلك ترجمةً للالتزام الذي أبداه الاتحاد الأوروبي في بيانه حول وجهة نظره للسبل المثلى لتطوير الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، الصادر عن المفوضية الأوروبية، في مايو من عام 2022.
وقال أيضاً: "إن هذا الإعفاء سيشكل خطوة هامة نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، ويعكس بشكل جليّ روح التعاون بين دول مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي"، معرباً عن ترحيبه للدعم الذي أبداه أعضاء اللجنة تجاه هذا الملف.
وقبل يوم من هذا الاجتماع ناقش البديوي، مع الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للخليج لويجي دي مايو، المواضيع ذات الصلة بالعلاقات الثنائية بين الجانبين، بما فيها المتعلقة بإعفاء مواطني دول المجلس من التأشيرة.
ويؤكد البدوي امتلاك دول الخليج ملفاً قوياً بهذا الخصوص، وتوقع الشهر الماضي، أن تحتفل الدول خلال هذا العام بقرار الإعفاء.
أهمية السائح الخليجي
يشكل السياح الخليجيون مصدراً هاماً لإنعاش اقتصادات الدول المضيفة؛ نظراً لقدراتهم الكبيرة على الإنفاق، حيث يتفوقون على نظرائهم من الدول العربية والغربية.
وبحسب منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، فإن السياح من دول الخليج ينفقون نحو 6.5 أضعاف ما ينفقه السياح من أجزاء أخرى من العالم، وهو ما يؤكد سعي الدول الأوروبية لجذبهم بهدف إنعاش قطاعي السياحة والاقتصاد خاصة خلال فترة الصيف.
كما تعتبر أوروبا الوجهة المفضلة للسياح الخليجيين، فألمانيا على سبيل المثال شهدت العام الماضي ارتفاعاً ملحوظاً في عدد السياح القادمين من دول مجلس التعاون، بنسبة بلغت 15%، مقارنة بعام 2022، حيث ذكر المكتب الوطني الألماني للسياحة، في مارس المنصرم، أن عدد ليالي المبيت للسياح الخليجيين في 2023، بلغ 1.297.256.
أما فرنسا فقد استقبلت، العام الماضي، نحو 800 ألف زائر من الخليج، 140 ألفاً منهم من السعودية، فيما توقع مدير السياحة في جنوب فرنسا فرانسوا دي كانسون، في شهر نوفمبر الماضي، أن يصل عدد السياح السعوديين هذا العام إلى 170 ألفاً.
كما تعد إسبانيا من الدول التي تجذب السياح من دول الخليج، حيث استقبلت العام الماضي 434 ألفاً منهم، بمتوسط إقامة 6-8 أيام، حيث تصدرت السعودية بـ 182 ألفاً، تلاها كل من الإمارات، وقطر، والكويت، بحسب بيان صحفي للمكتب السياحي الإسباني (13 فبراير الماضي).
وجهة بديلة
المحلل الاقتصادي يونس الكريم اعتبر أن "هذا القرار يهدف إلى تنشيط الاقتصاد الأوروبي، ويُعتبر محاولة لإيجاد أسواق للصناعات السياحية لدى دول الاتحاد الأوروبي"، مشيراً إلى أن "الأخيرة تحاول الاستفادة من التوترات في الشرق الأوسط، وخاصة في تركيا".
وأضاف الكريم لـ "الخليج أونلاين"، أن "الفوائد المترتبة على هذا القرار تتمثل بمحاولة امتصاص التضخم بدول التكتل من خلال زيادة حجم إشغال الفنادق، والسياحة، ما سينشط العديد من القطاعات التجارية في أوروبا، كما أنه سيفتح الأسواق أمام الماركات العالمية".
كما لفت الكريم إلى أن "الدول الخليجية ستستفيد أيضاً من الخبرات الأوروبية في تطوير السياحة لديها، ومن الصناديق التمويلية الأوروبية من خلال الاستثمار في دول مجلس التعاون ما سينعش توجهات حكومات هذه الدول، كما أن القرار سيسهل عملية الدراسة في أوروبا".
وأكد أيضاً أن "حجم السياح الخليجيين سيزداد بشكل ملحوظ، والاتحاد الأوروبي سيكون الوجهة البديلة لكثير من الدول".
ووفق المحلل الاقتصادي، فإن هذا القرار سيجعل الأنظار الخليجية تتجه نحو أوروبا، وترك الصين وشرق آسيا، مشيراً إلى أن "التطور الحاصل في القوانين بدول الخليج بات مقنعاً لأوروبا بعدم وجود مانع من وصول مواطنيها إلى دول التكتل".
وحول ما إذا كنا سنشهد إعفاء كاملاً من "شنغن" أعرب المحلل عن اعتقاده بعدم وجود إمكانية لذلك؛ نتيجة عدة أسباب من أبرزها "العامل الديني، حيث إن التيار الشعبوي بدأ يستلم الحكم في أوروبا، وهو يرى أن وجود جالية مسلمة كبيرة قد تؤثر على القوانين الغربية".
وأضاف أن "هناك اختلافاً بالمواقف بين الجانبين، حيث إن الأجانب يتمتعون بأمور وحقوق في بلدانهم غير موجودة في الدول الخليجية، التي تقيد كل ما يخالف عاداتها وقيمها"، مشيراً إلى أن القرار أيضاً مرتبط بالسياسة، قائلاً: "قد يطلب الاتحاد الأوروبي بعض الأمور السياسية من دول الخليج، وهو ما لا ترضاه هذه الدول".