تواصل » تلفزيون

بين المهنية والدبلوماسية.. دلالات اختيار سفير لقيادة الجزيرة

في 2025/09/06

كامل جميل - الخليج أونلاين 

يكشف قرار مجلس إدارة شبكة "الجزيرة" الإعلامية بتعيين الشيخ ناصر بن فيصل آل ثاني مديراً عاماً لها، أنها تدخل عقدها الثالث برؤية دبلوماسية تعزز النجاحات التي حققتها طيلة السنوات السابقة.

وجاء تعيين الشيخ ناصر بن فيصل مديراً عاماً جديداً للشبكة، الاثنين (1 سبتمبر 2025)، خلفاً لمصطفى سواق الذي تولى المنصب خلال السنوات الـ12 الماضية.

كما يأتي التغيير الإداري هذا في ظل توجه الشبكة لتحديث استراتيجيتها ومنظومتها لمواكبة التطورات في الصناعة الإعلامية والإخبارية، والحفاظ على ريادتها عربياً وعالمياً، بفضل تغطياتها الميدانية وبرامجها ووثائقياتها الحائزة على جوائز مرموقة.

وسبق للشيخ ناصر بن فيصل، الذي تخرج في جامعة قطر، أن عمل في عدة مؤسسات، منها "بروة العقارية" لـ 4 سنوات، قبل أن ينتقل إلى وزارة الخارجية القطرية عام 2013 ليتولى عدة مناصب بالوزارة حتى وصل إلى درجة سفير.

قناة الجزيرة

لا يمكن، اليوم، ذكر أبرز مشاهد دولة قطر دون قناة الجزيرة، فهذه الشبكة صدرت نفسها لتكون "درعاً تحتمي به الشعوب المستضعفة، وسلاحاً طالما أرعب أنظمة متسلطة"، كما يرى مراقبون.

فالقناة، التي أُسست في 1 نوفمبر 1996 في العاصمة الدوحة، سريعاً ما توسعت لتصبح شبكة إعلامية دولية.

كما اكتسبت اهتماماً عالمياً في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما كانت القناة الوحيدة التي تغطي الحرب في أفغانستان على الهواء مباشرة من مكتبها هناك.

وزاد اهتمام الشعوب العربية بـ"الجزيرة" لتغطيتها الغزو الأمريكي للعراق، وثورات الربيع العربي، وحرب غزة الأخيرة التي نتج عنها إغلاق سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمكتبها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كما أن "الجزيرة" هي الوسيلة الإعلامية التي قدمت أكبر عدد من الضحايا في المواقع الملتهبة، من العراق إلى سوريا وحتى غزة مؤخراً.

الكاتب والمحلل السياسي إياد الدليمي، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين"، لا يرى أن تولي الشيخ ناصر بن فيصل إدارة قناة الجزيرة لتغيير إدارة قوة القناة الإعلامية بعقلية السفراء، ويصف هذا التعبير بأنه "تبسيط للأمور"، مضيفاً:

- قطر تتمتع اليوم بالكفاءات الوطنية التي هي ثمرة سنوات طويلة من العمل، وباتت اليوم تتولى العديد من المواقع والمناصب في مختلف التخصصات.

- "الجزيرة" لم تكن في يوم من الأيام تخضع للتوجيهات، بقدر ما هي سياسة تحريرية رسمت لها منذ انطلاقتها منتصف التسعينيات.

- لا يُستبعد أن يحمل تغيير الإدارات طابعاً آخر يتعلق بتولي أبناء الدولة لمناصب قيادية فيها، كما حصل مع العديد من المؤسسات الأخرى سواء الحكومية أو غير الحكومية.

- اليوم هناك كفاءات قطرية قادرة على أن تدير المؤسسات العملاقة، ولديها الخبرة والتجربة التي تجعلها ناجحة، وهو ما حصل مع الجزيرة، فالأمر لا يتعلق بتغيير في التوجهات بقدر ما هو قطف لثمار سنوات طويلة من البناء والتنمية البشرية.

دبلوماسية فاعلة 

من جانب آخر، وفي الطرف السياسي والدبلوماسي الذي برز فيه القائد الجديد لقناة "الجزيرة"، سجلت الدوحة حضوراً لافتاً في القضايا الإقليمية والدولية، مؤكدة فاعليتها في جانب القوة الناعمة وامتلاكها قدرة في التعاطي مع الأحداث المختلفة.

وكانت النجاحات التي حققتها الدوحة في الوساطات الإقليمية والدولية كشفت عن توافر إمكانيات كبيرة في جعبة الدبلوماسية القطرية، خاصة أن محطات الوساطة لم تكن سهلة، وتحمل تحديات كبيرة أمام دولة صغيرة المساحة، لكنها أثبتت امتلاكها حجماً كبيراً في المجال الدبلوماسي.

كما يبرز دور قطر في عدة محطات شملت إطلاق سراح محتجزين، وتوقيع اتفاقات سلام، وتخفيف التوترات، وفتح قنوات تفاوض مغلقة، في مناطق تمتد من الشرق الأوسط إلى القوقاز، ومن أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية، ومن آسيا إلى أمريكا الشمالية.

من هذه البيئة الدبلوماسية النشطة جاء المدير الجديد لـ"الجزيرة"، حاملاً في حقيبته من الخطط ما يساهم في تثبيت قوتها التي بنتها على مدار السنوات السابقة لتصبح رقماً صعباً في الإعلام الإقليمي والدولي.

ووفق ما تفيد الشبكة عبر موقعها الإلكتروني، يقود الشيخ ناصر بن فيصل بن خليفة آل ثاني، جهود تطوير الشبكة وتعزيز ريادتها في المشهدين الإقليمي والدولي. 

كما تركز رؤيته على "إرساء منظومة إعلامية متجددة تجمع بين المهنية الراسخة، والاستقلالية التحريرية، والابتكار التقني"، إذ يمتلك خبرة واسعة في العمل المؤسسي وإدارة المشاريع الاستراتيجية، وتولى خلال مسيرته المهنية مناصب قيادية في مجالات التطوير، وبناء الشراكات العابرة للحدود، ما أهّله لقيادة تحولات نوعية داخل المؤسسات التي عمل بها. 

ويركز الشيخ ناصر على "تعزيز الابتكار الإعلامي وترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة، إلى جانب قيادته لمبادرات استراتيجية كان لها أثر ملموس في رفع كفاءة الأداء وتعزيز الحضور المؤسسي محلياً ودولياً". 

وفي إدارته لشبكة الجزيرة الإعلامية "يولي الشيخ ناصر أهمية لدفع عجلة التحول الإعلامي ومواكبة التغيرات المتسارعة التي يشهدها هذا المجال".

كما يسعى في هذا الإطار إلى "الحفاظ على إرث الجزيرة كمؤسسة إعلامية رائدة تُعلي من قيمة الحقيقة وتُكرّس مفاهيم المهنية والاستقلالية والابتكار في عالم الإعلام".

وفي هذا الصدد يرى إياد الدليمي أن "المدير العام الجديد لشبكة الجزيرة سيترك بلا شك بصمته، ليس فقط لكونه سفيراً وعمل في وزارة الخارجية، وإنما لكونه أيضاً خريج مدرسة البناء الطويل والمتوازن التي تعتمدها قطر في إعداد الكفاءات".

وفي إطار حديثه عن قائد الجزيرة الجديد، يشير الدليمي إلى أنه "جاء من خلفية دبلوماسية لكنه أيضاً يحمل تراكماً لسنوات من الخبرة في الإدارة"، لكنه أضاف أن:

- الإدارة بحد ذاتها هي عمل دبلوماسي، فكيف بمن يجمع بينها وبين الدبلوماسية؟ لهذا بالتأكيد سينعكس ذلك على الشاشة في "الجزيرة" بجميع تفرعاتها.

- كما أن ذلك يمثل انعكاساً سيمنح القناة بُعداً آخر يتمثل في تدعيم الجهود الدبلوماسية، التي تقودها دولة قطر في العديد من الملفات، دون أن يؤثر ذلك على السياسة التحريرية لـ"الجزيرة"، التي أصبحت اليوم "علامة مُسجلة" إن صح التعبير.

ويختم الدليمي حديثه موضحاً: "هذا التغيير، وإن حاول البعض أن يقرأه من زوايا عدة، يعكس رؤية قطرية راسخة تتناسب مع الرؤية الوطنية 2030 بالتركيز على التنمية البشرية، وتمكين القيادات القطرية من تولي مناصب الإدارة في مختلف القطاعات".