أحمد بن سالم الفلاحي - عمان اليوم-
لا تزال القيم الدينية محور الاهتمام لدى أبناء المجتمع، ويعول عليها كثيرا في الحفاظ على تماسك المجتمع، والمحافظة عليه من التغريب، والترهل، وفي هذا الأمر أهمية كبيرة من شأنها الحفاظ على قيم المجتمع بشكل عام، سواء دينية، أو اجتماعية، بما يفضي إلى المحافظة بشكل عام على جميع الأنشطة والسلوكيات لدى أفراد المجتمع، ولما لذلك من أهمية اكبر في الحفاظ على هويته وعاداته وتقاليده التي لا تتصادم مع روح العصر، ولا تعزله عن أنشطته اليومية، وما يؤكد هذه النظرة، أو هذا التقييم هو ما أشارت إليه النشرة الإحصائية التي أصدرها المركز الوطني للإحصاء عبر استطلاع نشر الكثير من تفاصيله عبر الإصدار الشهري التاسع «رواق الفكر»، الذي يصدره مركز الدراسات بمؤسسة عمان للصحافة والنشر والإعلان الذي أكد من خلال هذا النشر على أن «(97.5%) من الشباب يعتبرون القيم الدينية مهمة جدا في المحافظة على تماسك الأسرة».
يعول اليوم أكثر من أي وقت مضى على محاضن التربية: الأسرة، المدرسة، المسجد، في أهمية غرس القيم النبيلة بشكل عام، وغرس القيم الدينية بشكل خاص، لما لهذه القيم في مجموعها من تنقية الشوائب التي تعلق بالأفراد مع كل فترة زمنية انعكاسا لعمليات التأثير والتأثر التي يتعرض لها الأبناء، وهم في هذا العمر الطري الذي بدوره يتشكل من معطيات كثيرة تأتي في مقدمتها عمليات التأثير من خلال رسائل كثيرة موجهة، وغير موجهة، ومصادرها كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومجابهتها ليس بالأمر الهين، في ظل تسارع ونمو الثورة الاتصالية المتعددة الأوجه والمسالك، مما يوجد تحديات كثيرة على ولي الأمر، خاصة إذا لم تتواز محاضن التربية ولم تتفق على رسائلها الأفقية على أقل تقدير، في تبني برامج وحلقات عمل من شأنها أن تخفف من وقع الصدمة من هذا الآتي بعنفوانه، وقوته، وتأثيره المباشر.
يعي الجميع أن المهمة ليست سهلة على ولي الأمر في ظل تنازع الوقت ما بين الوظيفة، والنشاط الاجتماعي المتعدد الأوجه، وما بين السيل الجارف الآتي من هنا وهناك، والضاغط بقوة التأثير على هذه العقول الصغيرة الناشئة التي تتلمس خطواتها الأولى نحو ميدان المجتمع الذي يعج بالكثير من الجيد والرديء في مساحة غير محدودة، وعبر سماوات مفتوحة بفضاءاتها اللانهائية، تعززها في ذلك كما ذكرت ثورة اتصالية تنمو نموا متسارعا كل يوم حتى لا يكاد أحدنا يمسك بشيء يسير منها إلا وتكون قد سبقته بمسافات بعيدة، حيث يصعب اللحاق بها إلى درجة كبيرة.
لذلك تظل القيم الدينية هي الأقرب في الأخذ بها لممارستها اليومية، وتوغلها واستيعابها أكثر من غيرها من ناحية، وهي الأسهل لاستجلابها حيث مصادرها المتعددة من ناحية أخرى، فوق هذا كله فالمجتمع العماني لا يزال محافظا على درجة كبيرة على قيمه الدينية، حيث لم يتعرض إلى عوامل تغريبية مباشرة، بفضل مقاومته المتينة لعوامل التغريب التي يتعرض لها، ولأن لديه مخزونا قيميًّا عميقا يؤمن به أفراده، فلا تزال عوامل التأثير والتأثر تواجه بمقاومة رشيدة توازن بين متطلبات العصر مع المحافظة على هذا القيم التي تتجذر من خلالها هويته، وانتماءاتها الجغرافية والاجتماعية، مما جعله يدخل إلى قلوب من يتعامل معهم في أي موقع كان، وهذا بشهادة الآخر، الذي تجمعه به ظروف مختلفة، ولا نقول هذا مجانبة للواقع أو للحقيقة، فالكل يعلم ذلك بلا مواربة.
اليوم كما كان بالأمس من النادر جدا أن لا تجد مخططا سكنيا حديثا ليس به مسجد، ومدرسة لتعليم القرآن الكريم، وثالثهما مجلس عام، وهذه الثلاثة المتعاضدة هي من تؤسس هذه القيم الرائدة، وتحافظ عليها بصورة ليست موجهة، وإنما بمعالجة فطرية رائعة تتسلل إلى النفوس فتأخذ مكانها بلا تكلف.