عمان اليوم-
حيثما يكون الكتاب تكون الثقافة ويكون الفكر وتكون المعرفة.. هي مفردات لا تفارق الكتاب أبدا، بل هي اشتقاقات منه لا يمكن تجاهلها.
منذ الأربعاء الماضي حتى الأحد كنت في معرض الشارقة الدولي للكتاب، ولم يحضر الكتاب وحده في معرض يعد من بين أكبر المعارض العربية بل حضرت معه الكثير من المفردات الثقافية والفكرية والمعرفية عبر حوارات ونقاشات وفعاليات كانت تدور في قاعات المعرض أو في أجنحة بيع الكتاب أو بين الردهات. كان المعرض ودون مبالغة تظاهرة ثقافية بامتياز. الحوارات التي تطرح وتدور في أروقة المعرض تكشف عن الوضع العربي المتشظي والمنحدر إلى أسفل مساحات الحضارة الإنسانية.
ورغم الكثير من التفاؤل إلا أن مقداره لا يعطي الكثير من الطمأنينة. وسؤال السبب وراء كل ذلك رغم كل هذه العناوين وهذه الكتب وهذه الفعاليات وهذا الإقبال الكبير على الكتاب وبالتالي القراءة لا يجد إجابة شافية.
ماذا نقرأ وبأي وعي
في ردة من ردهات المعرض كان الكتاب سليمان المعمري يقول: في معارض الكتب المختلفة نشاهد آلاف القراء يبحثون عن الكتب ويشترونها .. ولو أن هذه المعارض لا تكسب من بيع الكتاب لما تكررت بصفة دورية منتظمة كل عام . ومن هنا يكمن الاندهاش بالفعل. اذا كان العربي مقبلاً على الكتاب لهذه الدرجة فلِمَ لا ينعكس هذه على ثقافته سلوكاً وحضارة وتنويرا. ولماذا نجد العرب اليوم مجرد مستهلكين للحضارة غير منتجين لها ، وأنهم مجرد عالة على العلوم والتكنولوجيا المختلفة، والأهم من ذلك لماذا تسود فيهم ثقافة الخرافة والجهل والقمع والتطرف وغيرها من آفات مجتمعنا العربي اليوم . الجواب في نظري أن مجرد حصولك على الكتاب لا يعني أنك صرتَ مثقفا، وأن قراءتك له لا تعني بالضرورة استيعابك لمراميه . هذا طبعاً عندما نحسن الظن ونعتبر الذين يشترون الكتاب بغرض القراءة وليس بغرض رصه في رفوف المكتبات المزينة بمئات الكتب التي لم ولن تقرأ .. هذه نقطة .. أما النقطة الأخرى فهي أن علينا أن نسأل أنفسنا ما هي نوعية الكتب الرائجة لدى القارئ العربي بوجه عام ؟ .. هل هي مثلا الكتب العلمية أو الفكرية أو الفلسفية أو تلك الكتب المحرضة على التفكير واعمال العقل لكي لا يصدأ ؟ .. أم أنها الكتب المتعلقة بالطبخ والموضة وأخبار داعش وأسامة بن لادن وكيف تجذب المال والصحة بضرب جبهتك بباطن يدك !! .. قديماً قيل «قل ماذا تقرأ أقل لك من أنت» وأظن هذه المقولة هي التي تلخص واقعنا العربي اليوم.
وهذا رأي يتفق عليه الكثيرون ممن تحدثنا معهم حول هذا السؤال. وفي مقابل ذلك هناك حضور كبير للفعاليات الثقافية التي تتحدث عن الكثير من التحديات التي تواجه مشروع النهضة العربية.. الكتاب، السينما، الرواية، سؤال الشعر، سؤال النهضة. وليس من السهل على متابع أن يسجل حضورا في كل الفعاليات المطروحة في مدة زمنية قصيرة ولكن بحضور كثيف للفعاليات.
هل تتسيد الرواية المشهد
ومن بين الأسئلة التي طرح في فعاليات معرض الشارقة سؤال الرواية ولماذا تتسيد اليوم كل الأجناس العربية حتى الشعر، الشعر الذي كان ذاكرة العرب وسجل مفاخرهم.
طرح السؤال في ندوة حملت عنوان «الرواية سيدة الأجناس الأدبية»، وشارك فيها الدكتور سعيد البازعي، والدكتور الرشيد أبو شعير، والروائية ثريا خان، وأدارها عبد الفتاح صبري.
وبدا أن البحث كان حول سؤال واحد هو هل الرواية تصدرت بالفعل جملة الفنون الادبية أم لا.
البداية كانت مع الجزائري الدكتور الرشيد بو شعير الذي تطرق في حديثه إلى طبيعة المعايير التي يعتمد عليها في تحديد إذا كانت الرواية بالفعل سيدة الأجناس الأدبية، حيث قال: «بلا شك أن الرواية تتقدم، وقد يلعب الناشرون دوراً في ذلك، ولكن ما هي المعايير المعتمدة في ذلك، فإذا كان معيار الذوق، فنستطيع القول أن الأنواع الأدبية مثل الفاكهة متنوعة في طعهمها وشكلها، وإذا كان معيار الانتشار فهو ليس دقيقاً بسبب قدرة بعض الأعمال على تحقيق ذلك رغم إنها قد تكون فارغة، ولكن في هذا الصدد يمكن أن نتبنى معايير أخرى مثل عدد الشعراء الذين تحولوا إلى كتابة الرواية، وعدد الذين حصلوا على جائزة نوبل للآداب ومعظمهم من كتاب الرواية، وكذلك معيار النقد، حيث تحول الكثير من نقاد الشعر إلى نقد الرواية».
وفي استعراضه للتاريخ، أشار د. أبو شعير الى أن الشعر كان قديماً المتصدر، وهو الذي يعبر عن طفولة العقل الإنساني، حتى في الثقافة العربية، نجد إنه سبق النثر، وقال: «في القرن السابع عشر نجد أن المعادلة قد تغيرت، فكانت الصدارة للمسرح، وهو دليل على تطور العقل البشري ونضوجه، إلى جانب بروز أعلام المسرح في العالم أمثال شكسبير، بينما برزت الرواية في القرن التاسع عشر، كما نجد أن العقود الأولى من القرن العشرين قد تطورت كثيراً خاصة في روسيا وفرنسا». وأكد د. أبو شعير أن الرواية مركبة من فنون أدبية عدة، ولديها القدرة على استيعاب العديد من الفنون الأدبية مثل الشعر والنثر والمسرح وحتى الملحمة. وقال: «الرواية قادرة على الانفتاح على العلوم الأخرى مثل الفلسفة وعلم الاجتماع، وهي أقدر على تمثيل الواقع المعاش على اختلاف الثقافات، فضلاً عن قدرتها على التطور الدائم، ولعل ذلك هو ما حال دون وجود تعريف واضح ومتفق عليه حول الرواية».
من جهته، أشار د. سعيد البازعي إلى أن جولة واحدة في ثنايا معرض الشارقة الدولي للكتاب، كفيلة بأن تثبت أن الرواية هي المتصدرة لقائمة الفنون الأدبية، وقال: «رغم ذلك لا يمكن أن نجزم أن انتشار نوع معين من الفنون الأدبية أنه «السيد»، وذلك يبقى محصوراً في عملية التذوق، فمثلاً الشعر يعد من أكثر الأنواع الأدبية قرباً من النفس البشرية، لدرجة يكاد يكون فيها شخصياً، ومعظم الكتاب يبدأون به، بينما الرواية تختلف في ذلك، فهي بمثابة الكتابة للآخرين وعن الآخرين». وأضاف: «اعتقد ان الإجابة على هذا السؤال سيظل مرهوناً باختلاف المنطقة التي نتحدث عنها، حيث تتلون الأجناس الأدبية باختلاف الثقافات». وللتأكيد على قوله، فقد استحضر د. البازعي في مداخلته، آراء اثنين من أشهر نقاد العالم، وهما التشيكي ميلان كنديرة، والتركي أورهان بومادك.
د. البازعي أشار في حديثه إلى أن مهمة الشعر في الدرجة الأولى هي جعل المألوف مدهشاً، بينما الرواية تختلف في ذلك، طارحاً في هذا السياق سؤالاً حول ما تعنيه الرواية للمجتمع والكاتب، وقال: «في المجتمعات الغربية وحتى تلك التي تعيش حالة عدم استقرار، فالرواية تبقى مهمة جداً، حيث يعتبرها الكثير بمثابة منفذ لكسر التابوهات، ولذلك نجد أن الناس يقبلون عليها أكثر مقارنة مع الأجناس الأدبية الأخرى».
إنها أكثر انفتاحا
واختتمت الندوة بمشاركة من الروائية الباكستانية ثريا خان، وقالت: «أجد الرواية أكثر انفتاحاً مقارنة مع الفنون الأخرى، كما انها قادرة على استيعاب كافة الفنون، ففيها الشعر والمسرح والقصة القصيرة، فضلاً عن ذلك لديها القدرة على استيعاب كافة الأصوات ويمكن من خلالها استعراض ما نشاء من أفكار». وتابعت: «بالنسبة لي كروائية أهتم كثيراً بطريقة عيشنا كأفراد في هذا العالم وكيف يعيش هذا العالم فينا، وبطبيعة البنى المجتمعية فهي التي تفتح امامي الأفاق للانطلاق في سرد الأحداث سواء كانت تاريخية أو سياسية أو حتى ادبية».
ورغم أنك لا تخرج بإجابة من كل الحوار لكنك تشعر فعلا أن الزمان زمان رواية وأن الشعر يذهب يوما بعد يوم إلى مخاطبة النخب العالية وليس مخاطبة الجمهور.
السينما من الإزدهار إلى النكوص
وفي مساحة حوارية أخرى ناقش سينمائيون موضوع السينما وطرحوا في ندوة حملت عنوان «السينما العربية بين الازدهار والنكوص» الكثير من الأسئلة خاصة ما تواجهه السينما العربية من تحديات حالية، بمشاركة كل من المخرجة نجوم الغانم، والمخرج حمد صغران والدكتورة أمل العبدولي.
المخرجة والأديبة نجوم الغانم حاولت في مداخلتها أن تبين طبيعة وضع السينما العربية على الخريطة العالمية، من خلال مجموعة من الاحصائيات، التي تبين الدول الأكثر انتاجاً على مستوى العالم، وكذلك قائمة أعلى 10 دول تحقيقاً لعوائد السينما، حيث خلت المنطقة العربية من كلاهما.
نجوم الغانم أوضحت أن السينما حققت لها مكانة في الثقافة العربية، إلا أن الكثيرون ظلوا يربطون بين السينما والفيلم الطويل، وذلك كونه قادر على الوصول إلى دور العرض، وتحقيق الإيرادات على شباك التذاكر ويبين قدرات المخرج، كما يبين الحدود التي وصلت إليها صناعة السينما. وأشارت الغانم إلى أن بدايات السينما في أوروبا والمنطقة العربية تعود إلى القرن التاسع عشر، وأن الدول العربية التي وقعت تحت الاستعمار كانت الأكثر استفادة مما حققه الأجانب في عالم السينما، مؤكدة أن التطور الكبير الذي شهده العالم، لم ينسحب على المنطقة العربية التي تحركت عجلتها ببطء، مسلطة الضوء على العصر الذهبي الذي عاشته السينما العربية في فترة الخمسينيات وما بعدها، وبينت أن وجود الأنظمة الرقابية أثرت على تطور السينما العربية، ودعت إلى ضرورة إعادة إحياء الانتاج العربي المشترك في السينما.
من جهته، ركز حمد صغران، في حديثه على أسباب نكوص السينما العربية وحاول تلخيصها في 3 نقاط، أولها النصوص التي قال إنها تواجه رقابتان واحدة رسمية والأخرى داخليه، وتغلغل الرقابة الداخلية في المنطقة العربية أدى في بعض الأحيان إلى قيام السيناريست بالغاء نصه تماماً، أما النقطة الثانية فكانت حول المتلقي وعلاقته بالمنتج، وفي ذلك قال صغران، إن انشغال المتلقي العربي بهمومه اليومية والبحث عن لقمة العيش جعلت المنتج يظن أنه ساذج وأنه لا يحتاج إلى أفلام عالية المستوى، وبالتالي فهو يقبل بأي شيء، ما أدى إلى قيامه بتقديم أي شيء له، متناسياً أن ارتفاع مستوى المتلقي العربي الثقافي قاده إلى عقد مقارنة بين المنتج السينمائي العربي والمنتج العالمي. كما أشار صغران في حديثه إلى الجانب التقني وقال: «بالتأكيد أنه لا يمكن مقارنة انفسنا مع الدول الغربية في هذا المجال، فقد شهدت حلال السنوات الماضية تطوراً كبيراً في هذا الجانب، ساعده في تقديم صورة جميلة وجيدة في السينما». مشيراً إلى أن هذا الجانب فقد في السينما العربية، ودعا صغران إلى ضرورة الاهتمام بانشاء المعاهد المتخصصة في التدريب السينمائي خاصة في مجالات التصوير والمونتاج، وضرورة فتح نوافذ جديدة في الانتاج السينمائي بحيث نستطيع اعادة السينما العربية الى عصرها الذهبي.
أما الدكتورة أمل العبدولي، فقد ركزت في حديثها على الدور الذي تلعبه السينما في تعميق الفكر في المجتمع، وأثارت خلال حديثها مجموعة من الأسئلة حول مدى قدرة السينما على استغلال عائداتها في تعميق الفكر المجتمعي، وذكرت أن السينما الغربية ابتعدت في الكثير من أفلامها عن هذا الجانب، واقترابها من الجانب التجاري بهدف تحقيق ايرادات عالية.
العالم ضد العالم
وفي سياق آخر قدم الكاتب والإعلامي المصري محاضرة في المعرض حملت عنوان «العالم ضد العالم».
وطرح المسلماني خلال الندوة قضايا سياسية ساخنة تناول فيها موضوع الاسلام السياسي ورسمه لخريطة حركاته وتنظيماته في العالم، والتي باتت تهدد الإسلام الحضاري في العالم.
الندوة شكلت فرصة للجمهور لسبر أغوار فكر د. المسلماني الذي صدر له أخيراً كتاب «الجهاد ضد الجهاد»، ويتناول فيه الصراع الإسلامي ـ الإسلامي، وكيف أصبح هناك عشرات الجماعات الإسلامية، وكيف استطاع الإسلام السياسي إلغاء الحضارة الإسلامية، وإدخال الأمة الإسلامية في نفق الجماعات التي لا جدوى منها.
خلال حديثه في الندوة، بين د. المسلماني كيف أصبح الإسلام السياسي عبئاً على الإسلام والمسلمين. وقال: «النقطة الأولى تكمن في طبيعة المعادلة التي يستخدمها الإسلام السياسي، والتي تتألف من شقين، الاول هو الإسلام ضد الإسلام والهادف إلى إثارة حرب أهلية بين المسلمين أنفسهم، والثاني يكمن في الإسلام ضد العالم والهادف إلى إثارة حرب عالمية بين المسلمين وبقية سكان العالم، فلا يبقى على إثرها للمسلمين حضارة من خلال 5 تواريخ تنتهي جميعها بالرقم 8 والتي أطلق عليها مصطلح «5 ثمانيات».
إسلامان
وحاول د. المسلماني أن يوضح طبيعة الصراع داخل الاسلام، حيث بدأها من عام 1928 الذي شهد تأسيس جماعة الاخوان المسلمين، وقال: «بعد نشوء جماعة الإخوان المسلمين أصبح لدينا في العالم الاسلامي، ما يسمى بالإخوان المسلمين والمسلمون غير الإخوان، وكان ذلك بمثابة شق طولي كبير في المجتمع الاسلامي، في حين شهد عام 1948 نشأة اسرائيل التي لا تزال تهدد العروبة والاسلام وعملت على استنزاف الأمة العربية في حروب طويلة بعضها كان ساخناً وأغلبها باردة، أما عام 1978 فقد كان بداية الثورة الإيرانية التي شقت الإسلام من جديد بين سنة وشيعة، وخلقت الأصولية الشيعية المتطرفة، ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش حرباً بين الشيعة والسنة. وفي 1998 أعلن عن تأسيس تنظيم القاعدة والذي شق المجتمع السني بخلقه جماعات متعددة».
وواصل: «شهد عام 2008 خطاب الرئيس الأميركي باراك اوباما في جامعة القاهرة، آنذاك كنا نتوقع أن يكون أوباما صديقا حقيقيا للعالم العربي، على غرار الرئيس الأسبق جون كنيدي الذي كان لديه رسالة انسانية واخلاقية في العالم، ولكن المفاجأة أن أوباما لم يكن كذلك، لنشهد بعد ذلك مفاجأت عدة في المنطقة تبلورت في بروز تنظيمات «داعشية» مختلفة».
حديث د. المسلماني في الندوة لم يقتصر على الصراع الإسلامي ـ الإسلامي، وإنما تطرق أيضاً إلى صراعه ضد العالم، وبين أن الدين الإسلامي يعد الثاني في العالم بعد المسيحية، حيث يبلغ عدد المسلمين في العالم 1.6 مليار نسمه، منوهاً إلى أن الاحصائيات تشير إلى وجود مليار ملحد في العالم، يحلون في المركز الثالث، وقال: «عدم توجه المتشددين الإسلاميين نحو المليار ملحد، والعمل على هدايتهم، بين عدم إخلاصهم للدين الحنيف، برفعهم شعار «إعادة فتح العالم من جديد».
قوة الإسلام في عدد معتنقيه
وأشار المسلماني إلى أن قوة الإسلام لا تكمن في عدد معتنقيه فقط وإنما بتواجده في 3 قوى كبرى في العالم، على رأسها روسيا الاتحادية التي يتواجد فيها ما بين 20-25 مليون مسلم، والمشكلة تكمن بوجود 5000 عنصر روسي في تنظيم «داعش» ما يشير الى احتمالية وقوع صدام بين الإسلام وروسيا الاتحادية، أما القوة الثانية فهي الصين التي يتواجد فيها 100 مليون مسلم، ونتوقع أن يظهر لنا مستقبلاً «طالبان الصين»، حيث يوجد هناك 500 من مسلمي الصين يعملون حالياً في أفغانستان ويريدون العودة لوطنهم لطرح الفكرة الجهادية ضد الفكر الكونفوشيوسي، وبتشكل هذا التنظيم سنشهد صراعاً اسلامياً كونفوشيوسياً. في حين أن القوة الثالثة هي الهند التي يتواجد فيها الإسلام بقوة، وهناك مخططات لإشعال الصراع الإسلامي الهندوسي.
في قراءته لخريطة لحركات الاسلام السياسي والتي وصفها بـ «الرديئة»، ذكر د. المسلماني تركيا وماليزيا كنماذج بارزة وملهمة في العالم الاسلامي، من حيث اعتمادهما على الإسلام الحضاري الذي أخذت حركات الإسلام السياسى تهدده، وبحسب د. المسلماني، فقد كان العصر الذهبي لماليزيا إبان فترة حكم مهاتير محمد الذي كان معادياً لحركات الاسلام السياسي. وقال: «ما تشهده ماليزيا حالياً من تشدد في جماعات الاسلام السياسي يسبب ارباكاً لهذا النموذج». الأمر ذاته ينسحب على تركيا، التي قال فيها: «عندما جاء الرئيس رجب طيب أوردوعان كان مبشراً في البدايات، وكان صديقاً لعواصم عربية واسلامية، إلا أن تغلب الايديولوجيا على السياسة بات ينذر بإفلات تركيا من بين أيدي المسلمين نتيجة لسياسات غير صائبة».
وتطرق د. المسلماني، إلى تجربتي اندونيسيا ونيجيريا وهما الأكبر في أسيا وإفريقيا من حيث عدد المسلمين. وقال: «في أندونيسيا وجدنا أن معارك الإسلام السياسي لا تزال تحاول إنهاك اندونيسيا رغم استقلال إقليم «اتشيه»، في حين وجدت في نيجيريا جماعة بوكو حرام، والتي تهلك كل شيء ليس في نيجيريا وإنما في كل افريقيا، لتصبح مهمة هذه الجماعة هي أن يكره الأفارقة الإسلام كدين، والمسلمون كبشر، وبعد أن كان الإسلام يدخل البلدان باستخدام القوة الناعمة، أصبح يخرج منها بالدماء بسبب ما تقوم به جماعة بوكو حرام».
المسلماني دعا أيضا إلى ضرورة أن يحل الإسلام الحضاري فكراً وسلوكاً واخلاقاً مكان الإسلام السياسي للخروج من دائرة الصراع الإسلامي ـ الإسلامي. وقال: «لقد ثبت أن جماعات الإسلام السياسي عدوة للإسلام والمسلمين، ويمكن للاسلام الحضاري ان يحل الأمر «.
وفي حديثه عن «العالم ضد العالم». قال: «بحر الصين الجنوبي يشهد حالياً حرباً تجاوزت الحرب الباردة إلى أجواء حرب ساخنة، مبيناً من خلال ذلك أسباب ظهور تنظيم داعش. وقال: «الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن تمكن من اسقاط الاتحاد السوفيتي عبر خفض سعر النفط، ليصل سعر البرميل إلى 10 دولارات، ما أدى لإنهاك الاقتصاد السوفيتي، كما لم يفوت الرئيس ريغن ورقة المجاهدين الأفغان، واستغل وفائهم لقضيتهم لإسقاط الاتحاد السوفيتي وهو ما حدث بالفعل».
وأشار إلى أن السيناريو ذاته يتكرر حالياً، وقال: «الإدارة الأميركية عملت على خفض سعر النفظ للثلث تقريباً، ما أحدث أزمة اقتصادية عنيفة في روسيا الاتحادية، في الوقت ذاته يتم استغلال ورقة تنظيم داعش الذي يضم نحو 5000 عنصر روسي ضد روسيا الاتحادية، وبتقديري ان العالم العربي ليس هوالمستهدف، وإنما هو ممر نحو روسيا التي تعد فيها الحدث». وتابع: «بالتوازي مع ذلك، نشهد حالياً أزمة اقتصادية عالمية نتيجة لخفض أسعار النفط، والذي أدى إلى حدوث ركود اقتصادي طويل في اليابان، وتباطؤ اقتصادي بالصين وأزمة اقتصادية في جنوب اوروبا عصفت، وكل ذلك يأتي في ظل وجود أزمات شبه عسكرية في بحر الصين، وبروز تنظيم داعش، ليتوافق مع وجود استقطاب ايديولوجي حاد، ويوجد بين ذلك كله حركات الإسلام السياسي.