إيمان شمس الدين- مرآة البحرين- لا يمكننا إغفال حقيقة تدويل ملف القضية البحرينية وربطها بتسويات إقليمية وهو ما يحول من وضع استراتيجيات عمل للمعارضة لها فاعلية التغيير، كون فاعلية التغيير ضمن هذه المعطيات مكبلة، لكن هذا لا يعني الاستسلام وعدم وضع تكتيكات خاصة تضمن حيوية الثورة وتحفظ جمهورها من الفتك.
فما يواجه الثورة في البحرين اليوم خطير على مستوى فاعلية الثورة وعلى مستوى مقوماتها الراهنة والمستقبلية كون المستهدف هنا رموزها ومدادها الاقتصادي ووقودها المستقبلي من الشباب.
فالنظام على مدى ٤ سنوات من عمر الثورة قام بعمل ممنهج في تدمير الثورة وسلب مقوماتها من خلال مجموعة من التكتيكات الأمنية والاقتصادية، فحاصرت التجار من الشيعة حصارا تعسفيا من خلال تضييق مساحات تحركاتهم الاقتصادية في حال تدخلهم في السياسة أو دعمهم بأي شكل من الأشكال للحراك، وكلنا يذكر عندما عبّر أحد رجال الأعمال الشيعة، فيصل جواد، عن تعاطفه مع متظاهري المعارضة في العام 2011، تعرضت متاجره إلى هجمات انتقامية؛ ولمرّة على الأقل، تعرضت إحدى المحلّات التّجارية التي يملكها إلى النهب من قبل الشرطة (في حادثة سجّلتها كاميرات المراقبة).
وهو ما يضمن تجفيف أي مصدر داخلي لدعم الحراك المطلبي، فالدول الرعوية تمسك بكافة المفاتيح ومنها الاقتصادية مما يمكنها من التحكم بالولاءات بما يتناسب وتوجهاتها السياسية، والاقتصاد مفتاح محوري في هذه اللعبة السياسية.
والملاحظ أن الاعتقالات طالت أغلبها الذكور خاصة في الفئات العمرية ذات الطاقة الإنتاجية العالية وغالبا ما تعتمد عليهم أسرهم في البعد الاقتصادي كمعيلين لها، وهذا عرض أسر كثيرة للتفكك أو باتوا عرضة للانحراف تحت وطأة الفقر أو التعرض للجوع والموت مع عدم وجود المعيل.
وقامت الدولة ضمن قبضتها الأمنية التعسفية ردا على الحراك المطلبي وتطبيقا لخطتها الممنهجة في محاصرة الثورة وأفرادها بسحب تراخيص كثير من الجمعيات الخيرية التي كانت تعتني بالعوائل الفقيرة كحالة تكافلية اجتماعية، وهو ما زاد من حصار العوائل الفقيرة وسد منافذ المساعدة خارج إطار الدولة.
فالتضييق الاقتصادي شكل وسيلة ضغط بيد السلطة على الحراك المطلبي وأفراده مضافا إلى القبضة الأمنية الشرسة في مواجهة الحراك السلمي.
فمنذ اندلاع الثورة في البحرين تبنت دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية دعم الاقتصاد البحريني لحفظه من الانهيار ودعم قدرة الأسرة الحاكمة لمواجهة الحراك السياسي، وهو ما رهن قرارات الدولة السياسية وأي محاولات اصلاح سياسي لقرارات الجوار.
ولم تقتصر محاولات القمع الاقتصادي على الوسائل المباشرة بل تعدت إلى قطع الطريق لبناء أي مستقبل منتج فقامت بعملية تجهيل ممنهجة سلبت من خلالها مقومات العمل المحترم الذي يشكل موردا ماليا للأسر، وخاصة في جسد الحراك المطلبي فقد ثبت أن تعسف الدولة في مجال التعليم قائما على أساس مذهبي.
فالدولة عمدت إلى منع ممنهج للبحرينيين وعلى أساس مذهبي من قبولهم في الجامعات الداخلية ومنعهم من البعثات الخارجية رغم استيفائهم للشروط، وهو ما يعتبر وسيلة تجهيل وإفقار ومن ثم هدم لمقومات الثورة ومحاولة للتفكيك بينها وبين الجمهور، كون التعليم أحد أهم وسائل الإنتاج والتنمية على مستوى الدولة والمجتمع والفرد.
فمنع الجيل الشاب من امتلاك مقومات الانتاج والعطاء بسبب انتمائه المذهبي، هي أداة قمعية أخرى للحراك وتجريدا له من كل مقوماته، علما أن أغلب مكونات الحراك المطلبي تنتمي للمذهب الشيعي كونها الأكثر حرمانا تاريخيا من حقوقها وفق تقارير دولية.
هذا فضلا عن عملية الفصل الممنهجة من وزارات الدولة والشركات الهامة لكل من ثبت مشاركته في الحراك المطلبي، وتضييق فرص التوظيف لنفس السبب.
إضافة لعملية التجنيس الكبرى لتغيير هوية البحرين الديموغرافية وفرض واقع راهن لا يتناسب مع تاريخ وحضارة البحرين ويدفع باتجاه تغيير هويتها وتقويض عاداتها وتقاليدها من خلال عملية دمج اجتماعي لمكونات لها ثقافتها وهويتها المختلفة بشكل كبير عن هوية مكونات المجتمع البحريني .
فالنظام استخدم أدوات محورية في التضييق على الحراك والثورة كالأمن والاقتصاد والتعليم والتوظيف والتجنيس وهي أهم مقومات ترسم مستقبل مكونات المجتمع وتحقق أمنه الذاتي بكل أشكاله.
وأمام هذا الواقع الذي يوضح تصاعد وتيرة عمل النظام في التضييق على الثوار ومحاولة تقويض مقوماتهم ودفعهم باتجاهات تفرض عليهم سقفا محددا سياسيا لا يتناسب وسقف مطالب الثورة والثوار، بات لزاما على الجبهة المعارضة تجديد أدواتها وتوسيع سبل مواجهتها لتعسف النظام واستغلال المتغيرات الإقليمية وخاصة في الجانب الاقتصادي لإيجاد بدائل تخفف من تضييقات النظام ومحاولات خنقه للحراك .
فاعتراف المنظمات الحقوقية بتعسف النظام البحريني وسلوكه المذهبي التمييزي اتجاه الحراك المطلبي وأبنائه تعتبر وثائق مهمة تشكل حجة قانونية وحقوقية في حال لجأت المعارضة لبدائل تواجه فيها تعسف النظام في المجال الاقتصادي والتعليمي بما يمنع قطع الطريق على الشباب الطامح للعلم وخدمة البحرين ، بإيجاد فرص بديلة اقتصاديا وتعليميا وإن خارج البحرين .
فالواقع الاقليمي الجديد بعد الاتفاق النووي الايراني فرض كثير من التساؤلات المصيرية سياسيا خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي طالب أنظمة الخليج بمزيد من الاصلاح السياسي وإعطاء الشيعة حقوقهم لتقليل فرص التدخل الإيراني الذي تدعيه هذه الأنظمة، فكيف يمكن للمعارضة البحرينية في الداخل والخارج من تجيير هذه المعطيات لصالح الثورة والحراك المطلبي وتخفيف محاولات هدم السلطة الممنهج للحراك وسحب مقوماته بل توجيه سقف المطالب بما يتناسب ومطالب الدول المجاورة التي تدعم النظام اقتصاديا وتفرض عليه أجندة سياسية محددة مخالفة لسقف المطالب السياسية للثورة.