سلمى حداد - الخليج أونلاين-
تسعى مملكة البحرين جاهدة لزيادة إيراداتها المالية؛ في ظل الأزمة الاقتصادية وعجز بالموازنة عانت منه منذ سنوات طويلة.
ومع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والتوقعات بزيادة الطلب خلال الأعوام المقبلة، باتت أنظار المنامة تتجه نحو اللحاق بركب الدول الخليجية والتحول لتصبح بلداً مصدراً للغاز ضمن خطة تستهدف تقليص الاستهلاك المحلي واستكشاف وسائل لتصدير الفائض إلى الأسواق الدولية المتعطشة للطاقة.
إنتاج يغطي الاحتياجات
وحالياً تملك البحرين إنتاج حقل واحد فقط يقدر بنحو 1.6 مليار قدم مكعبة يومياً، يتم استهلاكها محلياً بشكل كامل.
وقال وزير النفط والبيئة البحريني محمد بن مبارك بن دينة: إن "حقل البحرين يفي باحتياجات ومتطلبات المملكة من الغاز الطبيعي".
وأضاف بن دينة، رداً على استفسارات أمام مجلس الشورى البحريني، في 8 أبريل 2023: إن "حجم الغاز الطبيعي الذي تم إنتاجه خلال عام 2022 وعام 2023 حتى شهر فبراير نحو 1.6 و1.5 مليار مكعب يومياً على التوالي".
وتابع الوزير البحريني أن "متوسط حجم الغاز الطبيعي الذي يتم بيعه للعملاء في السوق المحلية، خلال عامي 2022 و2023 حتى شهر فبراير، قرابة 1.6 و 1.4 مليار قدم مكعب يومياً على التوالي".
وإضافة إلى خططها لخفض الاستهلاك من الغاز وتصدير الفائض، زادت المنامة من إيقاع إيقاظ مكامن موارد الغاز على سواحلها الإقليمية، في خطوة تدعم خططها للانضمام لنادي المصدرين.
مخزن جديد
وفي نوفمبر الماضي، أعلنت وكالة الأنباء البحرينية الرسمية اكتشاف مخزونين جديدين للغاز الطبيعي في كل من طبقات الجوبة والجوف الواقعين تحت مخزوني الخف والعنيزة المنتجين للغاز الطبيعي في البحرين.
وقال الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للنفط والغاز، إن هذا الاكتشاف يأتي بعد تنفيذ عمليات الحفر التقييمية والاختبارات في مكمن "الجوبة"، واستكمال بئرين في مكمن "الجوف"، والتي جاءت نتائجها مشجعة من حيث الكمية وفرص الإنتاج.
وأضاف: "لقد وفرت لنا هذه الاكتشافات والنتائج الإيجابية الأخيرة المعلومات القيمة اللازمة للمضي قدماً في إجراء مزيد من التقييمات المطلوبة للآبار بهدف الاستفادة من جميع إمكانات هذا المورد الواعد من الغاز الطبيعي".
خطط طموحة
وشجع هذا الاكتشاف البحرين على وضع خطط طموحة للالتحاق بنادي مصدري الغاز، حيث قال رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للنفط والغاز في المملكة: إن "البحرين تستهدف تقليص الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي ضمن خطة لتنقية اقتصادها من انبعاثات الكربون واستكشاف وسائل لتصدير الوقود إلى الأسواق الدولية".
وفي مقابلة مع رويترز، في 8 أبريل 2023، أضاف الشيخ ناصر بن حمد، وهو رئيس الشركة التي تمثل ذراع الاستثمار والتنمية في مجال الطاقة بالبحرين: إن "الدولة العربية الخليجية تعتزم بناء مزارع شمسية لتزويد منازلها وصناعاتها بالطاقة لتحل محل الغاز المستخدم الآن".
وتابع أن "هناك خططاً طموحة لإضافة الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة إلى الشبكة بالبحرين بدلاً من مجرد إهدار الغاز. وستقام بعض مزارع الطاقة الشمسية في السعودية والإمارات المجاورتين".
وإضافة إلى ذلك نفذت البحرين مشاريع تطويرية لزيادة إسهام القطاع في اقتصادها، ومن أبرزها مشروع مرفأ البحرين للغاز الطبيعي المسال.
وتشغيل المرفأ سيدعم أمن الطاقة، وتكون له انعكاسات كبيرة على مجمل النشاط الاقتصادي، إضافة إلى تحسين جاذبية مناخ الأعمال للمستثمرين الأجانب.
وطورت شركة البحرين للغاز المسال مرفأ استقبال الغاز المسال في ميناء "خليفة بن سلمان" في مدينة الحد البحرينية، وحصلت على وحدة التخزين العائمة بموجب امتياز تأجير مدته 20 عاماً.
والمرفأ مملوك بنسبة 30% للشركة القابضة للنفط والغاز، والنسبة المتبقية يسيطر عليها تحالف شركات يضم "نيكاي إل.جي"، و"سامسونغ"، ومؤسسة الخليج للاستثمار.
ويُعد المشروع استراتيجياً للبحرين لتأمين الطلب المتنامي للغاز، ومكملاً للغاز الطبيعي المُنتج محلياً.
وفي مارس 2023 كشف "آل خليفة" على هامش منتدى سيراويك للطاقة في هيوستون الأمريكية أن بلاده تدرس إقامة منشأة لتصدير الغاز الطبيعي المسال من أجل تلبية الطلب الدولي القوي.
كما اتخذت الحكومة البحرينية خطوة غير مسبوقة في المنطقة بالسماح بالملكية الأجنبية الكاملة لمشاريع النفط والغاز، عام 2019، ما سيعزز مشاريع الاستكشاف، ويسهم في تحسين الثقة بمناخ الأعمال في البلاد.
تعطش أوروبي للغاز
وتأتي كل هذه التطورات في وقت تبحث فيه أوروبا عن إمدادات جديدة من الطاقة بعد وقف إمدادات روسيا كلياً أو جزئياً.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في 18 فبراير 2023، إن الدول الأوروبية عملت على تنويع مصادر الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي.
وأضافت دير لاين، في تصريحات صحفية آنذاك: إن "دول الاتحاد الأوروبي نوعت مصادر الطاقة، وابتعدنا عن الغاز الروسي".
وخلال العام الماضي، أبرمت دول أوروبية العديد من الاتفاقيات مع دول خليجية، خاصة الإمارات وقطر وسلطنة عُمان؛ من أجل استيراد الغاز الطبيعي المسال.
ونشرت المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، في يناير الماضي، وثيقتين مهمتين؛ الأولى تتعلق بخطة "ريباور إي يو" لتقليل اعتماد الكتلة على الغاز الروسي، والثانية بشأن "شراكة استراتيجية مع الخليج" لتعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.
وتؤكد الوثيقتان أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التخلي نهائياً عن واردات الطاقة الروسية، وفي حالة تنفيذ هذا السيناريو فستكون له انعكاسات عميقة على خريطة الطاقة العالمية، ومن الممكن أن يخلق فرصاً وتحديات لدول الخليج.
عائد اقتصادي كبير
وفي قراءته للتحرك البحريني قال الخبير في أسواق الطاقة والنفط فراس السالم: إن "المنامة تعمل من أجل الانضمام لنادي مصدري الغاز بسبب الإمكانية الكبيرة لديها".
وأضاف السالم، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "الخطط البحرينية والخليجية عموماً لتطوير قطاع الغاز تأتي للمساهمة بتلبية الطلب العالمي المتزايد على مصادر الطاقة الأقل من ناحية الانبعاثات الكربونية".
وتابع: "العوائد الاقتصادية لمملكة البحرين كبيرة جداً على اقتصادها الوطني، فستولد تلك الاستثمارات قطاعاً خدمياً محلياً كبيراً".
كما أن هذه الاستثمارات بقطاع الغاز ستعزز من صادرات البحرين، وتخلق الآلاف من الوظائف للشباب القادم لسوق العمل بشكل مستدام، حسب السالم.
ورأى أن هذه الصناعة تساهم في جلب العملة الصعبة، مما يسهل على مملكة البحرين خدمة الدين السيادي الذي يعد الأعلى خليجياً، وتحسين تصنيفها المالي السيادي وموازنة المصروفات بشكل أكثر استدامة.
وذكر أن "الاقتصاد البحريني قد يشهد قفزات بالقيمة الإجمالية تتجاوز 20% خلال 4 سنوات من بدء عمليات التصدير للغاز والنفط الصخري الذي تم الإعلان عنه قبل سنوات قليلة".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومة البحرينية بدأت بالاستثمار بالمرافق والبنى التحتية المطلوبة لمواكبة تلك الفرص بقطاعات الغاز والنفط، التي قد تترجم على أرض الواقع خلال السنوات القليلة القادمة.
وأوضح السالم أنه علاوة على ما تم اكتشافه بخليج البحرين من النفط الصخري فهناك مشروع لشركة "تطوير" البحرينية لزيادة الإنتاج من النفط التقليدي والغاز المصاحب من الحقول المطورة حالياً.
وأكد أن تلك المشاريع ستسهم بشكل إيجابي على الاقتصاد البحريني، وستعود على خزانة الحكومة بالمزيد من العوائد السنوية.