عبدالله بن بيه في حوار مع «الاتحاد»: حيث أشار فضيلته إلى أن استحواذ بعض الجماعات والأحزاب المعروفة بالتطرف على الخطاب هو نتيجة تراكمات تاريخية وانتهاج سبيل الأحزاب الحركية ورفع شعارات الدين وتوظيف مفاهيم زائفة اختطفت الدين وحاولت نزع الشرعية عن حكومات الدول الإسلامية ومشروعية الإفتاء، بينما كان خطاب المؤسسات الرسمية يتسم بشيء من السكون والبطء وقال: مع ذلك فمازال لهذه المؤسسات مكانها ومكانتها مع الحاجة إلى حركة إحياء وتجديد أصيلة وعميقة للتراث الفقهي. أشاد بإصدار دولة الإمارات العربية المتحدة لقانون «مكافحة التمييز والكراهية» يدل على الاستجابة لمشكلات الأمة وإدراكها لأهمية المبادرة التاريخية وتقديم المقاربات العقلانية لإيجاد حلول لها، مضيفاً أن القوانين والتشريعات تجسد العلاج المقترح لداء العنف المستشري في المجتمعات المسلمة، على الرغم من تأكيده أن القضاء على الفتن المذهبية قد لا يكون متاحا بالكلية.. مطالباً بضرورة أن تتلو تلك الخطوة خطوات على صعيد التوعية ونشر الثقافة الصحيحة الدينية والإنسانية. وقال فضيلته: إن رعاية دولة الإمارات للعديد من الهيئات الكبيرة التي تضم العشرات بل المئات من علماء الشريعة ورجال الفكر الإسلامي كمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، ومجلس حكماء المسلمين، لخير دليل على سعة أفق قيادة دولة الإمارات وبعد نظرها ومراهنتها على سماحة الإسلام واستيعاب قيمه لكل خير، وفيما يلي نص الحوار: صدّرت نماذج متطرفة «فكريا» صورة ذهنية شديدة العتمة والانغلاق عن الدين الإسلامي، وهو ما يتعارض مع تسامح ومحبة وتعايش الإسلام، كيف تردون فضيلتكم على ذلك؟ الإسلام ككل الديانات لا يمكن أن يُحكم عليه من خلال سلوكيات بعض أتباعه، بل من خلال دراسة عميقة ومنصفة لنصوصه الجزئية، وقيمه ومبادئه الكلية، ومقاصده وغاياته النبيلة، فكل ذلك يقدم صورة مضيئة تدعو إلى الحياة، كما يقول الله تعالى في محكم كتابه: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)، كما نبذ الإسلام العنف والفساد (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد). أضاف فضيلته: إن التحدي اليوم وهو ما نسميه «بواجب الوقت» وهو دحض هذه الصورة المشوهة للإسلام وتقديم الصورة المشرقة الجميلة الحقيقية وأن رعاية دولة الإمارات للعديد من الهيئات الكبيرة التي تضم العشرات بل المئات من علماء الشريعة ورجال الفكر الإسلامي كمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، ومجلس حكماء المسلمين، لخير دليل على سعة أفق قيادة دولة الإمارات وبعد نظرها ومراهنتها على سماحة الإسلام واستيعاب قيمه لكل خير. أضاف: إن قيادة دولة الإمارات وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يسيرون على هَدْي وإرث من مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله والذي كان منهجه متسامحاً وسلوكه مسالماً متسامياً عن خصومات لا طائل من ورائها. كيف تساهم القوانين والتشريعات في تعزيز التسامح، والتصدي لمحاولة حقن المجتمعات الإسلامية بالفتن؟ القوانين والتشريعات تجسد العلاج المقترح لداء العنف المستشري فى المجتمعات مما سينعكس إيجاباً على تعزيز التسامح فى المجتمعات المسلمة وإصدار دولة الإمارات العربية المتحدة لهذا القانون يدل على الاستجابة لمشكلات الأمة وإدراكها لأهمية المبادرة التاريخية وتقديم المقاربات العقلانية لإيجاد حلول لها. فقد بادرت بإنشاء الطاقة البديلة لمعالجة الاحتباس الحراري وهي كذلك تعالج اليوم الاحتباس الفكري. ثم إن تجريم بعض السلوكيات التي تؤدي للفتن والحروب واجب شرعي مستنبط من نصوص الشريعة ومقاصدها كما أن التجريم عند الغربيين يرجع إلى عامل الأخلاق والنظام العام والنكير الاجتماعي كل أولئك الثلاثة تعد أساساً للتجريم. يقول القانوني الفرنسي جاك برادلي في كتابه «القانون الجنائي مدخل عام»: «فتجريم الفعل ينتج عن قناعة المشرع أن الفعل لا يغتفر لدى الرأي العام، فيجب أن تناط به عقوبة أقوى»، ويضيف: «إن حق المجتمع أن يعاقب من يعكر صفوه، ولم ينكر هذا إلا قلة من المؤلفين، كما أن غالبية الفلاسفة يعترف بحق المجتمع في إيقاع العقوبة». ثم يقول وهو يتحدث عن الأخلاق: «إن العلاقة حميمة بين القاعدة الخلقية والقاعدة القانونية، وتاريخ القانون الجنائي يبرز غالبًا أن السلوك الذي يصدم الأخلاق الفاضلة للفرد أو الجماعة هو الذي يعاقب عليه كالاعتداء على الدين أو الحياة أو الملكية». ويقول ديكوك في كتابه القانون الجنائي: «وفيما يخص النيل المباشر من النظام الاجتماعي كما هو معروف عندنا: كالاعتداء على الدين والشأن العام، فإن رد الفعل مرتبط بكل مجتمع بشري قبلي أو دولة» ص 26 - 27. لهذا فالتجريم يقع في إطاره الشرعي والقانوني، لا سيما في مذهب مالك رحمه الله تعالى الذي يمنح صلاحيات كبيرة في مجال التعزير لولي الأمر والذي ينص على جريمة الفساد في الأرض والتي يدخل فيها كلما يثير الفتن. هل ترون أن القضاء على الفتن المذهبية والإقصاء بكل أشكاله ممكن في ظل التفشي الذي ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيزه، وماذا بعد تعزيز القوانين والتشريعات المجرمة لتلك الأفعال؟ إن القضاء على الفتن المذهبية قد لا يكون متاحا بالكلية ولكن تعزيز القوانين والتشريعات المجرمة إجراء فى الاتجاه الصحيح ويجب أن تتلوها خطوات من التوعية ونشر الثقافة الصحيحة الدينية والإنسانية. زايد اتبع منهج التسامح وتسامى عن خصومات لا طائل من ورائها التنوع الثقافي ليس منافياًً بالضرورة للإسلام والقرآن يقر التعددية كادر 2 / بن بيه التحدي الأكبر هو إزالة وهم التناقض عُرفت الإمارات بقدرتها الفائقة على توفير أعلى معايير التعايش وقبول الآخر، كيف ترون ذلك، وما هي النصائح التي توجهونها لشعب الإمارات والأمة الإسلامية وفق هذه الإطار؟ إن أهم معيار للتعايش هو تحييد عوامل العنف والاستفزاز والتوتر عن حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية سواء تعلق بميادين العمل أم بمجالات تبادل الأفكار والآراء بما في ذلك الجدل على المعتقدات والمذاهب الذي سرعان ما يتحول إلى صدام وخصام بل إلى نزاع وصراع، ولعل هذا القانون يمثل أداة من أدوات المحافظة على التعايش انطلاقا من بدهيتين الأولى: أن العالم تغير تغيراً جذرياً من خلال عولمة جامحة ليس فقط من خلال تدفق الأموال التي تحركها شركات عابرة للقارات والأوطان لا يمكن لبلد أن ينعزل عنه دون أن يحكم على نفسه بالفناء لكن من خلال حركة أمواج من البشرية تذرع الأرض من شرقها إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها، ودولة الإمارات بموقعها الجغرافي وثروتها التي حباها الله بها في قلب هذه الحركة الموّارة. أما البديهة الثانية فهي ألا بديل للتعايش إلا الحرب وهي حرب قاسية ومدمرة. ولهذا فإن الحكمة بمعناها الأشمل وهي الصواب في القول والسلوك والعمل والسداد في القرار والاتزان في الأفكار والأحكام تقتضي أن يدرك المسلمون حقيقة العالم الذي يعيشون فيه والذي يختلف جذرياً عن العالم القديم، كما أنّ على المسلمين أن يدرسوا دينهم دراسة تجديدية أصيلة، تؤكد أن الاسلام صالح لكل زمان ومكان حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. لندرك أن تعاليم ديننا الصحيحة بنصوصها ومقاصدها لا تناقض التعايش السليم المبني على المصالح الإنسانية والارث المشترك للبشرية. فالتحدي الأكبر هو أن نُزيل وهم التناقض الذي أنزل أضراراً شديدة بالأمة وبمفاهيم التعايش والسلم وأفرز مفاهيم التكفير والتفجير من جهة والإساءة والمروق من جهة أخرى وذلك ما يعالجه هذا القانون (والله يعلم المفسد من المصلح)، وقال تعالى:(فاتقوا الله ما استطعتم). نسأله سبحانه وتعالى أن يوفق قادة الأمة وعلماءها ومفكريها إلى طريق السلم والهدى ويجنبها سبيل الحرب والردى والله ولي التوفيق. كادر 1 / حوار بن بيه تراكمات تاريخية كيف تقيمون تأثير استحواذ جزء من الجماعات والأحزاب المعروفة بالتطرف على الخطاب الديني الإسلامي، وهل فقدت المؤسسات الدينية حضورها المؤثر على الصعيد الشعبي، وما هي المسببات الحقيقية لتراجع الخطاب الديني المتزن؟ إن استحواذ بعض الجماعات والأحزاب المعروفة بالتطرف على الخطاب هو نتيجة تراكمات تاريخية وانتهاج سبيل الأحزاب الحركية ورفع شعارات الدين وتوظيف مفاهيم زائفة اختطفت الدين وحاولت نزع الشرعية عن حكومات الدول الإسلامية ومشروعية الإفتاء، بينما كان خطاب المؤسسات الرسمية يتسم بشيء من السكون والبطء ومع ذلك فلا يزال لهذه المؤسسات مكانها ومكانتها مع الحاجة الى حركة إحياء وتجديد أصيلة وعميقة للتراث الفقهي.