دول » الامارات

ميزانية الإمارات 2026.. توسع منضبط يدفع الاقتصاد نحو نمو مستدام

في 2025/11/04

طه العاني - الخليج أونلاين

تواصل دولة الإمارات ترسيخ مكانتها كأحد أكثر الاقتصادات العربية ديناميكية، من خلال نهج مالي يستند إلى التوسع المدروس والاستثمار في القطاعات الحيوية، فقد شهدت السنوات الأخيرة نمواً متسارعاً في الإنفاق الاتحادي يعكس ثقة صانعي القرار بمتانة الاقتصاد المحلي.

ويأتي إعلان الميزانية الاتحادية للعام المالي 2026 ليعزز هذا الاتجاه، إذ تمثل خطوة جديدة في مسار التحول الاقتصادي الذي تنتهجه الدولة، مع التركيز على تعزيز الإنفاق في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية والخدمات الاجتماعية.

وتعكس هذه الميزانية غير المسبوقة اتجاهاً نحو توسيع قاعدة النمو وتنويع مصادر الدخل في إطار رؤية "نحن الإمارات 2031"، التي تضع الاستثمار في الإنسان والابتكار في صميم عملية التنمية.

قفزة مالية

ويشير اعتماد مجلس الوزراء الميزانية العامة للاتحاد للسنة المالية 2026 إلى مرحلة جديدة من التوسع الاقتصادي، بإجمالي إنفاق بلغ 92.4 مليار درهم (نحو 25.1 مليار دولار) مقارنة بـ 71.5 مليار درهم (نحو 19.5 مليار دولار) في ميزانية 2025، ما يمثل ارتفاعاً بنسبة تقارب 29%، لتصبح بذلك أكبر ميزانية اتحادية في تاريخ الدولة.

وأوضح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم أن هذه الزيادة في حجم المصروفات تعكس "الثقة الراسخة في قوة الاقتصاد الوطني"، مشيراً إلى أن توجيهات القيادة ركزت على الاستثمار في القطاعات الحيوية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر وتدعم استدامة التنمية.

ونقلت صحيفة "الإمارات اليوم"، في 27 أكتوبر 2025، عن آل مكتوم تأكيده أن توزيع الإنفاق يعزز نموذجاً تنموياً متوازناً يضمن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، إذ إن الميزانية الجديدة "ليست مجرد أرقام مالية"، بل تمثل ترجمة عملية لرؤية الإمارات المستقبلية الهادفة إلى بناء اقتصاد متنوع ومرن يواكب التحولات العالمية.

كما شدد على أن هذه القفزة المالية تؤشر إلى جاهزية الدولة للمستقبل وترسخ مكانتها كوجهة عالمية للتنمية المستدامة وضمان الاستقرار المالي طويل الأمد.

اقتصاد متوازن

ويقول الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي إن الزيادة التاريخية في الميزانية الاتحادية لدولة الإمارات موجهة بشكل أساسي لقطاعات تعوض النفط، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية والخدمات المجتمعية.

ويبين لـ"الخليج أونلاين" أن هذا التوجه يعني أن الاتحاد يريد رفع وزن الإنفاق المركزي في القطاعات التي تنتج نمواً غير نفطي متكرراً، بما يتسق مع مسار "نحن الإمارات 2031" الذي يستهدف وصول مساهمة القطاعات غير النفطية إلى نسبة مرتفعة.

ويشير الشوبكي إلى أن الإمارات تسير على طريق التحول إلى دولة لا تعتمد على النفط وفق الخطة الاستراتيجية المرسومة، إذ إن كل نقطة في نمو الميزانية الاتحادية يمكن أن تتحول مباشرة إلى نقطة إضافية في الاقتصاد غير النفطي.

ويلفت إلى أن هذه الزيادة يمكن قراءتها كـ"رأسمال تنويع"، سيذهب جزء منه لرقمنة الحكومة الاتحادية والإنفاق الاجتماعي الذي يرفع الاستهلاك، والجزء الآخر لتحسين البنية التحتية المرتبطة بالتجارة غير النفطية.

ويتناول الشوبكي دلالات استحداث "برنامج دعم المركز المالي الاتحادي"، موضحاً أن هذا يعني بناء "صندوق استقرار" على مستوى الاتحاد، يشبه ما تفعله الدول الفيدرالية للحفاظ على ملاءتها بعيداً عن تقلبات النفط أو تذبذب التحويلات، وهو مهم لأسباب عدة:

فصل المالية عن السياسة يضمن تمويلاً مضموناً للبرامج الأساسية للحكومة الاتحادية حتى لو انخفضت أسعار النفط، فلا تضطر لتأجيل مشاريع.
وجود مركز مالي مدعوم سنوياً يسهل تجهيز "منصة دين اتحادية" وإصدار أدوات دين مستقبلاً بفائدة أقل؛ لأن المستثمر يرى تدفقاً دورياً يغذي هذا المركز.
تقليل المخاطر المجمعة، وهو ما أشارت إليه وكالات التصنيف الائتمانية، حيث يوزع هذا "الجيب الاتحادي" المخاطر على جهاز الدولة كاملاً.

ويرى الشويكي أن الميزانية الجديدة تعزز الثقة الدولية والتصنيف الائتماني الموحد للإمارات، مبيناً أن الأسواق تقرأ الميزانية على أنها زيادة إنفاق منضبطة في دولة ذات سيولة خارجية عالية، وصناديق سيادية ضخمة.

ويلفت إلى أن قدرة الإمارات على تمويل التوسع وامتصاص الصدمات الجيوسياسية قدرة استثنائية، وهو ما ترسخه وكالات التصنيف التي تشير إلى أن الفوائد الخارجية للدولة هي من الأعلى بين الدول المصنفة بذات الدرجة.

ويؤكد أن الميزانية توسعية في الحجم لكنها انضباطية في الشكل، فهي متوازنة من حيث الإيرادات والمصروفات، لكنها أكبر حجماً بنسبة كبيرة. وهذا لم يكن ليحدث إلا لأن الإيرادات الاتحادية من رسوم الخدمات ارتفعت، ولم تعتمد الحكومة فقط على النفط.

ويضيف الشوبكي أن الإيرادات الضريبية الجديدة، مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الشركات، توفر تدفقات اتحادية يمكن التنبؤ بها وتدعم هذه القفزة في الموازنة.

ويبين أن التوسع يجري من موارد دائمة، مدعوماً بصندوق دعم مالي وتصنيف ائتماني مرتفع، ما يساوي "إنفاقاً بلا مخاطر"، مشدداً على أهمية هذا النهج في بيئة عالمية يشوبها البطء والضبابية وتقلبات أسعار النفط والصراعات الإقليمية.

توازن واستدامة

ويواكب إعلان الميزانية الاتحادية الجديدة جملة من الإجراءات المالية الداعمة لمسار النمو، إذ لم تقتصر الخطوة على رفع حجم الإنفاق، بل شملت إطلاق برامج اتحادية تعزز كفاءة إدارة المال العام وتكرس مبدأ الاستدامة الاقتصادية، ضمن رؤية طويلة الأمد تستند إلى التوازن والانضباط المالي.

أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في منشور عبر حسابه في منصة إكس، أن ميزانية 2026 "ترسخ المنظومة الاتحادية وتعكس التزامنا المستمر بالتنمية المتوازنة".

وأشار إلى أنها تأتي ضمن الخطة الخمسية 2022-2026 التي أُقرت بإجمالي 290 مليار درهم (نحو 79.1 مليار دولار)، وشهدت تعديلات لاحقة لتعزيز مرونة الإنفاق واستدامته.

ويعكس هذا التوجه الرؤية الحكومية في بناء نموذج مالي اتحادي قادر على مواكبة المتغيرات الاقتصادية العالمية من دون المساس بالاستقرار المالي الداخلي.

وفي السياق ذاته اعتمد مجلس الوزراء "برنامج دعم المركز المالي الاتحادي" كمبادرة جديدة تهدف إلى ضمان التوازن بين الإيرادات والمصروفات وتعزيز كفاءة إدارة المال العام.

وسيُموَّل البرنامج سنوياً بمخصصات من الميزانية العامة، في خطوة تؤكد توجه الدولة نحو الاستدامة المالية طويلة الأمد، مع التركيز على تمويل مؤسسات الدولة الاتحادية وتوسيع الاستثمار في الاقتصاد الأخضر والمشروعات الاستراتيجية، وهو نهج سبق أن تجسد في تخصيص أكثر من 40% من الميزانيات السابقة للتنمية الاجتماعية والمنافع العامة.

وأشار موقع إرم بزنس، في 27 أكتوبر 2025، إلى أن هذا التطور المالي يأتي في ظل أداء اقتصادي قوي، حيث سجل الاقتصاد الإماراتي نمواً نسبته 3.4% في النصف الأول من عام 2025، مدعوماً بقطاعات رئيسية مثل السياحة والتجارة والخدمات، ما يعزز الثقة في قدرة الدولة على مواجهة التحديات العالمية والحفاظ على زخم النمو.

كما حافظت الإمارات على تصنيفها الائتماني المرتفع (AA+) من وكالة "ستاندرد آند بورز"، مدعومة باحتياطيات مالية قوية وسياسات مالية متوازنة تعتمد على تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، في إطار نهج حكومي يوازن بين الطموح الاقتصادي والانضباط المالي.

وبذلك تمثل ميزانية 2026 محطة محورية في مسار التحول الاقتصادي الذي تنتهجه الإمارات، إذ تؤكد الانتقال من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة التوسع المستدام القائم على كفاءة الإدارة المالية وتنويع مصادر الدخل.

ومن شأن هذا التوجه أن يعزز تنفيذ مستهدفات رؤية "نحن الإمارات 2031"، ويكرس نموذج الدولة كأحد أكثر الاقتصادات الخليجية قدرة على المواءمة بين الطموح المالي والاستقرار الاقتصادي طويل الأمد.