في 2025/10/28
كامل جميل - الخليج أونلاين
تواصل الإمارات رسم ملامح تجربة فريدة في السياحة الريفية والخضراء، عبر خطط مدروسة حوّلت القرى الهادئة إلى محركات للنمو، وجسور تصل بين الإنسان والطبيعة.
في إطار الاهتمام بالريف والسعي إلى تحويله لمواقع جذب سياحية تشارك في التنمية، اتخذت الإمارات خططاً ومبادرات عدة للنهوض بواقع الريف، ما جعله يحقق تميزاً وصل إلى العالمية، وهو ما اكدته قرية مصفوت أخيراً.
قرية مصفوت
في قلب جبال عجمان تقع قرية مصفوت التي نجحت في أن تضع الإمارات على خارطة السياحة الريفية العالمية، بعد فوزها بجائزة "أفضل قرية سياحية في العالم لعام 2025" من منظمة الأمم المتحدة للسياحة.
تتميز القرية بجبالها ووديانها الخصبة التي طالما كانت مصدر حياة لأهلها، وبمزارعها التي ما تزال تحافظ على الطابع الزراعي القديم.
لم يكن الفوز صدفة، بل تتويجاً لمسار طويل من العمل الهادئ لتشييد نموذج تنموي فريد يوازن بين حماية التراث وإيقاع الابتكار.
تروي مصفوت قصة نجاح إماراتية بملامح إنسانية واضحة؛ فهي قرية صغيرة في عدد سكانها، كبيرة بطموحها، استطاعت أن تحوّل جمالها الطبيعي إلى مصدر تنمية وفرص اقتصادية، وأن تُظهر للعالم أن الريف يمكن أن يكون مستقبلاً للسياحة المستدامة، لا ماضيها فقط.
وبحسب وكالة أنباء الإمارات (وام)، يأتي تتويج مصفوت بعد منافسة شديدة مع 270 قرية من 65 دولة، ما يؤكد على مكانة الإمارات المتقدمة في مجالات السياحة الخضراء والبيئية والريفية.
عبد الله بن طوق المري، وزير الاقتصاد والسياحة الإماراتي: فوز مصفوت هو تتويج تاريخي للسياحة الإماراتية، ورسالة جديدة للعالم بأن التنمية في الإمارات لا تعرف التفاوت بين المدن والقرى.
هذا الإنجاز يعكس نجاح الدولة في تحقيق توازن نادر بين حماية البيئة وتعزيز النمو الاقتصادي، وفي جعل السياحة الريفية جزءاً من نسيج التنمية المستدامة.
عبد العزيز بن حميد النعيمي، رئيس دائرة التنمية السياحية في عجمان: مصفوت برهنت أن الاستثمار في الجمال الطبيعي والتراث الإنساني هو استثمار في المستقبل، لا في الماضي.
محمود خليل الهاشمي، مدير عام دائرة التنمية السياحية في عجمان: نجاح مصفوت يفتح الباب أمام موجة جديدة من السياحة المستدامة في الدولة.
من حتا وشيص إلى مصفوت
يعد فوز مصفوت امتداداً لمسيرة بدأت مع حتا وشيص، القُرى التي أثبتت أن التنمية الريفية ليست هامشاً في الخطة السياحية للدولة، بل أحد أعمدتها الراسخة.
في أكتوبر 2023 استعرض الموقع الرسمي لمجلة (cntraveler) تقريراً يضم أجمل 50 وجهة سياحية حول العالم، شملت من بينها قرية حتا.
تعكس "حتا"، الواقعة في إمارة دبي، طبيعة الحياة الريفية والجبلية في الإمارة، وهي غنية بسلسلة من الأنشطة الخارجية من ركوب الخيل وركوب الدراجات ورياضات أخرى مثل التجديف وصعود الجبال.
أما قرية "شيص" التي تتبع لإمارة الشارقة، فقد أدرجتها منظمة "الإيسيسكو"، في أكتوبر 2024، ضمن قائمة التراث في العالم الإسلامي.
تشتهر "شيص" بجمالها الطبيعي الذي يتمثل في جبالها الشاهقة ومزارعها التي ترويها أنظمة الري التقليدية المعروفة بالأفلاج، والتي تُعدّ شاهداً على العبقرية البشرية في إدارة المياه منذ القدم.
تتميز المنطقة بوجود معالم بارزة، وتنوع بيئي وجغرافي فريد، يجمع بين جبال الحجر والأفلاج التي أدت إلى تكوين غطاء نباتي غني وموطن ملائم للطيور النادرة والحيوانات؛ مما يجعلها موقعاً ذا أهمية عالمية للباحثين في مجال البيئة.
برنامج وطني
هذه المكانة المتميزة للقرى الإماراتية لم تكن وليدة الصدفة، بل ثمرة رؤية استراتيجية وضعت الإنسان في صميم التنمية، وجعلت من حماية التراث جزءاً من مسار التحديث لا عائقاً أمامه.
فالمشاريع السياحية في الإمارات باتت تسير بخطى متوازنة بين الحفاظ على الهوية والابتكار، ووراء هذا الإنجاز تقف رؤية وطنية أرادت أن تجعل من القرى الإماراتية محركات للنمو، لا مجرد وجهات للزيارة الموسمية.
ويُعد برنامج "قرى الإمارات" من أبرز المحركات التي يدفع ببروز القرى الإماراتية.
والبرنامج هو أحد أبرز المبادرات التي تسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والطبيعة، من خلال تطوير القرى وتحويلها إلى وجهات اقتصادية وثقافية مزدهرة، مع الحفاظ على ملامحها الأصيلة.
البرنامج أطلقه الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة لشؤون التنمية وأسر الشهداء، في عام 2023، ويمكن تلخيصه بالتالي:
مبادرة استراتيجية تهدف إلى تحقيق التنمية الريفية الشاملة والمستدامة.
يسعى المشروع إلى تحويل قرى أبوظبي إلى مراكز نابضة بالحياة، تجمع بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يركز على تحسين البنية التحتية، وتعزيز الخدمات الأساسية، وخلق بيئة اقتصادية وسياحية جاذبة تعكس التراث الثقافي الإماراتي.
يعكس رؤية الدولة لمستقبل متوازن يجمع بين التنمية الحضرية والحفاظ على التراث الثقافي والاجتماعي.
خطوة استراتيجية
أكد المختص بالشأن البيئي، عمر عبد اللطيف، أن الإمارات تحتل مكانة رائدة على صعيد حماية البيئة وتعزيز الاستدامة، مشيراً إلى أن تحويل القرى إلى وجهات سياحية خضراء يمثل خطوة استراتيجية مهمة.
وأوضح عبد اللطيف أن هذه المبادرة لا تقتصر على تعزيز الجوانب البيئية فقط، بل ستسهم في رفع قيمة السياحة الوطنية وتوفير مردودات مالية ملموسة، إضافة إلى النهوض بالقرى نفسها لتصبح مساحات خضراء نابضة بالحياة خلال المرحلة المقبلة.
وحول التحديات المحتملة، أشار إلى أن طبيعة الإمارات الصحراوية قد تجعل هذه المشاريع عرضة لهبوب العواصف الرملية أو تأثيرات الرطوبة العالية خلال فصل الصيف، لكن الدولة تمتلك خبرات دولية وإمكانات مالية كبيرة للتغلب على هذه العقبات، من خلال الدراسات المسبقة ووضع الحلول العملية.
ولفت عبد اللطيف إلى أن هذه المشاريع البيئية تمثل رؤية طموحة نحو جعل الإمارات الوجهة السياحية الأولى خليجياً وعربياً، مؤكداً أن تحويل القرى إلى مساحات خضراء ليس مجرد مشروع، بل استثمار طويل الأمد في البيئة والاقتصاد والسياحة.