كامل جميل - الخليج أونلاين-
أخذ قرار التشهير باسم المتحرش صدى كبيراً بين السعوديين بعد بدء تطبيقه خلال شهر أبريل الجاري، ويرى مراقبون أن أثر التشهير سيكون كبيراً لردع المتحرشين، ومحاربة هذه الظاهرة في المملكة.
تعدّ ظاهرة التحرش مشكلة عالمية، حيث تعاني منها العديد من الدول، والسعودية ليست استثناء من هذه الظاهرة، على الرغم من اتخاذ السلطات خطوات رادعة لمكافحتها.
وينص القانون السعودي على معاقبة كل من ارتكب جريمة تحرش، بالسجن مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال (26 ألف دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ويشدد القانون العقوبة لتصل إلى السجن لمدة لا تزيد على 5 سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على 300 ألف ريال (نحو 80 ألف دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حالة العودة أو في حالات أخرى؛ مثل ارتكابها في مكان عام أو ضد طفل أو أحد ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبدأت وزارة الداخلية السعودية، في أبريل الجاري، تطبيق عقوبة التشهير ضد المتحرشين بعد موافقة مجلس الوزراء، في شهر يناير من 2021، على إضافة فقرة جديدة على المادة السادسة من نظام مكافحة جريمة التحرش تقضي بنشر تفاصيل الحكم ضد المتحرش.
مواطنون ومقيمون
ولا تستثني عقوبة التشهير أحداً في حال ثبت ارتكابه جريمة التحرش، سواء كان مواطناً أم مقيماً، على الرغم من رفض كثيرين للتشهير علقوا على مواقع التواصل، عادين التشهير يخالف التعاليم الدينية وتقاليد المجتمع لما لها تأثير على سمعة عائلة المُشهر به.
خلال الشهر الجاري، ومع تطبيق قانون التشهير قبضت شرطة منطقة عسير على المقيم من الجنسية اليمنية داود علي حسن علي، لتحرشه بامرأة، وجرى إيقافه واتخاذ الإجراءات النظامية بحقه، وإحالته إلى النيابة العامة.
وأعلنت شرطة مكة المكرمة القبض على وليد السيد عبد الحميد، وهو مقيم من الجنسية المصرية؛ لتحرشه بامرأة، وجرى إيقافه واتخاذ الإجراءات النظامية بحقه، وإحالته إلى النيابة العامة.
وألقي القبض أيضاً على المواطن ناصر هادي حمد آل صلاح؛ لتحرشه بامرأة في جدة، وجرى إيقافه واتخاذ الإجراءات النظامية بحقه، وإحالته إلى النيابة العامة.
أحدث من ألقي القبض عليهم والتشهير بهم كان المواطن فيصل ماجد عوض المالكي، وذلك في منطقة مكة المكرمة.
مشكلة خطيرة
ظاهرة التحرش هي مشكلة اجتماعية خطيرة، تتمثل في التصرفات غير المرغوب فيها والمضايقة الجنسية التي يتعرض لها الأفراد دون موافقتهم، سواء كان ذلك عبر اللمس أو الكلمات أو التصرفات اللفظية أو الإلكترونية.
ولا تقتصر تأثيرات التحرش فقط على الضحية الفرد، سواء كان أنثى أو ذكر، بل تمتد لتشمل أيضاً المجتمع بأكمله.
فبحسب مختصين، تتسبب حالات التحرش في إحداث ضرر نفسي وعاطفي للضحايا، وقد تؤدي إلى انعدام الثقة بالنفس، والقلق، والاكتئاب، والاضطرابات النفسية الأخرى، فضلاً عن أنها تسهم في نشر ثقافة العنف وعدم الاحترام داخل المجتمع.
فضلاً عن هذا فالتحرش حالة مرفوضة بشكل قاطع في المجتمعات العربية، لا سيما أنها تخالف العادات العربية الموروثة، بالإضافة إلى أن التحرش ينافي التعاليم الإسلامية، التي تحث على مكارم الأخلاق واحترام الآخرين وعدم الإساءة للغير بأي شكل من الأشكال.
والمجتمع السعودي عرف بكونه مجتمعاً محافظاً، يلتزم بالتعاليم الإسلامية والتقاليد العربية الموروثة، وهو ما جعل الرفض والاستنكار والمطالبة بفرض عقوبات رادعة للمتحرشين تطغى في تعليقات السعوديين على ما ينشر حول القبض على متحرشين.
عضو برنامج الأمان الأسري الوطني، الباحث الاجتماعي عبد الرحمن القراش، قال إن "التحرش في حقيقته سلوك سيئ، يُنبي عن شخصية غير سوية لدى القائم به"، بحسب صحيفة "سبق".
ويضيف القراش: "بما أننا نعيش في بلد يقدر أفراده العرف الاجتماعي فإن التشهير من أقوى العقوبات التي يمكن أن تؤثر بالإيجابية عند تطبيقها في حق الجاني".
بالمقابل يلفت إلى احتمالية أن يكون لهذه العقوبة تبعات لا على المتحرش فحسب، بل قد تطول مستقبله وأسرته وعمله ووظيفته، والمكان الذي يعيش فيه، وآثاره السلبية لن تكون سهلة اجتماعياً.
وأشار إلى أنه "من المهم أن يدرك الجميع أن مخالفة الأخلاق والذوق العام تنعكس نتائجها السلبية على المجتمع، وفي حال فرض قوانين تأديبية يجب أن تكون إصلاحية، تساهم في التقويم، وتعديل السلوك، لا العقوبة فقط؛ لكي لا نخلق جيلاً تكون العقوبات التي لحقت ببعض أفراده وصمة عار، تكبر اجتماعيّاً مع مرور الزمن".
إشادة بالتشهير
التحرش، بقدر ما هو سلوك قبيح وشائن مرفوض، فإنه يتعدى ضرره الفردي إلى الإخلال بسلم وطمأنينة المجتمع ما لم يتم ضبطه من خلال قوانين صارمة ورادعة لا تتهاون ولا تستثني أحداً متى ما تمت إدانته.
ذلك ما استهل به الكاتب السعودي حمود أبو طالب، مقاله في صحيفة "عُكاظ" المعنون "ويلٌ للمتحرشين".
ويشيد أبوطالب بالتشهير بالمتحرش بالإضافة إلى السجن والغرامة المالية، حيث يرى أن التشهير يجعل المتحرشين "عبرةً لغيرهم، ولكي يعرف من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة أنه سيكون في قبضة العدالة بأسرع مما يتوقع".
ويوضح: "الحقيقة أننا كنا في أمس الحاجة لهذا النظام، خصوصاً بعد الانفتاح الاجتماعي"، لافتاً إلى أن المرأة في المملكة نالت حرية واسعة للتنقل بمفردها والدخول في مختلف الأماكن ومزاولة جميع الأعمال.
يضاف إلى هذا أن المملكة تستقطب اليوم آلاف السياح من الجنسين -وفق أبو طالب- الذي يؤكد أنه بناء على ذلك "كان لا بد من حماية هذا المناخ الإنساني الجميل من التلوث الذي قد يحدثه التحرش من المتهورين غير الأسوياء سلوكياً ونفسياً وأخلاقياً".
مكسب للأخلاق الكريم
في ذات الشأن يقول الكاتب أحمد عجب، في مقال حمل عنوان "قطع الطريق على المتحرِّشين" نشرته صحيفة "المدينة": إن "إعلان أسماء المقبوض عليهم بتُهم التحرش يعدّ بمثابة الهجمة المرتدة السريعة على أولئك الجناة الذِين اعتادوا ارتكاب جريمة التحرش الفاضحة".
عندما يقدم الضحايا قضية لدى الجهات الرسمية يبادر المتحرشون بتقديم عروض مادية سخية لإغلاقها، وفق ما يذكر عجب في مقاله، مبيناً "لكنهم اليوم بعد فضح أسمائهم أمام خيارَين لا ثالث لهما، إما إثبات البراءة وردّ الاعتبار، أو انتظار الإدانة وتنفيذ العقوبة".
ويضيف: إن "إعلان أسماء المقبوض عليهم بتُهم التحرش يُعدّ مكسباً وإضافةً للأخلاق الكريمة"، وهو أيضاً يمثل "أكبرَ حاجز تم وضعه أمام المنحرفين"، على حد قوله.
من جهتها تستعيد الكاتبة د. أريج الجهني ما طرحته على قناة العربية، في مايو 2019، وذلك في مقال بصحيفة "الرياض" حمل عنوان "التشهير بالمتحرشين.. القصة الآن بدأت".
الجهني أوضحت أنها حين قالت خلال اللقاء بأن "التشهير بالمتحرشين مطلب شعبي، كنت مؤمنة بشدة بقناعتي ومؤمنة أكثر بدولتي العظيمة وما لمسته من رغبة حقيقة لدحر المجرمين وضبط السلوك الاجتماعي الضار".
وأضافت مشيرة إلى اعتماد الدولة التشهير بالمتحرشين "اليوم الدولة تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه بالمساس بحياة البشر".
وتابعت: "من الضروري مواصلة التحقق من وصول هذا الوعي لكافة الأفراد، وأن يفهم الضحايا قيمتهم، وألا يدفعهم هذا الأمر لكراهية حياتهم أو إشعارهم بالإذلال وأن يطلبوا المساعدة دون تردد سواء عبر القنوات المجانية للصحة النفسية أو التوجه للمراكز التي تساعد في تجاوز هذه الصدمات".