في 2025/09/12
وكالات
قال رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إن العدوان الإسرائيلي على الدوحة يمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة ذات عضوية كاملة في الأمم المتحدة، ويفضح نوايا "إسرائيل" لإجهاض السلام، مطالباً بعدم الصمت أمام فرضها "شريعة الغاب".
جاء ذلك في كلمة ألقاها في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن الدولي بعنوان "الحالة في الشرق الأوسط"، في ضوء الهجوم الإسرائيلي الغادر على دولة قطر، بطلب من الجزائر والصومال وباكستان وفرنسا والمملكة المتحدة، بحسب وكالة الأنباء القطرية.
وأشار إلى أن الهجوم "قامت به قيادة متطرفة، بعيدة كل البعد عن سلوك الدول المتحضرة المؤمنة بالسلام"، مشدداً على أن "انتهاك سيادة دولة تبذل جهوداً حثيثة من أجل وقف إطلاق النار وإنقاذ الأرواح، يضع النظامَ الدولي برمته أمام اختبار حقيقي".
وأكد أن "إسرائيل"، بقيادة المتطرفين المتعطشين للدماء، "تجاوزت جميع الحدود التي تفرضها الأعراف والقوانين الدولية، بل حتى أبسط الأصول الأخلاقية في التعامل ليس مع الدول، بل حتى بين البشر".
ولفت إلى أنه لم يعد ممكناً التنبؤ بما يمكن أن تفعله "إسرائيل"، مشيراً إلى أن استهداف الدوحة أدى إلى استشهاد عدد من الضحايا، بينهم الشهيد القطري وكيل عريف بدر سعد محمد الحميدي الدوسري، وإصابة عدد من منتسبي الأمن الداخلي القطري، فضلاً عن ترويع الآمنين والأطفال في حي مليء بالمدارس ودور الحضانة والبعثات الدبلوماسية.
وتساءل رئيس وزراء قطر قائلاً: "كيف يزورنا مسؤولون إسرائيليون للتفاوض، ونستضيفهم على أرضنا، وقياداتهم تخطط لقصفها بعد أيام، ويقصفونها فعلاً؟".
واستطرد متسائلاً: "هل سمعتم عن دولة تهاجم دولة الوساطة بالطائرات الحربية المقاتلة، وتعمل خلال العملية التفاوضية على تصفية أعضاء الوفود التي تفاوضها في مقر اجتماعاتهم؟ ومن ثم يخرج رئيس وزرائها بتبريرات مشينة، ومقارنات مغلوطة، يحاول فيها شرعنة فعلته التي أدانها العالم أجمع".
وقال إنه "كان ينبغي لنتنياهو أن يستذكر نموذج طالبان، التي كان لها مكتب سياسي في الدوحة كقناة للتواصل مع العالم، وأثمرت هذه القناة التوصل إلى اتفاق إحلال السلام في أفغانستان، الذي أفضى إلى إنهاء الحرب بعد عقود مريرة، ولم تقدِم الولايات المتحدة على استهداف مفاوضيها على مر السنين".
وشدد على أن "هذه الانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي، وهذه التصرفات التي لا تعرف الأصول، تثبت أن قادة "إسرائيل" الحاليين مصابون بالغرور وسكرة القوة، لأنهم ضمنوا الإفلات من العقاب والمساءلة".
وتابع قائلاً: "فضلاً عن الإبادة الجماعية في غزة، والكارثة الإنسانية غير المسبوقة في القطاع، والتي لم يتخذ المجتمع الدولي حيالها إجراءً رادعاً، ها هي أياديهم المخربة تطال دولاً ذات سيادة، وتعبث بأمن المنطقة بلا حسيب أو رقيب".
وأشار إلى أن "غطرسة إسرائيل وصلت حد المجاهرة ليس فقط بأوهام إعادة تشكيل المنطقة بالقوة، بل أيضاً بدوافع غيبية وأفكار أصولية تحرك متطرفي الحكومة الإسرائيلية الحالية".
ولفت إلى أن قطر تؤمن إيماناً كاملاً بالوساطة، وحل الصراعات بالطرق السلمية، مشيراً إلى أن دورها يحظى بتقدير إقليمي وعالمي، وأن تجربة الوساطة بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة بخصوص الأسرى وغزة، تشكل بارقة أمل نادرة في هذا النزاع الدامي.
وأضاف رئيس وزراء قطر: "الاعتداء على أرضنا خلال انشغالنا بالوساطة، كشف بوضوح عن نوايا إسرائيلية مبيّتة لإجهاض أي مسعى نحو السلام، وإطالة أمد المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني الشقيق الذي يتعرض لحجم من المعاناة تعجز الكلمات عن وصفه".
وأوضح أن هذا "العدوان كشف أيضاً أن المتطرفين الذين يحكمون إسرائيل اليوم لا يأبهون بحياة الرهائن، وأن تحريرهم ليس أولوية لديهم، وإلا فكيف يفسَّر اختيار توقيت ومكان الهجوم، في الوقت الذي كانت فيه المفاوضات تعقد لمناقشة وقف إطلاق النار وفق المقترح الأمريكي الأخير؟ لقد اجتمع الوفد التفاوضي لحركة حماس لمناقشة الرد على الورقة الأمريكية، فقصفت إسرائيل هذا الاجتماع".
وخاطب مجلس الأمن قائلاً: "أقف أمامكم اليوم مطالباً مجلسكم الموقر بتحمل مسؤوليته التاريخية، فالصمت أمام فرض شريعة الغاب، واستهداف دولة ذات سيادة في وضح النهار، يُقوض قواعد العمل الدولي، ويهدد مستقبل أي عملية سلام في منطقتنا".
وشدد على أن استمرار هذه الاعتداءات لا يستهدف قطر وحدها، بل هو تهديد صريح باستهداف كل دولة تعمل على إحلال السلام، بما يزعزع الثقة بالمنظومة الأممية ذاتها.
وأكد رئيس الوزراء القطري أن بلاده ستواصل دورها الإنساني والدبلوماسي دون تردد، "أينما كان هذا الدور طريقاً نحو حقن الدماء، لكنها في الوقت ذاته لن تتهاون إزاء أي مس بسيادتها وأمنها، وتحتفظ بحقها المشروع في الرد عبر الوسائل التي يكفلها القانون الدولي".
وأضاف: "إننا في قطر دعاة سلام لا دعاة حرب، وقد اخترنا السلام منهجاً، ولن يردعنا عنه دعاة الحرب والدمار"، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء القطرية.
وذكّر أعضاء مجلس الأمن بأن الهجوم على قطر هو اعتداء على كل المساعي الدبلوماسية، وأن الطريق الوحيد للسلام يمر عبر المفاوضات، ويبدأ بوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن والأسرى، والدخول غير المشروط للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ورفع الحصار عنه.
وقال: "يجب ألا نستسلم لغطرسة المتطرفين، وأن نستمر في السعي نحو سلام دائم عنوانه حل الدولتين من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على ترابها الوطني وفق قرارات الشرعية الدولية، دولتان وشعبان متعايشان بسلام، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال شركاء يؤمنون بهذه المبادئ".
وأشاد بالاستجابة لطلب عقد الجلسة الطارئة، كما أشاد بجهود أعضاء المجلس وصولاً إلى اعتماد البيان الصحفي الصادر عن المجلس، والذي أدان العدوان الإسرائيلي على قطر.