علاقات » اسرائيلي

السعودية بمواجهة حرب الإبادة: ما أكثر البيانات!

في 2025/09/06

سناء أحمد إبراهيم 

منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة قبل حوالي عامين، اتّسم أداء السعودية بالإكثار من إصدار بيانات إدانة العدوان، والتشديد على وقفه، وتكرار دعم القضية الفلسطينية، من دون اتّخاذ أيّ خطوة عملياتية في هذا الاتجاه. وإذ بدا أن مشروع التطبيع بين المملكة وإسرائيل بات عسير التحقّق بعد عملية «طوفان الأقصى» وما أعقبها، فإن السعودية لم تجد بدّاً، مع اشتداد وتيرة الإبادة وانكشاف التوحّش الإسرائيلي، من إحداث تحوّل في خطابها نحو مشروع بديل يلقى قبولاً دولياً جزئياً، ويبرّئها من تهمة السكوت على العدوان، ويبرّر أي خطوة مستقبلية نحو إسرائيل عندما تعود الأخيرة إلى «تقدير» منافع التطبيع مع الدول العربية.

وهكذا، بات «حلّ الدولتين» عنوان الخطاب السعودي الراهن، والذي أعاد وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، التشديد عليه في 25 آب، لدى انعقاد الاجتماع الوزاري الطارئ لـ«منظمة التعاون الإسلامي» في جدة. وقبل ذلك، كانت السعودية رعت، بالشراكة مع فرنسا، مؤتمر «التسوية السلمية لقضية فلسطين وتطبيق حلّ الدولتين» في المقرّ الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، والذي بدت بنود الوثيقة الصادرة عنه متماهية مع الأهداف السياسية للإبادة، التي يبدو أولى الأولويات الآن العمل على وقفها بدلاً من السعي لـ«دولة» افتراضية لا تفتأ إسرائيل تقوّض أي أسس لها.

وتعليقاً على الأداء السعودي في هذا الإطار، يرى القيادي في «لقاء المعارضة في الجزيرة العربية»، الباحث فؤاد إبراهيم، أن «إصدار البيانات بات جزءاً من السلوك الروتيني للنظام السعودي الذي لا يعقبه أي فعل حقيقي»، مضيفاً، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «بات معلوماً أن البيانات هي للاستهلاك الإعلامي».

ويشير إلى أن «الإسرائيلي يعلم ذلك، ولذلك لا يردّ على هذه البيانات، ولسان حاله نحن نشتغل شغلنا وأنتم ندّدوا لزوم إرضاء شعبكم وخداعه». والجدير ذكره، هنا، أن السعودية أصدرت، منذ 7 تشرين الأول 2023 وحتى 26 آب 2025، قرابة 88 بياناً ، تناولت 47 منها ملف غزة، و23 تطوّرات الأوضاع في الضفة، فيما ذهب بيانان إلى إدانة مخطط «إسرائيل الكبرى» الذي جاهر به رئيس وزراء العدو، بنيامين نتناهو. أما البقية، فكانت للترحيب بمواقف الدول الغربية والقرارات الدولية حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وخطوات «محكمة العدل الدولية» و«المحكمة الجنائية الدولية» ومجلس الأمن.

على أنه في خلفية ذلك الأداء اللفظي الذي لم يغيّر شيئاً في مسار حرب الإبادة، وبعدما «وجّهت الحرب في غزة ضربة إلى الاستراتيجية الدبلوماسية والاقتصادية للسعودية»، وفقاً لما جاء في مقالة في صحيفة «غلوبس» الإسرائيلية المختصّة في الشأن الاقتصادي، ظلّت بعض أشكال التطبيع أو السعي لتطبيقها قائمة، وإن لم تُسلَّط عليها الأضواء بشكل كافٍ.

ففي نيسان 2025، استغلّ وزير الطاقة الإسرائيلي، إيلي كوهين، زيارته إلى واشنطن للترويج لمشروع أنبوب نفط يمتدّ من السعودية إلى عسقلان مروراً بإيلات، في حين كشفت منظمة «Oil Change International» البحثية، عن تلقّي إسرائيل شحنات صغيرة نسبياً، ولكن منتظمة، من النفط الخام، عبر خطّ أنابيب «سوميد» الذي يستقبل النفط من السعودية والإمارات والعراق ومصر. وإلى جانب ما تقدّم، لا يُغفل الجسر البري الذي يمتدّ من الإمارات، مروراً بالسعودية والأردن، وصولاً إلى إسرائيل، ودفعت إلى افتتاحه تداعيات المعركة البحرية التي قادتها القوات المسلحة اليمنية ضد الكيان.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعدّاه إلى منح شركة «أفينيتي بارتنرز» (Affinity Partners)، لصاحبها جاريد كوشنر، رأسَ مال كبيراً لتوظيفه في السوق الإسرائيلي عبر شركة «فينيكس المالية المحدودة» (Phoenix Financial)، علماً أن الأخيرة هي إحدى أكبر المؤسسات المالية في تل أبيب، التي تموّل بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وهي مُدرجة على قائمة الأمم المتحدة للشركات المتورّطة في بناء المستوطنات، حسبما أشار إليه موقع «ميدل إيست آي» البريطاني. وكانت أكّدت لجنة الشؤون المالية في مجلس الشيوخ الأميركي، في تقرير نُشر في 24 أيلول 2024، أن الصندوق السعودي التزم بتمويل للشركة المذكورة قيمته مليارا دولار، خلال الفترة الممتدة من حزيران 2021 إلى آب 2026.

كذلك، شرّعت الرياض أسواقها أمام شركات إسرائيلية؛ إذ كشفت صحيفة «غلوبس» الإسرائيلية أن السعودية أصبحت في عام 2024 «المحرّك الرئيسي» لنمو شركة «Cyber Ark»، وهو مركز بحث وتطوير يدار من بئر السبع المحتلة، وتحديداً من مجمع «غاف يام نيغيف». وبحسب توم لاوندز، وهو رئيس مبيعات الشركة لمنطقة الشرق الأوسط، فإن نحو 40% من إيرادات الشركة تأتي من المملكة، وإن «Cyber Ark» تخدم «أكثر من 50 عميلاً سعودياً»، وتسعى لـ«مضاعفة» أعمالها خلال السنوات القادمة، رغم غياب التطبيع الرسمي بين الجانبين.

وسبق أن كشفت وكالة «بلومبرغ»، في عام 2022، عن استعانة الرياض، عبر وزارة المالية، بشركة «Rothschild & Co» للمساعدة في «الإشراف على هيكلة أكبر تكتل للبناء في المملكة، وهو مجموعة ابن لادن السعودية». ورغم أن الشركة المشار إليها هي شركة استثمارات مالية دولية مقرّها الأساسي في باريس، إلا أن الإعلان عن هذه الصفقة جاء متزامناً مع فتح الشركة مكتباً تمثيلياً لها في الأراضي المحتلة، وذلك في آب 2022، قالت إنه «يهدف إلى توسيع عملها في السوق الإسرائيلية والخدمات المقدّمة هناك»، وهو ما تبعه إنشاء مكتب تمثيلي في الرياض أعلنت افتتاحه رسمياً في 18 شباط 2024.

وبالإضافة إلى ما تقدّم، سُجّلت لقاءات سعودية – إسرائيلية حتى خلال حرب الإبادة، على غرار التقاء وزير التجارة السعودي ماجد بن عبد الله القصبي، مع وزير الاقتصاد والصناعة الإسرائيلي نير بركات، على هامش مؤتمر «منظمة التجارة العالمية» في أبو ظبي في 26 شباط 2024. وفيما نفت «وكالة الأنباء السعودية» الرسمية التخطيط المُسبق للقاء، علّق مكتب بركات عليه بالقول إن «البلدين قادران على صنع التاريخ معاً».

ورغم النفي السعودي للقاء المذكور، شارك الإعلامي السعودي، عبد العزيز الخميس، في تموز الماضي، في جلسة نظّمها «اللوبي للترويج لترتيب أمني إقليمي»، في الكنيست الإسرائيلي. وحتى الآن، لم تعلّق الحكومة السعودية رسمياً على تلك الزيارة، علماً أن خميس تحدّث خلال الجلسة حول ضرورة «حل الدولتين» كشرط لإقرار التطبيع، مؤكداً أن الأميركيين والسعوديين يشتركون في هذا الموقف، حسبما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية وغربية.

هكذا، وعلى الرغم من أن 96% من المواطنين السعوديين يُعارضون التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، تتحرّى السعودية السبل التي تتيح لها المضيّ في هذا الطريق مستقبلاً، وإن أزاحته من واجهة أجندتها راهناً، من دون أن تبطل اشتغالها على محاربة كلّ من تجمعهم بإسرائيل علاقة عداء. على أن بعض المراقبين، ومن ضمنهم إبراهيم، يذهبون إلى أن «العلاقات السعودية - الإسرائيلية تجاوزت مرحلة التطبيع وانتقلت إلى مرحلة التحالف»، وأن «التسهيلات بأشكالها الاقتصادية والعسكرية والأمنية والإعلامية هي عناصر ثابتة في هذا التحالف»، بحسب قوله.