سامية عبدالله- شؤون خليجية - في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، تقدمت روسيا بمبادرة سياسية لحل الأزمة السورية تبناها بالإجماع مجلس الأمن الدولي وسط غياب ملحوظ لأي مبادرة أو طرح خليجي رغم الجولات السياسية الكثيفة التي شاركت فيها دولا خليجية أبرزها السعودية وقطر مع روسيا. فهل تجاهل الدب الروسي حلفاءه بالخليج وبخاصة الرياض، واتجهت موسكو للميل باتجاه تحالفها مع إيران ونظام بشار الأسد، ونجحت باعتبارها عضو دائم بمجلس الأمن بتمرير هجين من "المبادرة الروسية الإيرانية السورية" التي لا تقترب من قريب أو بعيد بمستقبل بشار الأسد.
أم أن هناك احتمالات أخرى تتعلق بتفاهمات غير معلنة تردد الحديث عنها مؤخرًا تتعلق بتنازلات سعودية بالملف السوري ببقاء الأسد مقابل تنازل إيران المتحالفة مع الحوثي "الشيعة المسلحة" بتسوية القضية بالانسحاب من المدن اليمنية، إلا أن الدولة السعودية نفت بشدة هذه التحليلات وتمسكت بموقفها الثابت برفض بقاء الأسد، مؤكدة حصاد النجاحات باليمن بجهد خالص للمقاومة الشعبية والقوات الموالية للرئيس هادي وقوات التحالف العربي.
فهل تصمت دول الخليج إزاء تفاهم أممي يبقي نظام بشار الأسد وجرائمه ويعزز من التمدد الإيراني بالعواصم العربية عبر دمشق ويطوق الرياض بالحرس الثوري الإيراني وميلشيات إيرانية المتحالف معه؟
مجلس الأمن بدعم المبادرة الروسية
وكان قد أعلن مجلس الأمن الدولي، أمس الاثنين، دعمه لخطة سلام جديدة في سوريا تبنتها للمرة الأولى خلال عامين روسيا والدول الـ 14 الأعضاء الأخرى، وتعتبر هذه الخطة أول خطة سياسية تتعلق بالنزاع السوري تتفق عليها جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بالرغم من التحفظات التي أعربت عنها فنزويلا.
والمبادرة التي ستنطلق في سبتمبر المقبل ستتيح تشكيل 4 مجموعات عمل حول الأمن والحماية ومحاربة الإرهاب والمسائل السياسية والشرعية وكذلك إعادة الإعمار، ودعا مجلس الأمن إلى وضع حد للحرب من خلال "إطلاق عملية سياسية تقودها سوريا نحو عملية انتقالية سياسية تعبر عن التطلعات المشروعة للشعب السوري".وتتضمن المرحلة الانتقالية "تشكيل هيئة قيادية انتقالية مع سلطات كاملة، على أن تشكل على أساس تفاهم متبادل مع تأمين استمرارية عمل المؤسسات الحكومية".
وساند بيان الأمم المتحدة خطة "دي ميستورا" للعمل من أجل "مفاوضات سياسية وانتقال سياسي" على أساس بيان جنيف، وهي خريطة طريق تبنتها القوى العالمية في يونيو من عام 2012، وتدعو إلى انتقال سياسي، ولكنها لم تحسم مسألة دور رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ويرى مراقبون أنه في حال وقوع احتمال بتجاهل موسكو للسعودية وقطر في هذه المبادرة خاصة ما يتعلق بشأن رفض الدولتين الخليجيتين بقاء بشار الأسد فإن ذلك يشكل لطمة قوية للرياض والدوحة عقب حراك سياسي نشط كان يؤشر على تفاهمات مشتركة، وليس قرار مفاجئ من قبل روسيا.
موقف فرنسي صادم
ليس روسيا وحدها، بل فرنسا أيضا التي باركت تفاهم مجلس الأمن حيث وصف مساعد الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، ألكسي لاميك، هذا التفاهم حول المبادرة الروسية من أجل محادثات سلام بأنه "تاريخي".وقال: "للمرة الأولى خلال عامين، يتوحد مجلس الأمن ويوجه رسالة دعم لعملية سياسية في سوريا".
ورغم أن الرئيس الفرنسي ولأول مرة حضر القمة التشاورية الخليجية بالرياض في 5 مايو 2015 التي أكد فيها الملك سلمان بن عبد العزيز العاهل السعودي على عدم وجود أي دور لنظام بشار الأسد في مستقبل سوريا، وأعرب القادة فيها عن بالغ قلقهم من استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية للشعب السوري نتيجة استمرار نظام الأسد في عمليات القتل والتدمير واستخدام الأسلحة الثقيلة والطيران والغاز السام، ما نتج عنه قتل مئات الآلاف من السوريين وجرح وتشريد الملايين منهم، مؤكدين على الحل السياسي للأزمة السورية وفقاً لبيان «جنيف1».
ما يجعل الموقف الفرنسي صدمة أخرى للجانب الخليجي وللسعودية تحديدا ويخالف تصريحات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالقمة بأن «التهديدات التي تواجه الخليج تواجه فرنسا أيضاً»، مبدياً رغبته في أن «نكون حليفاً قوياً وموثوقاً لدول الخليج».
في حين دعمت فرنسا البيان ولا يتبني مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوا بياناته إلا بالإجماع، وقد صاغت البيان الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس، الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، في أعقاب تقرير قدمه وسيط الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا قبل نحو ثلاثة أسابيع.
واقترح دي ميستورا دعوة الأطراف المتحاربة في سوريا إلى المشاركة في أربع مجموعات عمل ترأسها الأمم المتحدة، بشأن كيفية تنفيذ خريطة طريق إلى السلام؛ لأن هذه الفئات ليست مستعدة بعد لعقد مباحثات سلام رسمية.وطالب البيان كل الأطراف بالعمل من أجل تنفيذ بيان جنيف الذي يشتمل على "إنشاء هيئة حاكمة انتقالية تشمل جميع الأطراف ولها سلطات تنفيذية كاملة"
ويعني البيان، بحسب مراقبين، المساواة في المشاركة بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية المقاومة له في إطار لتقاسم السلطة، رغم اتهام الأسد بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق ملايين السوريين.
جرائم الأسد
ويبدو أن روسيا حسمت موقفها بعدم تأييد موقف الخارجية السعودية ووزيرها عادل الجبير الذي أعلن في أول زيارة لموسكو، بالمؤتمر الصحفي، بإعلانه أن «المملكة لم تغير موقفها تجاه الأزمة السورية، وأنه لا صحة على الإطلاق لأي تصريحات تقول بغير ذلك».
وأضاف الجبير بصراحة وبشكل أكثر مباشرة أن «بشار الأسد جزء من المشكلة، وليس جزءا من الحل. وهو أحد الأسباب الرئيسية في نمو (داعش)، لأنه لم يوجه سلاحه خلال السنة الأولى ضد تشكيلاتها الإرهابية، بل وجهه ضد شعبه». بل ومضى إلى ما هو أبعد حين قال إن «الأسد انتهى»، وإنه من الأفضل أن يرحل عبر «عملية سلمية»، حتى لا يتم إرغامه على الرحيل عبر «عملية عسكرية»، بعد أن فقد الشرعية وتسبب في مقتل 300 ألف وتشريد ما يزيد على 12 مليونا من السوريين.
رغم تصوير المجازر اليومية لنظام بشار الأسد بحق المدنيين السوريين والتشريد والنزوح والمقابر الجماعية جاء موقف الأمم المتحدة رخوا ومتأثرا بالموقف الروسي الذي يميل للموقف الإيراني، والتي حشدت بقوة طاقتها السياسية بالفترة الأخيرة للحفاظ على حليفها الاستراتيجي بالمنطقة بشار الأسد، حيث جاء التفاهم بمجلس الأمن متسقا مع مضمون مبادرتها حيث نشرت وكالة فارس الإيرانية، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، تفاصيل المبادرة الإيرانية بخصوص سوريا، وادعت أن المبادرة قدمت للتشاور لكل من تركيا وقطر ومصر ودول أعضاء مجلس الأمن، مع استثناء السعودية.
وقالت وكالة "فارس" نقلا عن مصدر إيراني تفاصيلها بوقف فوري لإطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين.
ويقدم التفاهم الأممي ما يشبه الخروج الآمن لبشار في حين لم يتطرق بيان الأمم المتحدة إلى مجزرة "دوما" بريف دمشق الشرقي، التي وقعت أمس الاثنين، وقتل فيها أكثر من 100 مدني في قصف شنته طائرات النظام السوري الحربية، بقنابل فراغية.
دعم روسي عسكري
ليس فقط دعم سياسي داخل مجلس الأمن بل أرسلت روسيا مؤخرا إلى مطار المزة العسكري فى دمشق 6 طائرات من طراز ميغ — 31، وذلك في إطار اتفاق التسلح المعقود بين روسيا وسورية، حيث رافقت الطائرات الروسية طائرة نقل وقود لتزويدها في الجو، وتستمر روسيا في تسليح سوريا وقد سلمتها العديد من صواريخ كورنت 5 المتطورة، كما سلمتها مدفعية ميدان روسية من عيار 130 ملم، ضمن خطة التسلح التي تم توقيعها منذ 3 سنوات بين روسيا وسوريا.
وتعد هذه الخطوة الجريئة من قبل روسيا ضربة قاضية أولى لكل المحادثات التي جرت بين روسيا ودول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية ووفود المعارضة السورية التي زارت روسيا مؤخراً، والتأكيد بأن روسيا ستستمر بدعم القيادة الشرعية في سورية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد.