أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-
بصرف النظر عن التسريبات الاعلامية عن بريد السفير الاماراتي وما جاء به بخصوص رغبة سعودية للخروج من المأزق الذي وضعت نفسها به في اليمن، وبصرف النظر عن التوقيت والملابسات والاهداف، فإن ما يهمنا هنا امرين: الاول، ان هذه الخطوة ليس مصدرها الوحيد هو التسريبات وانما لها شواهد متعددة وهو يصب في صالح التسريبات ويؤكد الخطوة.
والثاني، انها خطوة جيدة ينبغي البناء عليها والتقاطها كطوق للنجاة وسط بحر متلاطم الامواج من الاحتقان والصدام والثارات والتي قسمت الامة الاسلامية وتسببت في شلالات من الدماء.
وليس المقال هنا لاصدار احكام على المتسبب في الحال البائس الذي وصلت اليه الامة وارتد على حال الخليج ليشكل عنوانا لبؤس الحال بعد الانقسامات الحادثة به والتي ابطلت التندر بتماسكه وسط تفتت الوطن العربي.
وليس المقال ايضا محاكمة لمن تسببوا في الفتن ومولوا الارهاب وزرعوا بذور التكفير ورووها لتثمر نبتا شيطانيا يطيح بوحدة الامة بل وبوحدة اقطارها ليخدم مخططات التقسيم الاستعمارية.
وانما المقال هنا محاولة لالتقاط خيط يمكن ان ينسج منه انطلاقة لتصحيح الاخطاء والعودة للمسار الصحيح وانقاذ ما يمكن انقاذه او على الاقل منع مزيد من الانهيارات وحقن دماء مستجدة.
لا نظن ان مايشغل الشعب اليمني الان وسط محنته ووسط مقاومته التوقف للمحاكمة او رفض اي وضع لوقف المأساة، وانما همه ومصلحته تكمن في ايقاف العدوان وان يجنح للسلم طالما جنحت السعودية اليه وهو مبدأ ديني وسياسي في آن واحد.
وعلى الجانب السعودي والخليجي المشارك تحت عنوان التحالف، لا نظن ان عنوان اللحظة هو الكبر او حفظ ماء الوجه وانما وقف العدوان ومنع المزيد من سوء السمعة والمزيد من الاحتقان والغضب والثارات بين الشعوب.
ان العامين الماضيين اثبتا بما لا يدع مجالا لشك حقيقة ان الشعوب الحرة لا تقهر بعدوان وغارات وحصار مهلك.
وان احترام الشعوب والحوار والتفاهم على المصالح المشتركة وطمأنة الهواجس المختلفة هو السبيل لتحقيق اي مكاسب سياسية.
وهذه الحقيقة من المفترض ان تكون امام جميع الدول لتقيها من الخسائر المادية والمعنوية وتوفر وقتها وجهدها ومواردها، الا ان هناك من عاندوا وحاولوا تجريب المجرب!
ينبغي على كل الحريصين على حماية الامة من انهيارات مضافة وعلى كل الغيورين على اليمن والمتضامنين مع شعبها ومظلوميتها ان يشجعوا خطوة كهذه وان ييسروا سبلها دون النظر الآن للماضي البعيد او القريب وان يعملوا في ظل القاعدة "درء المفاسد اولى من جلب المنافع"، والدرء ليس له سوى وقف هذه الحرب التي لا تحقق الا الصالح الامريكي والصهيوني، سواء على مستوى بيع السلاح او تجريبه عمليا وكذلك على مستوى الاستخبارات وكسب مواطئ جديدة للاقدام دفع مقاوموا التحرر العربي اثمانا وتضحيات كبرى لاخراج الاستعمار منها.
في عالم يتجه لتوازنات جديدة وبؤر مشتعلة قد تنتقل لخارج الاقليم، لا ينبغي لاي غيور ان تكون امتنا ساحة للتدريب والامداد اللوجستي ولوحة للنيشان على مصالح الاطراف المتصارعة او مخزنا للاسلحة او بنكا للانفاق على الحروب العالمية.
ليس هذا دور امتنا وليس هذا دور الخليج، وانما ينبغي ان يكون تكتلا ضد الاستعمار وان يندمج مع امته العربية والاسلامية لتشكيل قوة كبرى عالمية لها وزنها واحترامها ولها اسهامها الحضاري ومنعتها ضد اي اطماع.
نرجو ان يكون السعي السعودي لتسوية الازمة صادقا وليتوقف التقييم الان والحكم على الخطوة بانها صادقة او مناورة او انها رجوع للحق ويقين بعبثية العدوان او خروج وفرار وهزيمة، وليرتفع صوتا واحدا فقط، الا وهو تشجيع الخطوة والسعي لتيسيرها وانهاء هذه المأساة التي تضر جميع الشعوب ليس في الحاضر فقط وانما الاخطر تداعياتها المستقبلية ووراثتها بين الاجيال.