الحياة السعودية-
يواجه الاتحاد الأوروبي معضلة جدية في التصدي لخطر «داعش» الإعلامي لانه لم يعد « مشكلة خارجية بالنسبة إليه، بل ظاهرة معولمة تهدد الأسس التي يقوم عليها، فالتهديدات الخارجية لها استمرار وتواصل مع الداخل»، وفق بيان للمفوضية الأوروبية.
ليس بمقدور أوروبا إخفاء حقيقة أنها تفتقد استراتيجية واضحة قادرة على التعامل مع الخطر الجديد على المستويين المؤسساتي والمجتمعي، ما زاد الضغوط على المفوضية الأوروبية لتكريس أكبر مقدار من الجهود بحثاً عن الطرق الفعالة للمواجهة، وهي لذلك عقدت العشرات من المؤتمرات والندوات المتخصصة التي شارك فيها أبرز الباحثين والأكاديميين والخبراء المتخصصين في مسائل الدعاية والميديا المعاصرة وتقنياتها الجديدة. ورافقت ذلك اجتماعات للقادة السياسيين لوضع استراتيجية شاملة تكللت بتبني الاتحاد ما سماه «خطة ملموسة وطموحة» للتصدي لحملات الدعاية التي تشنها التنظيمات الجهادية المتطرفة لكسب عقول الشباب وقلوبهم وجذبهم للانخراط في صفوفها أو لتنفيذ هجمات إرهابية ضد بلدانهم ومجتمعاتهم.
وقالت مفوضة الشؤون الخارجية والأمنية الأوروبية فيديريكا موغيريني في هذا الشأن: «من الضروري التركيز على خطة وقائية بدل الخطة العقابية القمعية». وكانت نتائج استطلاع للرأي أجرته محطة « سكاي نيوز» قال إن أربعة من كل 10 مسلمين في بريطانيا يحمّلون الشرطة وجهاز الاستخبارات مسؤولية دفع الشباب نحو الحركات الأصولية، وإن ربع المسلمين البريطانيين يتعاطفون مع الذين ذهبوا للقتال في سورية.
«داعش في مواجهة معنا، وسلاحه هو صور رهيبة وغير إنسانية، بعض الناس يدعون الى حذف محركات البحث نتائج المحتوى حين ينقر أحدهم كلمة «داعش» أو جهاد، فلا يجد الباحث ما يريد». هذا ما قالته فيكتوريا غراند، مديرة الاستراتيجيا في غوغل، وأكدت « أن هذا غير ممكن، لأن البحث تعليمي يتناول أصول هذه المنظمة، ويطلع الناس على أخطارها وعنفها القبيح».
يحتاج الإنسان في عالم اليوم، وفق الخبير سكوت هايم، إلى المعلومات والأخبار وحيازة الوثائق، إذ إن شـــريط فيــديو فيديو يصور قيام «»داعش» بإعدام عدد من الرهائن هـــو دعاية وحادث وقع في آن واحد». ويكشف التقرير السنوي الذي تصدره الخارجية الأميركية حول الإرهاب في العالم ارتفاعاً كبيراً في العمليات الإرهابية بزيادة تبلغ 35 في المئة خلال عام 2014 مقارنه بعالم 2013.
أذرع إعلامية «داعشية»
نجحت الأذرع الإعلامية التي يديرها «داعش» في إظهار قوته. ومكنته وسائل الميديا وما يصدره من مجلات متنوعة باللغتين العربية والإنكليزية ورقية وإلكترونية وعلى مستوى عال من تقنيات الميديا الحديثة من جذب الأنظار إليه في كل مكان، ولا سيما بعد بثه أفلاماً ذات طابع هيولودي هدفها تلميع صورته وإرهاب عدوه وجذب الأنظار إليه، إلى درجة أنه بات مدرسة في «الإعلام الجهادي» تقتدي به الفصائل الجهادية الأخرى المنافسة.
يملك التنظيم سبع أذرع إعلامية يبث من خلالها العنف والإرهاب حول العالم، وهي: أجناد، الفرقان، الاعتصام، الحياة، إذاعة البيان، مجلة وموقع دابق و90 ألف صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة الفايسبوك وتويتر. ويروج التنظيم لأفكاره بـ12 لغة في جميع أنحاء العالم مستخدماً لذلك الإنترنت والتكنولوجيا. وذكر الباحث المصري صبرة القاسمي في دراسة له، أن «لدى التنظيم متطوعين من مختلف الدول يجلسون أمام الكومبيوتر 12 ساعة في اليوم وينشرون البيانات التي يصدرها ويرصدون كل ما ينشر عن التنظيم في الصحف والمواقع الإلكترونية في العالم، ويحــللون ردود الفعل المصاحبة لبث أفلام الفيديو من جانب المشاهدين والمتلقين. ووفق دراسة أعدها معهد «بروكينغز»، فإن «نجاح داعش في شبكات التواصل الاجتماعي يعود إلى مجموعة من المستخدمين ذوي النشاط غير العادي، وعددهم بين 500 الى 2000 شخص».
وحدات مواجهة إلكترونية
أطلقت مجموعة بحثية مشروع «مواجهة التطرف في أوروبا» عبر مكاتب لها في عدد من العواصم الأوروبية، وذلك بهدف وقف تمدد تنظيم الدولة الإسلامية على شبكات التواصل الاجتماعي، والقيام بحملات إعلامية وإعلانية لتقويض التنظيم رقمياً وتحديداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال مديره أوغست هاننيغ رئيس الاستخبارات الألمانية سابقاً: «ينبغي أولاً أن نعرف جذور هذه التهديدات ومن يمول هذه الجماعات ويساعدها على التنامي والانتشار».
شكل الاتحاد الأوروبي وحدة متخصصة في جهاز الشرطة الأوروبية « يوروبول» تقوم بتعقب حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي لها علاقة بتنظيم «داعش» وحجبها، وذلك بعد ساعة واحدة فقط على ظهورها. وسيعمل هذا الفريق مع شركات التواصل الاجتماعي لتحديد هويات زعماء التنظيم على الإنترنت». وتشير دراسات أوروبية وأميركية إلى أن لدى التنظيم أكثر من 46 ألف حساب على تويتر ينجح في استقطاب الأنصار والداعمين في كل العالم.
الوحدة التي عدد أفرادها 15 إلى 20 شخصاً ستتابع مستخدمين رئيسيين لشبكات التواصل الاجتماعي يقومون بنشر آلاف التغريدات ويديرون حسابات تستخدم لاستقطاب المتطوعين والمقاتلين. وأكدت إدارة «اليوروبول» أنها ستستند في عملها إلى عقد من الخبرة في مراقبة المواقع المتطرفة على الإنترنت، إضافة الى «المعرفة الواسعة بالمحتوى المتطرف والقدرات اللغوية الجيدة ومن بينها إتقان اللغة العربية».
وعلى المستوى الوطني وبشكل منفصل عن الاستراتجية الأوروبية العامة، سارعت الحكومات على المستوى هي الأخرى إلى وضع خطط لمواجهة «داعش» في إطار السياسة الأوروبية الشاملة، وفي هذا السياق أنشأ الجيش الفرنسي خلية على شبكة الإنترنت تضم 50 خبيراً عسكرياً للحد من تأثير «داعش» في الفضاء الإلكتروني. وقالت صحيفة « لوموند» إن الجيش سيستعيد أساليب فائقة الحساسية من تجربته في حرب الجزائر، إذ بالإضافة إلى العمليات النفسية التقليدية، ستُنشَأ مواقع وتُفتح حسابات على مواقع التوصل الاجتماعي لمواجهة دعاية التنظيم، على غرار ما قام به الجيش الأميركي من خلال موقع « مغاربية دوت كوم» إضافة إلى كل الأساليب التي يمكن تصورها في عالم الإنترنت.
ومن مهمات الخلية أيضاً توقع حملات الجماعات الجهادية لاستهداف المجندين، والرد السريع على الدعاية التحريضية والعنفية بنشر الرسائل والصور، وهذا سيحصل بالتشاور مع علماء النفس للتأثير على الجمهور المستهدف من «داعش».
وأطلقت وزارة الداخلية الفرنسية أيضاً موقعاً جديداً على الإنترنت لمكافحة الدعاية الإرهابية في وسائل الاتصال الاجتماعي انطلاقاً من كونها البيئة الخصبة لاجتذاب الشباب والتغرير بهم، ويركز موقع (www.stop-dihadisme.gouv.fr) على إيصال مجموعة من الرسائل، معتمداً على الصورة والكلمة والطريقة الحوارية من أجل دحض ادعاءات هذه التنظيمات، ويبث أيضاً مقاطع فيديو قصيرة تبين أكاذيب هذه الجماعات.
وعلى هامش منتدى الإعلام العالمي الذي نظمته مؤسسة DW في بون في حزيران (يونيو) الماضي، بحث عدد من الخبراء في وضع طرق لمواجهة التطرف الديني على الإنترنت، وشدد نائب مدير معهد مونتريال لدراسات حقوق الإنسان والإبادات الجماعية كايل ماثيوس، على ضرورة تطوير أفكار مضادة لتلك التي يطرحها المتطرفون عبر الإنترنت.
بريطانيا هي الأخرى وضعت سياسة وطنية لمواجهة «داعش»، وطالب رئيس جهاز المخابرات الداخلية البريطاني (أم آي5) أندرو باركر بمنح أجهزة الأمن المزيد من الصلاحيات لمجاراة التكنولوجيا التي يستخدمها المتشددون. وأقر بأن أجهزة الأمن الأوروبية تواجه صعوبة أكبر في منع وقوع هجمات المتشددين الذين يستفيدون من التطورات التكنولوجية لإخفاء خططهم عن السلطات المعنية.
اختلال الموازين
يعترف المحلل أنتوني دووركين من المجلس الأوروبي للسياسة الخارجية بأن «الميزان يميل لصالح ضمان الأمن بعيداً جداً من التقيد باحترام الحريات المدنية». وقال مسؤول في مكافحة الإرهاب في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي»: «قد لا تكون النتائج مضمونة تماماً». وعلى الرغم من أن 15 دولة من أصل 28 في الاتحاد الأوروبي اعتمدت على أنظمة تبادل معلومات خاصة بها ومصممة على شكل اتفاقات قائمة حالياً مع الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، فإن البرلمان الأوروبي يصر على ضرورة تبني قوانين لحماية البيانات قبل أن تعتمدها الدول الأوروبية.
وترى كامينو مرتيرا مارتينيز من «معهد الإصلاح الأوروبي»، أن أنظمة تبادل المعلومات موجودة، ولكن لا يمكن استخدامها دائماً. إذا كان الإرهابيون أذكياء قليلاً فإنهم يستطيعون إيجاد ثغرات».