علاقات » اميركي

إعمار الإماراتية تدخل السوق الأمريكي باستثمار ضخم يعيد خريطته السكنية

في 2025/10/29

طه العاني - الخليج أونلاين

تسعى شركات التطوير العقاري العالمية إلى اقتناص الفرص داخل السوق الأمريكي الذي يشهد واحدة من أكبر أزمات السكن في تاريخه الحديث، مع اتساع الفجوة بين الطلب المتزايد والمعروض المحدود.

ويأتي هذا التحرك في وقت ترتفع فيه أسعار المنازل والإيجارات بوتيرة غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، مدفوعة بارتفاع تكاليف البناء ونقص الأراضي والمساكن الميسّرة، ما يفتح الباب أمام دخول لاعبين دوليين يمتلكون الخبرة ورؤوس الأموال الضخمة.

استثمار ضخم

وفي إطار ذلك أعاد إعلان مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية الإماراتية محمد العبار، تسليط الضوء على عمق أزمة السكن في الولايات المتحدة، بعدما وصف العبار النقص في المعروض السكني بأنه "كارثة حقيقية"، داعياً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جعل هذا الملف أولوية وطنية.

وقال العبار في تصريحات نقلتها وسائل إعلام اقتصادية أمريكية، في 22 أكتوبر 2025: إن "الحديث عن السيارات الذاتية القيادة ومراكز البيانات مهم، لكن الناس بحاجة إلى منزل أولاً".

وأوضح العبار أن شركته مستعدة لتنسيق تحالف استثماري يجمع نحو 400 مليار دولار من رؤوس أموال محلية ودولية، بهدف ضخها في قطاع الإسكان الأمريكي لمعالجة اختلالات العرض والطلب التي تعمّقت خلال السنوات الأخيرة.

ويُعد هذا الرقم من بين أضخم المبادرات الاستثمارية المقترحة في السوق العقاري الأمريكي، إذ يعادل تقريباً ميزانية الإسكان الفدرالية للولايات المتحدة لعدة أعوام.

ويرى محللون أن هذا الطرح يعكس رغبة الشركات الخليجية، وفي مقدمتها "إعمار"، في تنويع محفظتها العقارية خارج الأسواق التقليدية، عبر التوسع في دول تملك مقومات اقتصادية مستقرة وفرص نمو مرتفعة في قطاع التطوير السكني.

كما يعكس استعداد رأس المال الإماراتي للمشاركة في حلول اقتصادية كبرى تتجاوز الإطار التجاري إلى التأثير في البنية الاجتماعية والاقتصادية للدول المتقدمة.

ويواجه سوق الإسكان الأمريكي حالياً فجوة كبيرة جعلت أسعار المنازل ترتفع بنحو 40%، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وفي المقابل بلغ متوسط سعر المنزل في بعض الولايات 420 ألف دولار، وهو ما ساهم في تراجع القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، وفق بيانات "فريدي ماك".

وفي هذا السياق يمكن لتحرك إعمار أن يشكل أحد أكبر التدخلات الاستثمارية الأجنبية في تاريخ قطاع الإسكان الأمريكي، إذا ما جرى تحويل التصريحات إلى خطة تنفيذية واقعية.

ويُذكر أن شركة إعمار التي تأسست في دبي عام 1997، تمتلك أصولاً تفوق 100 مليار درهم (27 مليار دولار)، وتُعرف بخبرتها في تطوير مشاريع عمرانية كبرى مثل "برج خليفة" و"دبي مول"، ما يمنحها رصيداً من القدرات الفنية والتمويلية يؤهلها لدخول سوق العقارات الأمريكي بثقة.

وكشفت تقارير، في سبتمبر الماضي، عن خطط "إعمار" الإماراتية لاستحواذات استثمارية كبرى في أمريكا وآسيا وأوروبا، وفق استراتيجية مدروسة للتوسع عالمياً.

فاعل استراتيجي

ويشير الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله إلى نية شركة "إعمار" المعلنة للتشابك مع أزمة الإسكان الأمريكية، حيث تحدث مؤسسها عن فكرة تمويل برامج إسكان واسعة النطاق. ويعتقد أن هذا الموضوع ليس سهلاً ويتوقف على متطلبات عديدة.

ويلفت في حديثه مع "الخليج أونلاين" إلى أن الأمر لا يقتصر على التمويل، بل يتعلق أيضاً بالجزء التنظيمي، فكل ولاية أمريكية لديها قوانين بناء وتشريعات محلية مختلفة، إضافة إلى تكاليف الأراضي والعمالة.

ويرى الدكتور ذكر الله أن تأمين هذه المتطلبات يتطلب تنازلات أو تعديلاً تشريعياً قد يستغرق وقتاً ليس بالقليل.

ويضيف: بافتراض تعديل التشريعات، يمكن لـ"إعمار" أن تجمع رأس مال خليجي كبير للبناء.

ويعتقد ذكر الله أن "إعمار" وحدها تحتاج إلى الشراكة أو الاستحواذ على مطورين محليين لتوفير الوقت والجهد، إضافة إلى تبني نماذج تمويل مبتكرة، مؤكداً أن دخول مطور خليجي بهذا الحجم يعد حدثاً تاريخياً، نظراً لضخامة رأس المال وسرعة الدخول.

ويوضح أن "إعمار" ستتحول من مشترٍ للأصول الفاخرة إلى فاعل استراتيجي يعيد تشكيل السوق العقاري الأمريكي بأكمله، لافتاً إلى أن نجاح الصفقة له تأثيرات سياسية ودبلوماسية واقتصادية وتأثيرات متوسطة الأجل على السياسات التشريعية.

ويرى ذكر الله أن نجاح "إعمار" في إحداث تغيير تشريعي وتغلبها على مشكلة العمالة سيغير نمط المنافسة في السوق الأمريكي عبر ضغوط سعرية وتحالفات جديدة.

ويوضح أن الانعكاسات ستكون استثمارية وسياسية، حيث ستعزز تدفق رأس المال وخلق الوظائف في قطاعات الإنشاءات، وهذا سيعزز الروابط الثنائية الإماراتية الأمريكية ويؤثر جيوسياسياً بصورة كبيرة خلال الفترة القادمة.

أزمة السكن الأمريكية

وتشهد الولايات المتحدة أزمة إسكان غير مسبوقة، إذ تشير أحدث بيانات تطبيق البحث العقاري "زيلو" إلى وجود عجز يفوق 4.7 ملايين منزل على مستوى البلاد، رغم موجة البناء القياسية التي شهدتها السنوات الخمس الماضية.

ويُعزى ذلك العجز إلى استمرار التفاوت بين نمو عدد الأسر الجديدة الذي بلغ 1.8 مليون أسرة في عام 2023، مقابل إضافة 1.4 مليون وحدة فقط إلى المعروض السكني، ما زاد الفجوة بنحو 159 ألف وحدة خلال عام واحد.

ويصف خبراء العقارات هذه الفجوة بأنها "مشكلة عرض مزمنة"، إذ يظل الطلب من المقترضين قوياً، لكنه يواجه اختناقات ناجمة عن نقص المخزون وارتفاع تكاليف التمويل.

وقال كبير الاقتصاديين في "زيلو" أورف ديفونجي: إن "الحقيقة المؤسفة هي أننا ما زلنا نعاني من نقص في المساكن لمن يحتاجونها"، مشيراً إلى أن قطاع البناء "ساهم في الحد من تفاقم الأزمة، لكنه لم يبدأ بعد في سد الفجوة"، بحسب تصريحات أدلى بها لموقع الشركة في تقريرها الصادر في سبتمبر 2025.

وتُظهر المؤشرات كذلك تدهوراً واضحاً في القدرة على تحمل التكاليف؛ فوفقاً لتحليل "زيلو"، تحتاج الأسرة الأمريكية ذات الدخل المتوسط إلى زيادة سنوية في دخلها بنحو 17,670 دولاراً لتتمكن من شراء منزل نموذجي بدفعة أولى تبلغ 20%، مقارنة بمستويات ما قبل عام 2019.

ويعكس ذلك ضغطاً متزايداً على الطبقة المتوسطة ومشتري المنازل لأول مرة، في ظل ارتفاع الفوائد العقارية وتكلفة المعيشة.

وفي موازاة ذلك تناول تقرير CNN، في 21 أكتوبر 2025، البعد السياسي للأزمة، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حمّل كبرى شركات البناء مسؤولية ارتفاع الأسعار، واتهمها بالاحتفاظ بملايين الأراضي غير المطوّرة لخلق شح مصطنع في المعروض.

كما كشفت الشبكة عن أن ترامب يدرس إعلان "حالة طوارئ وطنية للإسكان "لمعالجة الارتفاع الحاد في الأسعار، في حين يرى خبراء أن جذور الأزمة تعود إلى تراجع وتيرة البناء منذ أزمة 2008، وعدم تعافيها بالكامل حتى اليوم.

أما من منظور اقتصادي أوسع، فقد أشار تحليل صادر عن بنك "غولدمان ساكس" إلى أن تخفيف القيود على استخدام الأراضي يمكن أن يضيف نحو 2.5 مليون وحدة سكنية جديدة خلال العقد المقبل، ما يكفي لسد ثلثي الفجوة الحالية.

وتُعد ولايات تكساس وفلوريدا استثناءً نسبياً بفضل قوانينها المرنة، إذ سمحت سياسات البناء الواسعة هناك بتوازن أكبر بين العرض والطلب، وهو ما أشارت إليه بيانات الاتحاد الوطني لبناة المنازل (NAHB)، معتبرةً أن هذه التجربة قد تمثل نموذجاً للأسواق التي يمكن أن تستفيد من ضخ استثمارات ضخمة مثل تلك التي يقترحها محمد العبار وتحالفه الإماراتي لإنعاش سوق الإسكان الأمريكي.

وقد يشكل دخول "إعمار" إلى سوق الإسكان الأمريكي نقطة تحول في مسار الاستثمار الخليجي العالمي، إذا تحوّلت خططها إلى تنفيذ فعلي واسع النطاق؛ فالمعادلة القادمة قد تجمع بين رأس المال الإماراتي والخبرة الأمريكية لإعادة رسم خريطة الإسكان في أكبر اقتصاد بالعالم.