في 2025/08/07
إبراهيم شاكر - الخليج أونلاين
تسابق المملكة العربية السعودية الزمن لتمكين الجيل الحالي والأجيال القادمة في مجال الذكاء الاصطناعي، لمواكبة التطورات المذهلة والمتلاحقة التي يشهدها هذا القطاع عالمياً، ولضمان موضع قدم لها في هذا السباق العالمي الذي لا يتوقف.
وفي هذا السبيل أنشأت المملكة "الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي – سدايا"، والتي بدورها أطلقت مبادرات عديدة لجعل الذكاء الاصطناعي في متناول جميع السعوديين، وتمكين الشباب من الاحتراف في هذا القطاع الحيوي والواعد.
مبادرة "سماي" التي أطلقت أول مرة في سبتمبر 2024، لتعليم مليون سعودي الذكاء الاصطناعي، حققت أرقاماً كبيرة خلال الأشهر القليلة الماضية، بالتزامن مع إضافة هذا المجال للمقرر المدرسي في المملكة بدءاً من هذا العام.
مبادرة "سماي"
"سدايا" قالت، في 25 يوليو، إن قرابة 424 ألف سعودي سجّلوا في مبادرة "سماي" لتعلّم الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع وزارة التعليم ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
وأطلقت مبادرة "سماي"، الكبرى في المملكة، خلال القمة العالمية الثالثة للذكاء الاصطناعي التي عُقدت في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات بالرياض، في سبتمبر 2024.
وتهدف إلى إكساب مليون مواطن سعودي مهارات الذكاء الاصطناعي، سواء على المستوى الأساسي أو المتقدم، بما يضمن تأهيل الأفراد لسوق العمل المتغير، وتحقيق قفزة نوعية في فهم وتطبيقات الذكاء الاصطناعي داخل المملكة، إضافة إلى نشر الوعي في أوساط المجتمع بأهمية هذا المجال وأخلاقياته وتطبيقاته.
جميع دورات مبادرة "سماي" باللغة العربية، وتشمل "مقدمة في الذكاء الاصطناعي، والذكاء الاصطناعي التوليدي، وهندسة الأوامر، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تطبيقات عملية لأدوات إنتاجية مدعومة بالذكاء الاصطناعي".
وتتيح المبادرة لمليون مواطن ومواطنة، موجودين في أي مكان بالعالم، فرصة لفهم الذكاء الاصطناعي واستخداماته وأخلاقياته، والتدرب على المهارات والأدوات اللازمة لدمجه في الأعمال والحياة اليومية بفعالية وأمان.
وتُمثل مبادرة "سماي" خطوة استراتيجية مهمة نحو تطوير رأس المال البشري في المملكة، مُحققةً بذلك تطلعات القيادة السعودية الساعية لكي تصبح المملكة رائدةً عالمياً في مجال التكنولوجيا والابتكار.
ريادة سعودية
ووفق وكالة الأنباء الرسمية "واس"، فإن "سدايا" التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تسعى لجعل المملكة مركزاً تقنياً عالمياً لأحدث التقنيات المتقدمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وفي سبيل هذا الهدف أعدت الهيئة مجموعة من الأدلة التنظيمية بهدف توجيه التبني والاستخدام المسؤول والفعّال للذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات المختلفة في المملكة.
وتتضمن تلك الأدلة "مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومبادئ الذكاء الاصطناعي التوليدي للجهات الحكومية، ومبادئ الذكاء الاصطناعي التوليدي للعموم، ومبادئ التزييف العميق، والإطار الوطني للمعايير المهنية للبيانات والذكاء الاصطناعي".
كما تشمل "الإطار الأكاديمي السعودي لمؤهلات تخصصات الذكاء الاصطناعي (ذكاء التعليم)، والمؤشر الوطني للذكاء الاصطناعي، وأدوات تنظيم سوق الذكاء الاصطناعي، ومبادرة المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي".
وأطلقت الهيئة أداة التقييم الذاتي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي عبر منصة حوكمة البيانات الوطنية، التي تهدف إلى مساعدة الجهات الحكومية والخاصة والمطورين الأفراد في قياس مدى التزامهم بالمبادئ الأخلاقية عند تطوير وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وسعياً للريادة أطلقت "سدايا" مؤخراً المؤشر الوطني للذكاء الاصطناعي، في إطار سعي المملكة لتمكين التحول الرقمي على مستوى الجهات الحكومية، بهدف تقييم مدى جاهزية الجهات الحكومية لتبني هذه التقنيات، ومتابعة تقدمها، وتقديم التوصيات اللازمة.
استراتيجية وطنية
في يوليو 2020، أطلقت المملكة "الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي" عبر هيئة "سدايا"، بهدف تصنيف السعودية بين أفضل 15 دولة في هذا المجال بحلول 2030، وجذب استثمارات له بـ75 مليار ريال (20 مليار دولار)، وإنشاء أكثر من 300 شركة ناشئة.
وأنفقت السعودية أموالاً ضخمة على البنية التحتية الرقمية لمواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي، وفي 2024، خصصت الحكومة 10 مليارات دولار لهذا الغرض.
كما تحتل المملكة المرتبة الثانية على مستوى الشرق الأوسط، من حيث مراكز البيانات المشتركة، حيث لديها 22 مركزاً فعّالاً و40 قيد الإنشاء بحلول 2023.
ووفق البيانات الرسمية، فإن الاستخدام المسؤول لتقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي أسهم في تحسين كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، وحقق أثراً مالياً بلغ 1.33 مليار دولار، عبر مشروع خدمات الحوسبة السحابية "سحابة ديم"، الذي يقدم حتى اللحظة قرابة 49 خدمة وخاصية لأكثر من 180 جهة حكومية، بعد دمج أكثر من 230 مركز بيانات.
مناهج التعليم
وفي وقت سابق من شهر يوليو الماضي، أعلنت السعودية إدراج الذكاء الاصطناعي كمادة دراسية إلزامية في جميع مراحل التعليم العام، ابتداءً من العام الدراسي 2025 – 2026.
هذه الخطوة تأتي في إطار مساعي المملكة لترسيخ مكانتها كقوة رقمية صاعدة، وتعزيز كفاءة رأس المال البشري لمواكبة التطورات المتسارعة في الثورة الصناعية الرابعة.
وسيقدم منهج الذكاء الاصطناعي بوحدات دراسية متخصصة تراعي خصائص المراحل العمرية المختلفة، بأساليب تفاعلية وتطبيقية، وبما يُسهم في بناء المهارات تدريجياً.
الخطط التعليمية الجديدة تشمل ربطاً معرفياً بين المراحل الدراسية، لضمان تسلسل المفاهيم وتراكم المهارات، بما يواكب حاجات المستقبل الرقمي، ويُعزز من جاهزية الطلاب للتعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي في حياتهم الدراسية والعملية.
مراكز متقدمة
السعي السعودي لجعل الذكاء الاصطناعي جزءاً أصيلاً من حياة الشعب لا يتوقف عند حدود، وأظهرت بيانات نشرتها وكالة "واس"، في أبريل الماضي، أن المملكة حققت إنجازاً جديداً في تمكين المرأة في هذا المجال نسبةً للذكور.
وبحسب مؤشر "ستانفورد للذكاء الاصطناعي"، فقد حققت المملكة المركز الأول عالمياً في تمكين المرأة بمجال الذكاء الاصطناعي، ما يعكس فاعلية السياسات الطموحة والمبادرات النوعية التي أطلقتها المملكة بهدف دعم مشاركة المرأة وتمكينها في القطاعات التقنية تحقيقاً لرؤية المملكة 2030.
وأقرت "سدايا" مبادرات عدة لتمكين المرأة؛ منها برنامج "Elevate" بالتعاون مع "غوغل كلاود"، الذي يهدف لتمكين أكثر 25 ألف امرأة في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي.
كما احتلت السعودية المركز الثالث عالمياً في نسبة نمو وظائف الذكاء الاصطناعي لعام 2024، والمركز الرابع عالمياً في عدد نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة، علماً بأن المملكة جاءت ضمن سبع دول قامت بنشر نماذج رائدة منها (الولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وفرنسا، وكندا، وكوريا).
وجاءت المملكة في المركز الثامن عالمياً في استقطاب كفاءات الذكاء الاصطناعي، ما يعكس قدرتها على توفير بيئة مستقرة ومحفزة تستوعب المواهب الوطنية، وتدعم الابتكار ونقل المعرفة، وتسهم في بناء منظومة متقدمة ومستدامة في هذا القطاع الحيوي، إلى جانب جاذبيتها المتنامية لاستقطاب الكفاءات العالمية في هذا المجال، بحسب وكالة "واس".
وفي ديسمبر 2024، أحرزت السعودية المركز الأول في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب "WAICY 2024"، من بين 129 دولة مثّلها أكثر من 18 ألف طالب وطالبة في مراحل التعليم العام، ما يعكس الشغف الكبير في أوساط الشباب والطلاب السعوديين باكتساب هذه المهارات.