في 2025/08/25
طه العاني - الخليج أونلاين
تشهد المملكة العربية السعودية واحدة من أبرز صفقاتها في مجال الطاقة مع توقيع شركة "أرامكو" اتفاق استئجار وإعادة تأجير تبلغ قيمته 11 مليار دولار، يتركز على تطوير مرافق الغاز في حقل الجافورة.
وتعكس هذه الخطوة مسعى استراتيجياً نحو تعظيم الاستفادة من موارد الغاز غير المصاحب، وتعزيز الشراكات مع المستثمرين الدوليين، بما يسهم في تلبية احتياجات السوق المحلية المتزايدة، ويبرز موقع السعودية كلاعب محوري في أسواق الطاقة العالمية.
توسع غازي
يُعد حقل الجافورة قلب المشروع الجديد، وهو أضخم مشروع للغاز غير المصاحب في المملكة، إذ تشير التقديرات إلى احتوائه على نحو 229 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الخام و75 مليار برميل من المكثفات.
وتكشف هذه الأرقام عن ثروة ضخمة تمثل فرصة تاريخية أمام السعودية، خاصة أن أرامكو وضعت ضمن خططها رفع الطاقة الإنتاجية للغاز بنسبة تصل إلى 60% بين عامي 2021 و2030.
وحول ذلك، قال رئيس شركة أرامكو السعودية وكبير إدارييها التنفيذيين، المهندس أمين الناصر، إن الشركة ماضية في برنامجها الاستثماري الواسع المبني على تعزيز القيمة وتحقيق النمو في مختلف قطاعات الأعمال.
وأوضح بمقابلة مع قناة "العربية Business"، في 17 أغسطس 2025، أن لدى أرامكو برنامجاً رأسمالياً نشطاً يضم مشاريع ضخمة تتجاوز قيمتها 90 مليار دولار قيد التنفيذ حالياً.
وأشار الناصر إلى أن حقل الجافورة للغاز غير التقليدي يعد أحد أهم مشاريع التطوير من هذا النوع على مستوى العالم، ويتوقع أن يصل إنتاج غاز البيع من هذا الحقل إلى معدل مستدام من الغاز الطبيعي يبلغ ملياري قدم مكعبة قياسية في اليوم بحلول العام 2030.
ولا يقف التوسع عند حدود زيادة الإنتاج فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى بناء قاعدة متينة تدعم القطاعات الصناعية الجديدة؛ ويعزز من تنافسية المملكة في المجالات التقنية الحديثة.
إضافة إلى ذلك، فإن بدء الإنتاج في المرحلة الأولى خلال هذا العام ثم التوسع إلى مراحل لاحقة، يبرهن على أن المشروع ليس مجرد خطة بعيدة المدى، بل برنامج تنموي متدرج يُنفَّذ فعلياً على الأرض.
وهنا يظهر البعد الاستراتيجي الذي تراهن عليه أرامكو في جعل الغاز ركيزة موازية للنفط، تضمن تنويع مصادر الطاقة وتعزز مرونة الاقتصاد السعودي.
وشدد الناصر، في تصريحات سابقة، على أهمية المشروع، قائلاً: "يشكّل حقل الجافورة ركيزة أساس في برنامجنا الطموح للتوسع في مجال الغاز، ومشاركة الائتلاف الذي تقوده (جي آي بي)، كمستثمر في مشروعٍ رئيس من أعمالنا في مجال الغاز غير التقليدي توضح المزايا الاستثمارية الجاذبة لهذا المشروع".
وأضاف الناصر، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية في 14 أغسطس 2025: "نتطلع إلى أن يؤدي حقل الجافورة دوراً رئيساً كمزوّد للمواد الخام لقطاع البتروكيميائيات، وتوفير الطاقة اللازمة لتشغيل قطاعات النمو الجديدة، مثل مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في المملكة".
شراكة دولية
ولم تقتصر الصفقة على بعدها المحلي، بل حملت في طياتها بُعداً دولياً مهماً من خلال دخول ائتلاف يقوده "غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز" التابعة لـ"بلاك روك"، إلى جانب مؤسسات استثمارية من آسيا والشرق الأوسط.
وبهذا الانفتاح يتحول مشروع الجافورة إلى نقطة جذب عالمية، تستقطب رؤوس أموال أجنبية كبيرة، وتؤكد في الوقت نفسه ثقة المستثمرين ببيئة الاستثمار السعودية.
وبحسب الاتفاق، ستتولى شركة "الجافورة لنقل ومعالجة الغاز" (جي إم جي سي) استئجار حقوق التطوير والاستخدام لمعمل الغاز ومرفق رياس لتجزئة سوائل الغاز الطبيعي، قبل أن تعيد تأجيرها إلى أرامكو لمدة 20 عاماً.
وبموجب هذه الهيكلة، ستحافظ أرامكو على الأغلبية بنسبة 51%، مقابل 49% للمستثمرين، مع حصولها على الحق الحصري لمعالجة الغاز الخام المستخلص، وتضمن هذه الصيغة للشركة السعودية السيطرة التشغيلية، وفي الوقت نفسه الاستفادة من الدعم المالي والتقني الذي يوفره الشركاء الدوليون.
ومن اللافت أن الصفقة لا تفرض أي قيود على حجم الإنتاج، ما يعني أن أرامكو ستظل حرة في توسيع عملياتها بما يتناسب مع الطلب المتزايد، مع الاحتفاظ بالمرونة الكاملة لإدارة المشروع.
كما أن مشاركة ائتلاف عالمي كبير يعكس البعد الاستراتيجي الأوسع، إذ يُنظر إلى الاستثمار في البنية التحتية للغاز بالمملكة كجزء من الأمن الطاقي العالمي، وضمان إمدادات وقود نظيف بأسعار معقولة.
انعكاسات إيجابية
ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي، أحمد صدام، إن صفقة أرامكو في حقل الجافورة الغازي تدعم هدف المملكة بزيادة إنتاج الغاز، مشيراً إلى أن هذا سيساعد المملكة على تحرير النفط، حيث سيحل الغاز المحلي محل النفط والديزل في توليد الكهرباء وفي الصناعة.
ويوضح، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن هذه الخطوة ستوفر كميات أكبر من النفط للتصدير بدلاً من حرقها محلياً، مما يعزز الميزان التجاري للمملكة.
ويشير صدام إلى أن دخول صناديق الاستثمار العالمية الكبرى في هذا المشروع يعزز التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة إلى المملكة.
ويرى الخبير الاقتصادي أن ذلك سيوفر عوائد مستقرة للبنية التحتية والمشاريع الأخرى، مما يعكس ثقة المستثمرين الدوليين في الرؤية السعودية.
ويعتقد صدام أن استبدال حرق النفط بالغاز في توليد الكهرباء والصناعة سيخفض الانبعاثات الكربونية والملوثات المحلية بشكل كبير.
ويلفت إلى أن هذا التركيز على الغاز الطبيعي يعكس التزام المملكة بتحقيق توازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.
ويبين صدام أن الإمدادات الغازية من حقل الجافورة ستدعم توسع مجمعات البتروكيميائيات بالمملكة، لافتاً إلى أن الصفقة ستوفر قدرة كهربائية مستقرة وبتكلفة تنافسية، مما يدعم بشكل مباشر الصناعات المحلية مثل مراكز البيانات والذكاء الاصطناعي.
وقود نظيف
يرى الشركاء الدوليون أن الصفقة تمثل إضافة نوعية إلى سوق الطاقة العالمية، ليس فقط من زاوية العوائد المالية، بل من حيث مساهمتها في توفير مصدر طاقة أنظف وأكثر استدامة.
فقد أكد رئيس "غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز"، بايو أوجونليسي، لوكالة "واس"، أن الاستثمار في الجافورة يعزز من تلبية الطلب المتنامي على الغاز الطبيعي، الذي يُعد وقوداً أنظف مقارنة بالبدائل التقليدية، إضافة إلى دوره في تعزيز أمن الطاقة وإتاحتها بأسعار معقولة للمستهلكين.
وينسجم هذا التوجه مع مساعي أرامكو إلى جعل الغاز أحد الأعمدة الرئيسية في مزيج الطاقة الوطني، بما يدعم التحول نحو مصادر أقل انبعاثاً، ويتيح في الوقت نفسه استدامة النمو الاقتصادي.
كما أن مشاركة مستثمرين من قارات مختلفة في هذا المشروع تؤكد أن حقل الجافورة أصبح نقطة التقاء بين المصالح المحلية والعالمية في البحث عن حلول عملية للتوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.
وبذلك تشكل صفقة أرامكو الجديدة نقطة تحول في استراتيجية المملكة لتوسيع إنتاج الغاز، وجذب استثمارات عالمية، وتعزيز مكانتها في أسواق الطاقة النظيفة.