في 2025/08/05
كامل جميل - الخليج أونلاين
يجسد "بنك الفن"، الذي أطلقت السعودية مرحلته الثانية أخيراً، تحوّلاً لافتاً في الفنون التشكيلية بما يجعلها مجالاً إنتاجياً لا يقل أهمية عن سائر القطاعات، فضلاً عن مساهمته بفتح نوافذ جديدة للفنانين السعوديين تمكنهم من الانتقال من مرحلة الهواية إلى الاحتراف.
فعالية "بنك الفن 7" بمرحلتها الثانية التي أطلقها بنك التنمية الاجتماعية السعودي، الاثنين 28 يوليو 2025، تهدف إلى دعم الفنانين التشكيليين وممارسي العمل الحُر، عبر تمكينهم من عرض أعمالهم وتوفير فرص لاقتناء البنك لتلك الأعمال.
وفي عام 2022، أُطلقت منصة "بنك الفن"، التي نجحت في دعم أكثر من 700 فنان وحرفي سعودي خلال عام 2024، وتعد منصة رقمية احترافية لتسويق الأعمال الفنية محلياً ودولياً.
عام الحرف اليدوية
المرحلة الثانية من "بنك الفن" تُنفَّذ بالشراكة مع "الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون".
وتعمل المبادرة على اقتناء أعمال فنية لتزيين فروع البنك في سبع مدن رئيسية، بأسلوب معاصر يعكس الهوية البصرية للمؤسسات، وفق وكالة الأنباء السعودية "واس".
وتتوافق المبادرة مع مستهدفات "عام الحرف اليدوية 2025"، الذي أطلقته وزارة الثقافة السعودية، وتوجيهات القيادة بدعم الصناعات الإبداعية، واحتضان المواهب الوطنية.
مطلع العام الجاري أطلقت وزارة الثقافة السعودية مبادرة "عام الحرف اليدوية 2025" لإبراز منتجات الحِرف السعودية، مثل: المشغولات المعدنية، والدلال، ومشغولات النخيل؛ لترسيخ مكانة الحِرف اليدوية محلياً وعالمياً، بوصفها تراثاً ثقافياً.
الرئيس التنفيذي لبنك التنمية الاجتماعية سلطان الحميدي أكد التزام البنك بدعم القطاع الثقافي والإبداعي عبر 3 مسارات، تشمل: اللوحات الفنية، والحِرفيات، والمنسوجات.
ولفت إلى أهمية الشراكات المؤسسية في تحقيق الأثر المستدام، وتوفير منصات احترافية للفنانين تعزز استدامتهم الاقتصادية.
من جهته أشار الرئيس التنفيذي للجمعية خالد الباز إلى أن المبادرة تُبرز الفنون السعودية كمكوّن رئيس من الهوية الوطنية، وتسهم في تمكين القطاع الإبداعي، وتحقيق التنمية المستدامة.
قطاع الاقتصاد الإبداعي
بحسب ما تؤكد وكالة "واس" فإن فعالية "بنك الفن 7" في جهود دعم المنظومة الثقافية الوطنية وتعزيز "الاقتصاد الإبداعي".
الصناعات الإبداعية، أو القطاع الإبداعي، أو الاقتصاد الإبداعي، وهي تسميات لتوجه اقتصادي واحد، بات خلال العقود الماضية محور نقاشات الندوات والمؤتمرات الاقتصادية على مستوى العالم؛ إذ يتجاوز مفهومه التقليدي ليضم الإبداع.
وأخذ القطاع الإبداعي يشهد حضوراً شديد الأهمية داخل القطاع الاقتصادي لكبريات دول العالم، وذلك لعدة أسباب أبرزها:
يعتمد على الإبداع والمهارات الفنية والفكرية لتحقيق القيمة الاقتصادية.
يتضمن مجالات مثل الفنون، والتصميم، والإعلانات، والإعلام، والبرمجيات.
يعتمد على تحويل الأفكار الإبداعية إلى منتجات وخدمات قابلة للتسويق.
يخلق الفرص الجديدة والمبتكرة للتوظيف والتطوير.
يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق التنمية المستدامة.
تعزيز الهوية الوطنية
الكاتب السعودي عايض بن علي القحطاني يقول في مقال بصحيفة "الرياض" حمل عنوان "الاقتصاد الإبداعي وتعزيز الهوية الوطنية" إن الاقتصاد الإبداعي يمثل جسراً بين التنمية الاقتصادية وتعزيز الهوية الوطنية.
ويرى أن الإبداع يسهم في نمو الاقتصاد، وخلق فرص عمل، ونقل التراث السعودي إلى العالمية.
ويؤكد أنه مع استمرار الدعم الحكومي والتطور التكنولوجي، يمكن لهذا القطاع أن يكون محركاً رئيسياً لتحقيق رؤية 2030، وترسيخ مكانة المملكة بين أبرز مراكز الإبداع والثقافة في العالم.
المتخصصة في الصناعات الإبداعية عزيزة الأحمدي، تؤكد أنه لا يمكن لأي اقتصاد أن يزدهر دون أن يضع الإبداع في قلب استراتيجيته، مبينة أنه كلما كانت البيئة حاضنة للإبداع، زادت الفرص أمام الاقتصادات الوطنية لتحقيق النمو والازدهار.
ولفتت في مقال لها بصحيفة الشرق الأوسط حمل عنوان "الاقتصاد الإبداعي.. حين تصبح الفكرة ثروة والمحتوى صناعة" إلى أن الدول التي تسعى إلى تحقيق أقصى استفادة من الاقتصاد الإبداعي يجب أن:
تستثمر في تطوير المواهب.
توفر بيئة تنظيمية مرنة تحمي حقوق الملكية الفكرية.
تصمم بنية تحتية رقمية متقدمة تتيح للمبدعين الوصول إلى الأسواق العالمية بسهولة.
تصدير الهوية السعودية
هذه التجربة تؤسس لنقلة مهمة للفنانين التشكيليين السعوديين، وفق ما يؤكد الفنان التشكيلي العراقي مصطفى كريم علوان، الذي يقول لـ"الخليج أونلاين": إن "مثل تلك الأفكار لو عُممت بالبلدان العربية لأنتجت أجيال مهمة من المبدعين".
علوان يرى أن فعالية "بنك الفن 7" ليست عرضاً لنتاجات الفنانين السعوديين فقط، بل تتعداها لتشكل بداية رحلة حقيقية نحو العالمية إن أحسن الفنان السعودي استغلالها.
المدهش في الأمر -بحسب علوان- أن عمل أي فنان سيكون مُشاهداً من قبل زوار فروع البنك، مضيفاً: "مؤكد أن الآلاف يزورون هذه الفروع شهرياً، وبينهم عدد كبير من السياح والوفود الأجنبية، وهذه بحدّ ذاتها خطوة مدهشة".
ويواصل: "أبهرتني هذه الفكرة. هنا سيكون الفنان السعودي في صميم الحراك التنموي والثقافي. لا يعني ذلك فقط احتفاءً بالفن السعودي أو دعم الفنان المحلي، بل هو استثمار بالفن. ذلك يؤكد أن السعودية تؤمن بأن وسيلة للتعبير والتأثير والتواصل مع العالم".
علوان عدد مهمات لهذا الدعم المؤسسي للفنانين السعوديين موضحاً:
إنه ليس رفاهية، بل خطوة استراتيجية تفتح أمامهم نوافذ جديدة.
يًمَكّن الفنان السعودي من الانتقال من مرحلة الهواية إلى الاحتراف، ومن المحلية إلى الانتشار العالمي.
المبادرات من هذا النوع تجعل من الفن جسراً بين الثقافات.
يمكن تعريف هذه المبادرة بأنها أداة لتصدير الهوية السعودية بأسلوب ناعم، بعيد عن الشعارات، وقريب من الروح.