سياسة وأمن » صفقات

الصفقات التاريخية السعودية الأمريكية بين الاسترضاء والاستقواء

في 2025/11/25

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

تعيد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى الولايات المتحدة ولقائه الحميمي امام الكاميرات مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، قضية الشراكة السعودية الامريكية التي توصف بأنها استراتيجية الى الواجهة، لتعود معها اسئلة استراتيجية جوهرية من نوعية الطرف المستفيد من هذه الشراكة وفي صالح من تصب هذه الصفقات الكبرى.

فقد وقع بن سلمان مع ترامب اتفاقية الدفاع الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ووفقا لوكالة الانباء السعودية "واس"، فإن هذه الاتفاقية "تمثل خطوة محورية تُعزّز الشراكة الدفاعية طويلة المدى"، وأن "المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة شريكان أمنيان قادران على العمل المشترك لمواجهة التحديات والتهديدات الإقليمية والدولية، بما يعمّق التنسيق الدفاعي طويل الأجل، ويعزّز قدرات الردع ورفع مستوى الجاهزية، إلى جانب تطوير القدرات الدفاعية وتكاملها بين الطرفين".

وهنا سؤال حول التحالف العضوي والبنيوي بين اميركا و"اسرائيل" وان التهديدات التي تأتي بالمنطقة مصدرها "اسرائيل"، فكيف لاميركا ان تنسق مع احد لصد تهديدات الكيان، وكان امامنا منذ اسلبيع قليلة عدوانا اسرائيليا على قطر بضضوء اخضر امريكي، رغم ان شراكة اميركا مع قطر توصف بالمتينة وبالاستراتيجية، بل وتستضيف قطر اكبر قاعدة امريكية عسكرية خارج الولايات المتحدة وهي قاعدة العيديد.

والسؤال الاخر المشروع والذي ينبثق من السؤال الاول/ هو المتعلق بافتراض مصداقية هذه الشراكة وجديتها، فهل اتحد امن السعودية مع امن "اسرائيل" واصبحت المظلة الامريكية هي المظلة الدفاعية لكل منهما؟

ومن الزاوية الاخرى، ركز البيت الابيض، على الجانب التجاري والاقتصادي، حيث
ذكر البيت الأبيض، أن واشنطن والرياض وقعتا على "مذكرة تفاهم تاريخية في مجال الذكاء الاصطناعي، واتفاقية للتعاون النووي المدني وأخرى في مجال المعادن الحرجة".

وأشار البيت الأبيض إلى أن الرئيس ترامب "وافق على صفقة مبيعات دفاعية ضخمة تشمل تسليم طائرات إف-35 مستقبلا، وأنه توصل إلى اتفاق مع السعودية لشراء نحو 300 دبابة أميركية".

وأوضح البيت الأبيض أن "أميركا والسعودية اتفقتا على تعزيز تواصلهما في الأسابيع المقبلة بشأن قضايا التجارة".

واللافت ان الاعلام الغربي ركز على الجانب الاستثماري والاقتصادي ايضا، حيث كان التركيز على اعتزام المملكة رفع حجم استثماراتها في الولايات المتحدة لتصل إلى نحو تريليون دولار.

وابرزت وسائل الاعلام الغربية تصريح بن سلمان: " لدينا استثمارات على مختلف الأصعدة والقطاعات التي تربطنا مع الولايات المتحدة"، مضيفا أن "الولايات المتحدة دولة مهمة تمتلك اقتصادا قويا ومهم لنا أن نستثمر معها في مختلف القطاعات".

وهنا نجد فجوة بين التناول السعودي الذي حاول تصدير الصفقات الضخمة بأنها استراتيجية ودفاعية، بينما ابرزت اميركا انها استثمارية واقتصادية.

والمتابع للملفات الاستراتيجية الدولية والاقليمية، يرى ان هذه الصفقات تصب في الصالح الامريكي حصرا، حيث تمد الخزانة الامريكية بملايين الدولارات، عن طريق الاستثمارات وشراء الاسلحة وانظمة الذكاء الاصطناعي، كما تصب في صالح اميكا من جهة منافستها مع الصين حيث وقعت اتفاقيات للتنقيب عن المعادن النادرة التي تشكل ملفا تنافسيا حرجا بين الصين واميركا.

وبالتالي فإن السعودية هنا تقطع سياسة التوازن التي لمح البعض انها تتبعها بين القوى الكبرى، وتعلن انها حسمت امرها بالاصطفاف حصرا في المعسكر الامريكي، وهو رهن للسياسة والارادة السعودية لايصب في صالحها.

كما ان ملف الطائرات اف-35، الذي حاولت السعودية تصديره للواجهة باعتباره انجازا استراتيجيا، وتزامن ذلك مع تهويل اعلامي بأن "اسرائيل" منزعجة منه، هو امر متهافت للغاية، لأن مبدأ التفوق العسكري النوعي (QME) الأمريكي تجاه "إسرائيل" يُعد أحد الأوجه الرئيسية لتمكينها من التفوق العسكري، وهو يقوم على السماح لـ"اسرائيل" بدمج وتعديل مقاتلاتها أمريكية الصنع (مثل F-16 وF-15 وF-35) بأنظمة إسرائيلية خاصة، وهذا التكامل يتم بالتعاون مع شركاتها الدفاعية الرائدة كـ Elta، وElbit Systems، وRafael، وIAI، مما يوفر مرونة كبيرة في دمج البرمجيات والأجهزة المُخصصة.

ووفقا للتقارير العسكرية، تتمتع "إسرائيل" بالسيطرة الكاملة على: مكتبات التهديدات، وملفات تعريف التشويش، وروابط البيانات، وأجهزة الاستشعار، والتدابير المضادة، وهذا يمنح سلاح الجو الإسرائيلي استقلالية حاسمة في تطوير البرمجيات بسرعة ودمج سلاسل عمليات جديدة. وبالتالي، فإنها لا تعتمد حصراً على تحديثات بيانات المهام الأمريكية، بل يمكنها التكيف السريع مع مستجدات وتهديدات البيئة الإقليمية اعتماداً على قدراتها المحلية.

بينما صفقة اف-35 للسعودية مؤجلة الى اجل غير مسمى، وفي حال اتمامها فإنها ستكون مرهونة بالتشغيل الامريكي، ومن المهم الاستشهاد بما قاله سلجوق بيرقدار، رئيس مجلس إدارة شركة بيرقدار التركية الرائدة في صناعة الطائرات المسيرة، حيث قال أن مشتري مقاتلات F-35 الأمريكية لا يمكنه استخدامها من دون إذن من واشنطن.

وقال في تصريح لصحيفة Aydınlık: "عندما يتعلق الأمر بمسألة الدفاع، فإن سيادة الدول تصبح ممكنة فقط عندما تعتمد على تقنياتها الخاصة. أنظروا إلى المشكلات التي تعاني منها الدول التي تشتري طائرات F-35. إنهم يعترفون بعدم إمكانية استخدام هذه الطائرات من دون موافقة الولايات المتحدة. أي أن أحدث التكنولوجيات التي نشتريها من الخارج هي اسوأ بكثير من التقنيات التي ننتجها بنفسنا. وهذا يعني أن الدولة تشتري مع التكنولوجيا المتقدمة الأغلال والقيود. لذلك أعتقد أن الحل الأفضل في هذا المجال هو المسار المستقل".

وبتقييم موضوعي للاتفاقيات الأخيرة فإننا نرى انها نوع من الاسترضاء لاميركا والاصطفاف معها، وكذلك نوع من الاستقواء على خصوم المملكة في الاقليم وليس من بينهم قطعا "اسرائيل" والتي تعد هي واميركا كيانا واحدا.