في 2025/12/09
طه العاني - الخليج أونلاين
في ظل تصاعد التحديات الأمنية في الشرق الأوسط وتنامي الحاجة إلى شراكات دفاعية مرنة، تسعى قطر إلى تعزيز حضورها داخل منظومة الأمن الدولي عبر خطوات متسارعة تعمّق ارتباطها بحلف شمال الأطلسي "الناتو".
ومع انتقال الشراكة بين الجانبين من مستوى الترتيبات الفنية إلى بناء قدرات عملياتية مشتركة، تبرز الدوحة اليوم كأحد أهم الشركاء الإقليميين للحلف، مستفيدة من موقعها الجغرافي وبنيتها العسكرية المتطورة واستضافتها قاعدة العديد الجوية التي تشكّل أحد أكبر المراكز الأمريكية في المنطقة.
مركز تدريبي إقليمي
ويأتي الإعلان القطري عن قرب افتتاح مركز تدريبي للناتو كعلامة فارقة في مسار العلاقات بين الطرفين، ويعيد تثبيت موقع الدوحة كأبرز شريك إقليمي للحلف.
وأكدت القائم بالأعمال في بعثة قطر لدى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، سارة المهندي، خلال اجتماع مجلس الحلف ودول مبادرة إسطنبول للتعاون في بروكسل، يوم 28 نوفمبر 2025، أن الدوحة دخلت "المراحل النهائية لافتتاح مركز تدريب إقليمي للناتو"، وفق بيان وزارة الخارجية القطرية.
وتزامن هذا الإعلان مع استعداد قطر للتوقيع قريباً على اتفاق الشراكة الفردية المفصلة (ITPP)، وهو إطار تعاون مصمم خصيصاً للدول الشريكة خارج الحلف بما يتناسب مع احتياجاتها الدفاعية والأمنية.
وأشارت المهندي إلى أن قطر تعدّ الشريك الوحيد الذي استكمل تأهيل جميع وحدات قواته المسلحة لبرنامج "تقييم مفاهيم القدرات التشغيلية للناتو"، وهو برنامج متخصص يهدف إلى رفع جاهزية القوات الصديقة وتمكينها من العمل جنباً إلى جنب مع قوات الحلف في المهام المشتركة.
وتأتي هذه الخطوات في سياق علاقة ممتدة منذ انضمام الدوحة إلى مبادرة إسطنبول للتعاون عام 2005، والتي عززت من خلالها تعاونها مع الحلف في ثلاثة مسارات رئيسية: الدبلوماسية، والتدريب، والعمليات.
وذكّرت المهندي بأن الاجتماع الأخير للمبادرة انعقد وسط "متغيرات أمنية وجيوسياسية متسارعة تستدعي تعزيز العمل المشترك وتطوير شراكات قائمة على الاحترام المتبادل"، في تأكيد على البعد الاستراتيجي للعلاقة.
وتستند الشراكة القطرية – الأطلسية إلى سلسلة اتفاقيات سابقة، أبرزها اتفاقية الأمن الموقعة في يناير 2018، التي أرست إطاراً لحماية تبادل المعلومات بين الجانبين، ثم اتفاقية التعاون العسكري في مارس من العام نفسه خلال زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لبروكسل، والتي أتاحت تمركز موظفين وقوات للحلف في قاعدة العديد الجوية.
وأكدت وكالة الأنباء القطرية، في 27 نوفمبر 2025، أن قطر تواصل توسيع سجل تعاونها مع الناتو عبر ملفات الوساطة الدولية، مثل "اتفاق الدوحة الإطاري" بين حكومة الكونغو وتحالف نهر الكونغو، إضافة إلى جهودها في ملف الأطفال الأوكرانيين.
وفي الاتجاه نفسه، أشاد الأمين العام للناتو، مارك روته، بالدور "المحوري" لقطر في الوساطة وفض النزاعات، وباستضافتها للمركز التدريبي الجديد، الذي يعد تطوراً لافتاً في مكانة الدوحة داخل منظومة الشراكات الأمنية للحلف.
وتشير التقارير إلى أن افتتاح المركز الإقليمي للتدريب في الدوحة يبرز كخطوة تحمل دلالات استراتيجية، إذ يعمّق موقع قطر ضمن شبكة الشراكات الأمنية للناتو ويعزز قدرتها على التعامل مع التهديدات الإقليمية.
انعكاسات أمنية
وتشهد منطقة الشرق الأوسط تداخلاً معقداً في الأحداث، حيث أخذت قطر خلال العقود الأخيرة دوراً إقليمياً ودولياً متنامياً، مستندة إلى مكانة اقتصادية واستثمارية وجغرافية تمنحها قدرة أكبر على التأثير.
وحول ذلك، يوضح أستاذ العلوم السياسية الدكتور أسعد كاظم شبيب أن هذه المقومات مكّنت قطر من لعب دور مهم في تهدئة عدد من الصراعات السياسية المتصاعدة، مستفيدة من شبكة علاقاتها المتوازنة إقليمياً ودولياً.
ويضيف لـ"الخليج أونلاين" أن هذا الدور "بدا واضحاً خلال التوترات بين إيران والكيان الإسرائيلي، وكذلك خلال الحرب الأخيرة في غزة، حيث لعبت قطر دوراً مركزياً بشهادة أطراف دولية عدة، رغم ما رافق ذلك من ضغوط وانتقادات ومحاولات للزجّ بها في مواقف حرجة".
ويرى شبيب أن استمرار هذا الدور القطري له انعكاسات مهمة على أمن الخليج والشرق الأوسط، لأنه يعزز فرص التسويات السياسية ويبعد المنطقة عن سيناريوهات الحروب، خصوصاً مع تزايد حدة الانقسامات السياسية والاجتماعية في بعض الدول.
ولفت إلى أن ما تمتلكه قطر من أدوات قوة وعلاقات راسخة مع أطراف إقليمية ودولية كتركيا وإيران والصين والولايات المتحدة "يجعلها قادرة على التأثير الإيجابي في منع تمدد الصراعات وتقليل احتمالات اشتعال المزيد من التوترات".
ويردف شبيب بأن شراكات قطر مع القوى الدولية، ومنها حضورها داخل منظومات أمنية عالمية، يمكن أن تعزز قدرتها على مواجهة التحديات المتغيرة، "شرط أن توجَّه هذه الشراكات نحو مهام حفظ السلام وتسوية النزاعات، لا نحو تكريس القوة أو الانحياز لطرف على حساب آخر".
كما يشدد على ضرورة أن تُبنى هذه الأدوار على رؤية واضحة تضمن أن تكون أي قوة موجودة في المنطقة ذات طابع دفاعي وسلمي، وأن تسهم في حماية الاستقرار لا في إثارة حساسيات إقليمية قد تضع قطر في مواقف معقدة.
ويرى شبيب أن افتتاح مركز إقليمي للتدريب في قطر يمثل خطوة متقدمة نحو توسيع الشراكات الخارجية، مستفيداً من انتقال الاهتمام الدولي إلى الشرق الأوسط باعتباره محوراً مهماً في التوازنات الجيوسياسية العالمية.
ويعتقد أن نجاح هذا التوجه يتطلب اتفاقات استراتيجية واضحة تحدد المهام والأدوار، وتربط التدخلات بالإطار القانوني الدولي، بما يضمن دعم جهود السلام وتخفيف النزاعات بعيداً عن أي ممارسات قد تُفهم على أنها فرض نفوذ أو تجاوز للسيادات الوطنية.
تعميق مسار التعاون
ويمثّل إنشاء المركز الإقليمي للتدريب في الدوحة امتداداً طبيعياً لخطوات سابقة رسّخت حضور قطر داخل منظومة "الناتو"، أبرزها افتتاح مكاتب بعثتها داخل مقر الحلف في بروكسل في فبراير الماضي.
وأتاح هذا التمثيل الدبلوماسي المباشر توسيع قنوات التنسيق وبناء شراكات أمنية أكثر انتظاماً، ليأتي المركز الجديد اليوم كمرحلة متقدمة تُترجم هذا التعاون إلى برامج تدريب وجاهزية وعمليات مشتركة.
ومع تزايد انخراط الدوحة في مبادرة إسطنبول للتعاون واتفاقيات الأمن وتبادل المعلومات، يعزّز المركز التدريبي بنيتها المؤسسية داخل الحلف، ويحوّل التعاون من مستوى الترتيبات الإجرائية إلى مستوى القدرات الفعلية الميدانية.
وبهذا الحضور المؤسسي المستدام، تعيد قطر صياغة علاقتها بالناتو على أساس تعاون عملي واسع يربط بين الأمن الإقليمي وتبادل الخبرات وبناء منظومات دفاع حديثة، مع استمرار برامج التدريب السنوية للدبلوماسيين والضباط القطريين داخل مقار الحلف.