في 2025/12/29
طه العاني - الخليج أونلاين
يتسع نطاق التكامل الاقتصادي بين السعودية ودول جنوب آسيا، مدفوعاً بنمو التجارة البينية وتحوّل العلاقات التجارية إلى شراكات أكثر تنظيماً واستدامة.
ويبرز المسار السعودي–السريلانكي نموذجاً لهذا التوجه، في ظل ارتفاع التبادل التجاري وتزايد الاستثمارات وربط القطاع الخاص بالفرص التي تتيحها رؤية السعودية 2030.
كما يعكس هذا التطور انتقال العلاقة من تبادل تقليدي للسلع إلى تعاون أعمق يستند إلى سلاسل الإمداد، والتصنيع، والدخول المنظم للأسواق، ما يمنح نمو التجارة بعداً استراتيجياً يتجاوز الأرقام المجردة.
نمو تجاري متبادل
وفي إطار ذلك، يُظهر الأداء التجاري الأخير تسارعاً في وتيرة التبادل بين البلدين، مدعوماً بزيادة الصادرات وتوسّع الشراكات الخاصة.
وكشفت صحيفة الاقتصادية السعودية، في 22 ديسمبر 2025، عن ارتفاع التجارة الثنائية بين السعودية وسريلانكا بنسبة 9%، في مؤشر على متانة الترابط الاقتصادي بين الجانبين.
وبحسب ما نقله التقرير عن السفير السريلانكي لدى الرياض، أمير أجود، فإن صادرات سريلانكا إلى السوق السعودية سجلت زيادة لافتة بلغت 19% ما بين يناير وسبتمبر 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
ويرتبط هذا النمو بتعزيز قنوات النفاذ إلى السوق السعودية، ولا سيما من خلال التعاون بين شركتي (CBL) السريلانكية و(Aamalco) السعودية، وهو تعاون يُتوقع أن يسهم في توسيع الحضور التسويقي للمنتجات السريلانكية داخل المملكة خلال المرحلة المقبلة، مستفيداً من قوة الطلب المحلي واتساع شبكات التوزيع.
وفي السياق ذاته، يشكّل مجلس الأعمال السعودي–السريلانكي المشترك عامل دفع إضافياً لزخم التجارة والاستثمار، إذ يُنظر إليه على أنه منصة عملية لتيسير التبادل التجاري وتشجيع استثمارات القطاع الخاص.
ويُلاحظ أن النمو التجاري يتزامن مع تركّز واضح في بعض السلع الاستراتيجية، إذ بلغت واردات السعودية من الشاي نحو 9 آلاف طن متري في 2024، في وقت يبلغ فيه متوسط إنتاج سريلانكا من الشاي نحو 262 مليون كيلوغرام سنوياً.
علاقة تكاملية
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور صلاح عريبي العبيدي إن تطور التبادل التجاري بين السعودية وسريلانكا يظهر من خلال تنوع السلع المتبادلة، حيث تبرز المنتجات الزراعية والغذائية السريلانكية في مقابل اعتماد سريلانكا على المنتجات النفطية والكيماوية السعودية.
ويضيف، في حديثه مع "الخليج أونلاين":
- هذا التنوع يعكس طبيعة تكاملية للعلاقات، لكنه في الوقت ذاته يكشف استمرار اختلال الميزان التجاري لصالح المملكة.
- مشاركة الشركات السريلانكية في عدد متزايد من المعارض المتخصصة داخل السعودية أسهمت في تعزيز الحضور التجاري لسريلانكا وفتح قنوات تواصل مباشرة مع السوق السعودية.
- هذا الانخراط يعكس رغبة متبادلة في توسيع التعاون الاقتصادي وتطوير الشراكات بين القطاعين الخاصين.
- النمو المسجل في حركة التبادل التجاري يمثل دفعة إيجابية مهمة، لكن لا يمكن وصفه حتى الآن بتحول جذري أو طفرة نوعية مكتملة.
- ما يجري حالياً يشكل مساراً تصاعدياً مشجعاً، يحتاج إلى استمرارية واستثمارات طويلة الأجل حتى يتحول إلى نمو مستدام.
- تأسيس مجلس الأعمال السعودي–السريلانكي يمثل خطوة مؤسسية مهمة لمعالجة التحديات القائمة، وفي مقدمتها اختلال الميزان التجاري.
- المجلس يضطلع بدور محوري في تذليل العقبات أمام الاستثمارات، وفتح قنوات جديدة للتعاون، وبناء شراكات مباشرة بين شركات البلدين.
- نجاح المجلس مرهون بوجود إرادة استثمارية حقيقية من جانب القطاع الخاص، ولا سيما المستثمرين السعوديين، إضافة إلى تحسين البيئة اللوجستية والتجارية وتخفيف القيود الإجرائية.
- تعزيز الاستثمارات الإنتاجية يمكن أن يسهم في تقليص الفجوة التجارية تدريجياً.
- هناك قطاعات واعدة لم تُستغل بعد بشكل كافٍ، أبرزها الزراعة والصناعات الغذائية والتحويلية، إضافة إلى النسيج والملابس والمنتجات البحرية.
- هذه القطاعات تتوافق مع احتياجات السوق السعودية، وتفتح المجال لبناء سلاسل توريد مشتركة تخدم الطرفين.
- مجالات السياحة والتعليم والخدمات الصحية تمثل بدورها فرصاً واعدة للتعاون، في ظل ما تمتلكه سريلانكا من مقومات طبيعية وبشرية، وما تشهده السعودية من توسع في هذه القطاعات.
- سريلانكا يمكن أن تشكل بوابة محتملة للسعودية نحو أسواق جنوب آسيا، مستفيدة من موقعها الجغرافي وخبراتها الإنتاجية وتكاليف التشغيل التنافسية.
- تحقيق هذا الدور يتطلب استقراراً اقتصادياً وبنية لوجستية فاعلة واتفاقات تجارية واضحة، تدعم حركة الاستثمار والتصدير.
- مستقبل العلاقات الاقتصادية بين البلدين يعتمد على تطور الإرادة السياسية والاستثمارية، واستمرار التنسيق المؤسسي، بما يحول التعاون القائم إلى شراكة استراتيجية طويلة الأمد تخدم مصالح الطرفين.
مجلس الأعمال المشترك
ويمثل تأسيس مجلس الأعمال المشترك انتقالاً بالعلاقات الاقتصادية من التنسيق الظرفي إلى الشراكة المنظمة بين القطاعين الخاصين.
وشهدت الرياض، في 11 نوفمبر 2025، توقيع مذكرة تفاهم لتأسيس مجلس الأعمال السعودي–السريلانكي، ليكون أول منصة رسمية تجمع القطاعين الخاصين في البلدين، في خطوة تعكس تنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية، بحسب صحيفة الرياض.
وجرت مراسم التوقيع في مقر اتحاد الغرف السعودية بحضور ممثلين حكوميين ورجال أعمال من الجانبين، ما منح الخطوة بعداً عملياً يستهدف تحويل التقارب السياسي إلى تعاون اقتصادي مباشر.
كما يأتي تأسيس المجلس متزامناً مع مرور 50 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث أشار وزير الخارجية والتوظيف الخارجي والسياحة السريلانكي، فيجيثا هيراث، خلال حفل التوقيع، إلى أن هذه الخطوة تمثل نقطة تحول في مسار التعاون الاقتصادي والتجاري.
وأعرب هيراث عن أمله في أن تسهم هذه الخطوة في تعزيز الشراكة بين القطاعين الخاصين، وفتح آفاق جديدة للاستثمار المتبادل، بما ينسجم مع الرؤية السعودية، وخطط سريلانكا لإعادة تنشيط اقتصادها الوطني.
وفي السياق ذاته، أكد رئيس المجلس السعودي–السريلانكي، عبد الهادي القرني، أن المجلس سيعمل على تطوير العلاقات الاستثمارية واستكشاف الفرص الواعدة.
كما دعا القرني المستثمرين في البلدين إلى تبادل الزيارات والاطلاع المباشر على البيئات الاستثمارية، مستفيدين من البنية التنظيمية التي يوفرها المجلس تحت مظلة اتحاد الغرف السعودية، الذي يضم 28 غرفة تجارية و70 مجلس أعمال مشتركاً، مقابل ثقل مماثل لاتحاد غرف التجارة والصناعة في سريلانكا الذي يضم أكثر من 63 غرفة وجمعية أعمال.
وبلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر من السعودية إلى سريلانكا 35 مليون دولار، مع التركيز على قطاعي الملابس وخدمات الرعاية الصحية.
وتعكس البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التخطيط والاقتصاد السعودية أن صادرات المملكة إلى سريلانكا في سبتمبر 2025 بلغت نحو 23.7 مليون ريال (نحو 6.3 ملايين دولار)، مقابل واردات بقيمة 50.9 مليون ريال (نحو 13.6 مليون دولار).
وعلى مستوى عام 2024، سجلت الصادرات السعودية إلى سريلانكا 506.8 ملايين ريال (نحو 135.1 مليون دولار) بتراجع سنوي، في حين ارتفعت الواردات إلى 530.0 مليون ريال (نحو 141.3 مليون دولار)، ما يعزز أهمية الدور المنتظر للمجلس في إعادة التوازن عبر توسيع الصادرات وتحفيز الاستثمار المشترك.