دول » السعودية

فرصة تاريخية.. آفاق واسعة لبناء نموذج تكامل اقتصادي سعودي قطري

في 2025/12/11

متابعات

تتـصاعد العلاقات الاقتصادية السعودية – القطرية بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، محققة نمواً ملموساً في حجم التبادل التجاري وتدفقات الاستثمارات بين البلدين.

وبحسب البيانات الرسمية، سجل التبادل التجاري بين السعودية وقطر ارتفاعاً ملحوظاً، ليصل إلى 930.3 مليون دولار في عام 2024 (باستثناء السلع المعاد تصديرها)، بنسبة بلغت 634% مقارنة بعام 2021.

وخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، ارتفع حجم التبادل التجاري بنسبة 39% ليبلغ 1.5 مليار دولار، مدفوعاً بزيادة صادرات المملكة العربية السعودية إلى قطر بنسبة وصلت إلى 74%.

وجاءت زيارة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، إلى المملكة العربية السعودية في 8 ديسمبر 2025، وانعقاد اجتماع مجلس التنسيق السعودي – القطري لتشكل نقطة محورية في تعزيز مسار التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الجانبين.

وأكد البيان المشترك الصادر في ختام الزيارة على أهمية تعميق العمل المشترك لرفع مستوى التبادل التجاري، وتسهيل انسيابية الحركة التجارية، ومعالجة التحديات المحتملة، إلى جانب استثمار الفرص المتاحة في القطاعات ذات الأولوية وتحويلها إلى شراكات فاعلة تدعم مفهوم التكامل الاقتصادي والتجاري.

القطار الكهربائي السريع

ولعل الإعلان عن مشروع الربط بالقطار الكهربائي السريع بين الدوحة والرياض، الذي يمتد لمسافة 785 كيلومتراً، يشكل نقطة تحول أخرى كونه شرياناً جديداً للتنقل السريع والمستدام، يسهم في تحسين تجربة السفر الإقليمي.

وسيخدم القطار السريع أكثر من 10 ملايين راكب سنوياً، كما سيمكن المسافرين من اكتشاف المعالم السياحية والثقافية في البلدين بسهولة، إضافة إلى مساهمته في توفير أكثر من 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة.

ويقدّر أن يحقق المشروع المتوقع الانتهاء من تنفيذه خلال ست سنوات أثراً اقتصادياً يصل إلى 115 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي للبلدين، مما يجعله أحد أهم المشاريع الاستراتيجية الداعمة للتنمية الإقليمية، ويرسخ الترابط بين دول مجلس التعاون الخليجي عبر شبكة سكك حديدية متطورة.

ويشكل التقارب القطري – السعودي، في ظل ما تم الإعلان عنه من استثمارات مشتركة وتسهيل إجراءات التبادل التجاري والمشاريع النوعية في مجال البنية التحتية، دافعاً قوياً لتعزيز حركة النقل وانسياب البضائع بين البلدين.

وإلى جانب هذه الجهود، تواصل دول مجلس التعاون الخليجي العمل على توحيد الإجراءات الاستثمارية والاقتصادية، سواء من حيث ملكية الاستثمارات، وسهولة انتقال رؤوس الأموال، والاتفاقيات الضريبية، وإلغاء الازدواج الضريبي، إضافة إلى الأفضلية الممنوحة للمنتجات الخليجية.

بناء نموذج تكامل اقتصادي

وتشكل هذه الحوافز مجتمعةً قاعدة صلبة لفتح آفاق واسعة نحو بناء نموذج تكامل اقتصادي سعودي–قطري قادر على الوصول بكفاءة إلى أسواق المنطقة والعالم، مستفيداً من فعالية الاقتصادين، وتبادل الخبرات، واستثمار الميزات التنافسية لكل من البلدين.

ويرى خبراء ومراقبون أن الفرصة متاحة أمام كل من قطر والسعودية في هذه المرحلة لتحقيق تكامل اقتصادي يعزز نمو اقتصاد البلدين، ويجعلهما رقماً مؤثراً في الاقتصاد العالمي، لاسيما في ظل ما يمتلكانه من مزايا تنافسية عالية وقدرات استراتيجية واعدة.

التحولات الاقتصادية

أكد رجل الأعمال القطري أحمد البنغيث الكواري أن التحولات الاقتصادية في العلاقات السعودية – القطرية خلال السنوات الأخيرة تمثل انتقالاً واضحاً من مجرد "تطوير للعلاقات" إلى شراكة استراتيجية عميقة تعكس إرادة قيادية مشتركة ورؤية اقتصادية موحدة.

وأضاف الكواري في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن تعزيز العلاقات بين أكبر اقتصادين خليجيين يشكل رافعة مهمة لمشروع السوق الخليجية المشتركة، ولتعزيز التكامل على مستوى الاتحاد الجمركي والسكة الحديد الخليجية ومشاريع الربط اللوجستي والرقمي والطاقة.

ولفت إلى أن الترابط بين السعودية وقطر يمهد لبناء نموذج اقتصادي مستدام يخدم دول مجلس التعاون كافة، ويعمق التشريعات الموحدة وسلاسل الإمداد الخليجية.

وحول مشاريع البنية التحتية المشتركة، قال الكواري إن مشروع القطار الكهربائي السريع بين الدوحة والرياض يمثل نقلة نوعية في طبيعة التعاون بين البلدين والمنطقة بأكملها.

ونوّه إلى أن المشروع يمهد كذلك لتطوير خدمات الشحن بالقطارات وربطها بالموانئ البحرية والمناطق اللوجستية، وهو ما من شأنه تقليل التكاليف ورفع انسيابية حركة البضائع.

وفي تقييمه لمستقبل التعاون الاقتصادي بين البلدين، أكد الكواري أن المرحلة المقبلة تتجه نحو شراكة تكاملية أوسع تشمل الاستثمار المشترك في الداخل والخارج، لا سيما في القطاعات الواعدة مثل الطاقة المتجددة، البتروكيماويات المتقدمة، اللوجستيات، السياحة، والخدمات المالية.

وأشار إلى أن صناديق الثروة السيادية والقطاع الخاص في البلدين مؤهلة للدخول في شراكات ممتدة في آسيا وإفريقيا، اعتماداً على وزن البلدين الاقتصادي والمالي.

فرص نوعية

وبيّن الكواري، في ختام تصريحه، وجود فرص نوعية جديدة أمام البلدين، أبرزها:

أولاً: إمكانية استفادة السوق القطري من الكفاءات السعودية الشابة المدربة والمؤهلة، في إطار سعي المملكة لرفع نسب التوظيف الوطنية، ومنح الأولوية لهذه الكفاءات قد يعزز التكامل البشري والمهني بين السوقين.

ثانياً: مع اقتراب اكتمال مشروع القطار السريع بين الدوحة والرياض، ستتوسع الفرص في قطاعات السكن والسياحة والفعاليات الكبرى، ما يساهم في تخفيف الأعباء الاستثمارية على السعودية ويعزز الاستفادة المشتركة من البنية التحتية الخليجية.

وختم الكواري تصريحه بتأكيد أن مسار الشراكة بين المملكة العربية السعودية ودولة قطر لا يزال يحمل إمكانات هائلة للتكامل الاقتصادي، مشيراً إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة تعميق للعلاقات بما يخدم رؤى التنمية في البلدين ودول مجلس التعاون الخليجي كافة.