في 2025/10/28
متابعات
تتحرك السعودية بخطى متسارعة نحو إدخال العملات الرقمية المستقرة في منظومتها المالية، ضمن خطة واسعة تهدف إلى تعزيز مكانتها كمركز استثماري ومالي إقليمي، وجذب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، خصوصاً في القطاع العقاري والتقنيات المالية الحديثة.
وتعكس الخطوة المرتقبة، التي أشار إليها وزير الشؤون البلدية والإسكان ماجد الحقيل، تحولاً في فلسفة المملكة تجاه الأدوات المالية الرقمية، إذ لم تعد العملات المستقرة تُعامل كابتكار تجريبي، بل كجزء محتمل من النظام المالي المستقبلي، يتماشى مع طموحات "رؤية 2030" في تنويع الاقتصاد الوطني.
وتأتي هذه التوجهات في وقتٍ تشهد فيه الأسواق العالمية إعادة رسم شاملة للبنية المالية، بعدما تجاوزت المعاملات عبر العملات الرقمية المشفّرة والمستقرة 9 تريليونات دولار خلال عام 2024، وفق بيانات بنك التسويات الدولية، ما يجعلها أسرع شبكات تحويل للقيمة في العالم.
تحول استراتيجي
الحقيل قال في كلمة ألقاها خلال "القمة العالمية للبروبتك 2025"، أواخر أكتوبر 2025 في الرياض، إن العالم يعيش "إعادة تعريف حقيقية للبنية المالية"، مشيراً إلى أن المعاملات الشهرية عبر العملات المستقرة بلغت في سبتمبر 2025 نحو 1.2 تريليون دولار، وهو رقم يوازي تقريباً حجم التسويات العالمية عبر أنظمة مصرفية كبرى.
وأوضح أن حجم المعاملات الرقمية بات يفوق بخمس مرات ما يتم عبر منصة "باي بال"، ويقترب من قدرات "فيزا" على التسوية حول العالم.
كما يشير إلى أن القيمة السوقية للعملات المستقرة تتجاوز 300 مليار دولار، وتشكل نحو 75% من التحويلات التي تعتمد على تقنية الـ"بلوك تشين"، مما يجعلها العمود الفقري الجديد لأنظمة الدفع الدولية.
ويؤكد الحقيل أن اعتماد العملات المستقرة يحمل "بعداً استراتيجياً" للمملكة؛ لأنها تسهّل تدفق القيمة بالسرعة نفسها التي تنتقل بها المعلومات، فبدلاً من التسويات البنكية التي تستغرق أياماً، يمكن إتمام الصفقات العقارية والاستثمارات الأجنبية في ثوانٍ معدودة.
وقال إن كل ريال أو دولار رقمي سيكون مغطى بالكامل باحتياطات نقدية يمكن للجهات التنظيمية مراقبتها والتدقيق عليها، مما يوفر أعلى مستويات الأمان والشفافية، ويقلل من احتمالات المخاطر السيبرانية أو تقلبات السوق غير المنضبطة.
جذب للاستثمار الأجنبي
تُعول المملكة على هذه البنية المالية الجديدة لتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يبلغ حالياً نحو 30 مليار دولار سنوياً، ورفع الرقم إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، وفق مستهدفات "رؤية 2030".
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن إدماج العملات المستقرة سيسمح بخفض تكاليف التحويلات العابرة للحدود بنسبة تصل إلى 70%، وزيادة سرعة التسويات بما يتجاوز 10 أضعاف الأنظمة التقليدية.
وسيعزز هذا التحول ثقة المستثمرين الدوليين عبر نظام تسويات فورية يخضع للرقابة المحلية ويعمل بالشفافية الكاملة، ما يقلل الحاجة إلى وسطاء ماليين خارجيين ويُبقي التدفقات داخل النظام السعودي.
الأطر التنظيمية والتشريعية
وتعمل هيئة السوق المالية والبنك المركزي السعودي (ساما) حالياً على بناء بيئة تجريبية موسعة لاختبار العملات المستقرة، بالتعاون مع شركات مالية وتقنية دولية.
وتشمل الاختبارات معاملات تجريبية بين البنوك المحلية وشركات عقارية كبرى، لضمان الامتثال للقواعد المحاسبية والرقابية الدولية.
وتسير السعودية في هذا الاتجاه بخُطا موازية لما تقوم به مراكز مالية كبرى مثل دبي وسنغافورة ولندن ونيويورك وزيوريخ، التي وضعت أُطراً قانونية لتقنين العملات المستقرة.
وقد تحولت دبي إلى مركز إقليمي للعملات الرقمية منذ عام 2022، فيما أطلقت سنغافورة نظام ترخيص للمحافظ الرقمية يخضع لرقابة البنك المركزي.
خطوات متوقعة
ويتوقع الخبير الاقتصادي فؤاد حسن أن تطلق المملكة أول عملة مستقرة محلية مدعومة بالريال، تُستخدم في التسويات الحكومية والعقارية، يليها السماح بإدراج عملات مستقرة بالدولار ضمن المنظومة المالية، على أن تُدار جميع العمليات من داخل المملكة وتحت إشراف الجهات التنظيمية.
ويشير في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن هذا النظام سيسمح برقمنة جميع مراحل التمويل والضمان العقاري، ويؤدي إلى تقليص الوقت المطلوب لتسجيل الصفقات من أيام إلى دقائق، بما يوازي أنظمة التمويل في الدول الأكثر تطوراً.
ويرى أن المملكة، بفضل وزنها المالي وحجم اقتصادها الذي يتجاوز 1.4 تريليون دولار، "مؤهلة لتصبح أكبر سوق عربية تحتضن أنظمة المدفوعات الرقمية السيادية، بما يمنحها موقعاً تنافسياً في سباق المراكز المالية العالمية".
ويعتبر أن إدماج العملات المستقرة ضمن النظام المالي السعودي "خطوة من شأنها إعادة تشكيل علاقات التمويل بين البنوك والمستثمرين والمطورين العقاريين، وتحويل الرياض إلى نقطة جذب إقليمية للاستثمار التكنولوجي والمالي".
ويصف هذه الخطوة بأنها الأوسع نطاقاً منذ إطلاق نظام المدفوعات الفورية "سريع" عام 2021، إذ تمهد الطريق أمام اقتصاد سعودي رقمي متكامل يعتمد على الشفافية والسرعة والرقابة.
وأضاف أن نجاح التجربة سيعني ولادة "نظام مالي سعودي جديد، يربط البنوك والمستثمرين والمستهلكين عبر شبكة واحدة تعتمد على تقنيات البلوك تشين وتمنح الرياض دوراً محورياً في الاقتصاد الرقمي العالمي".