علاقات » اسرائيلي

هل توقف قمة الدوحة مسار استباحة سيادة الخليج؟

في 2025/09/16

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

شكّل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطر سابقة خطيرة في التحالفات الدولية، فقطر تعدّ حليفة للولايات المتحدة الأمريكية من خارج الناتو، وهو تصنيف مهم في الشراكة الاستراتيجية والدفاعية. ومن المعلوم، في السياسة بالضرورة، أن "إسرائيل" لا يمكن أن تُقدم على خطوة كهذه من دون ضوء أخضر أمريكي.

لو صدقنا الرواية الأمريكية المتهافتة بأنها لم تعلم بالعدوان إلا في وقت حدوثه، فالفصل بين الصدق والكذب يتمثل برد الفعل اللاحق والعقوبات أو تداعيات الضربة على العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، وهو ما لم نرَ له صدى أو وزنًا.. وذلك؛  لأن العلاقة الأمريكية- الإسرائيلية بنيوية، ومن الشواهد على هذا تقول إن أميركا هي قائد العدوان على غزة والمنطقة كلها، فالكرة تبقى في الملعب العربي والخليجي والموقف الرادع الواجب اتخاذه.

السؤال، هنا، عن القمة العربية- الإسلامية الطارئة التي عقدت في الدوحة، وهل تشكّل ردعًا حقيقيًا لأميركا و"إسرائيل"، وهل تستطيع معاقبة التجرؤ على الاعتداء على كرامة قطر وسيادتها، وهو اعتداء على الخليج وعلى العرب جميعا؟

في واقع الأمر، ذكّرتنا القمة بالفمم الطارئة العربية المعتادة، والتي عقدت في بواكير حرب الإبادة، والتي اشتملت على لغة خطابية تبدو حادة، ولكنها لا تحمل في طياتها أي إجراء عملي يردع "إسرائيل" أو يفرض كلفة على أميركا بسبب الانحياز السياسي الواضخ والفاضح والمخترق للقانون الدولي ولروح الشراكة الاستراتيجية المزعومة مع الخليج.

في العودة إلى الكلمات والبيان الختامي لقمة الدوحة، نراه يشبه كثيرًا، إلى حد التطابق، بيانات القمم السابقة المتعلقة بغزة، والتي شكّلت إغراء لــــ"إسرائيل" على المزيد من العدوان والقتل، وطنعا في ابتلاع القضية كلها إلى حد تهجير أهل غزة وضم الضفة والإعلان عن "إسرائيل الكبرى"، في ظل حماية أمريكي ودعمه وعطائه الواسع.

لقد قوبل الموقف الأمريكي خليجيا، وبخلاف المتوقع والمأمول والواجب، بمكافأة أميركا باستثمارات بتريليونات الدولارات، وقد أغدقت قطر نفسها على ترامب بالعطايا وبطائرة فاخرة تتخطّى 400 مليون دولار، وقوبلت هداياها بقصف بالطائرات الصهيونية -أمريكية الصنع، وبصمت مدقع من "قاعدة العديد" التي تعد أكبر قاعدة جوية أمريكية في الخارج، والتي أنفقت قطر من أموالها لتوسيعها.

بالعودة إلى البيان الختامي لقمة الدوحة، نرى إعلانه التضامن، وتبيان مكانة قطر، عربيًا وإسلاميًا، ولكنه لم يقدم أي حل عملي سوى التضامن مع الرد القطري، والذي يعدّ مبهمً بحد ذاتها، حيث لا توجد بوادر ولا إمكان لأي رد عسكري قطري على الكيان في ظل سيطرة أميركا، عسكريًا واستخباراتيًا، على أمن قطر والخليج، بشكل عام..!

كما عُقد، بالتزامن مع القمة، اجتماع لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، وأعلنوا عقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع المشترك في العاصمة القطرية الدوحة. وجاء في بيان صادر عن القادة الخليجيين أن الاجتماع يهدف إلى بحث الردود المناسبة، ودعوا إلى اتخاذ خطوات لتفعيل "آليات الدفاع المشترك" لدول المجلس، من دون كشف مزيد من التفاصيل. والسؤال،هنا، عن هذه الآليات وسط تشكيل مظلة أمن جماعي بقيادة أمريكية تتحكّم في التسليح والمراقبة، وتاليًا؛ هي منظومة معلومة تمامًا لـــ"إسرائيل" وسيادة الخليج وقراره العسكري بها مرهون للتحكّم الأمريكي..

مما لا شك فيه أن الحرب الحالية هي حرب وجودية، بين أمة كاملة وبين "إسرائيل"، والتي تمثل رأس الحربة للهيمنة الأمريكية والأوربية، وقد مرت الأمة باختبار كبير تمثل في غزة ولبنان وسوريا، ولم تصدر أي ردود أفعال توحي بقدرة عربية على اتخاذ مواقف بقدر التحدي. ومما لا شك أن الترجمة المباشرة التي تصل "إسرائيل" وأميركا هي الضعف والعجز، وهو ما يغري على الاستباحة.

إذ عندما ترى قطر نفسها وسيطًا، في قضية الأمة المركزية، والتي من المفترض أن تكون طرفًا بها وفي موقع المواجهة لا التفاوض ولا الوساطة، فإن استهداف قطر مباشرة لا يتطلب حسابات عسكرية أو سياسية معقدة، في أروقة "إسرائيل" أو أميركا الاستراتيجية.

كما أنها رسالة بأن الجميع، في موقع الاستهداف، لأن العدو آمن العقوبة فأساء الأدب، وهو يعلم من الآن أن عواقب عدوانه على أي دولة ستكون قمة طارئة وبيانات جوفاء!

تاليًا، سيكون الرد أو حتى الردع لعدم تكرار الهجوم، والذي توعدت "إسرائيل" بتكراره، إذ لا بمكن أن يتشكّل في ظل الهيكلة الحالية للأمن الخليجي والعربي، وربما دشنت "إسرائيل"، وبقيادة أمريكية، مسارًا مشابهًا لمسار حرب الإبادة في غزة، طالما لم يتخذ العرب إجراءات عملية رادعة، وطالما احتفظ الخليج وفي قلبه قطر بلغة الشراكة الاستراتيجية مع أميركا، وهي القائد الفعلي للعدوان.