في 2025/10/29
كمال صالح - الخليج أونلاين
مثلت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي إلى سلطنة عُمان، مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين أنقرة ومسقط، تتويجاً لرغبة البلدين في تعميق الشراكة، وفتح مسارات إضافية للتعاون في مختلف المجالات.
ويأتي الاقتصاد والتجارة على رأس أولويات الدولتين، وهذا ما تؤكده الاتفاقيات التي جرى التوقيع عليها مؤخراً بين البلدين، والتي تفتح آفاقاً جديدة، لتعزيز التبادل التجاري، وتشجيع الاستثمار.
وتمثل سلطنة عُمان بوابة مهمة للنفاذ إلى أسواق آسيا وأفريقيا بفضل موقعها الجغرافي، وموانئها ومناطقها الصناعية الحرة، وهو ما يمثل فرصة أمام تركيا للوصول إلى تلك الأسواق الواعدة.
اتفاقيات واعدة
خلال زيارة أردوغان إلى مسقط (22 - 23 أكتوبر)، وقعت تركيا وعُمان 24 اتفاقية ومذكرة تفاهم وإعلان وبيان، شملت مجالات عدة، أبرزها كان اتفاقية إنشاء المجلس التنسيقي العُماني التركي.
السلطان العُماني، هيثم بن طارق، قال إن بلاده تنظر بتفاؤل كبير إلى الآفاق الواعدة للشراكة في مجالات الصناعات التحويلية والعسكرية والقطاعات اللوجستية والسياحة وغيرها من القطاعات الحيوية، بما يسهم في تنويع اقتصاد البلدين.
وسبق أن وقع البلدان سلسلة اتفاقيات، في (نوفمبر 2024)، خلال زيارة السلطان هيثم إلى تركيا ولقائه أردوغان، توزعت الاتفاقيات على الاستثمار في مختلف المجالات، ومن ضمنها الصناعة والزراعة وغيرها.
مباحثات اقتصادية
وعلى هامش زيارة الرئيس التركي لمسقط، عقد وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار العُماني قيس بن محمد اليوسف مباحثات يوم (23 أكتوبر)، مع عمر بولاط وزير التجارة، ومحمد فاتح قاجر وزير الصناعة والتكنولوجيا التركيين.
المباحثات تركزت على تعزيز التبادل التجاري، وتفعيل القنوات الاقتصادية المشتركة، ودفع مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا بما يسهم في إزالة العقبات غير الجمركية وتسهيل حركة السلع والخدمات والاستثمارات.
كما بحث الجانبان "فرص التعاون الصناعي في مجالات التعدين والطاقة المتجددة وصناعة المركبات الكهربائية، وإمكانية إقامة مصانع تركية في المناطق الاقتصادية بعُمان".
وإلى جانب بحث التعاون في مجال الصناعة، بحث الاجتماع إمكانية إنشاء خط ربط ملاحي مباشر بين موانئ البلدين لتسهيل حركة التبادل التجاري وتجارة إعادة التصدير، بحسب وكالة الأنباء العُمانية.
بوابة لأسواق واعدة
تعمل تركيا بشكل دائم على تعزيز حضورها في المزيد من الأسواق، خصوصاً في دول العالم الثالث، في آسيا وأفريقيا، ومن هنا تأتي أهمية بناء علاقات متينة بين أنقرة ومسقط.
يقول الكاتب أحمد الشيزاوي، في مقال نشرته مجلة "ديلي صباح" التركية (20 أكتوبر 2025)، إن تركيا تدرك أن موانئ عُمان الحيوية مثل صلالة وصحار والدقم، تجعلها بوابةً لأسواق شرق أفريقيا وآسيا والخليج.
ويلفت الشيزاوي إلى أن موقع السلطنة الاستراتيجي على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا يُسهّل الوصول إلى هذه الأسواق، "إذا استغلّ الجانبان هذه الفرص، يُمكنهما بناء شبكة لوجستية متكاملة تربط المصانع العُمانية بالأسواق التركية، وبالعكس".
وأضاف في مقاله إنه بعد استبعاد تركيا وسلطنة عُمان من الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (سبتمبر 2023)، فإن الدولتين تجدان نفسيهما في لحظة تكامل استراتيجي.
ويرى الشيزاوي أن تركيا اقترحت طريق التنمية بديلاً لربطها بآسيا وربط الخليج بأوروبا، مشيراً إلى أن سلطنة عُمان مُكمل لهذا الممر الاقتصادي، بفضل منفذها البحري على المحيط الهندي وبُعدها عن مضيق هرمز.
ويشير إلى أنه من الممكن تحويل دمج موانئ الدقم وصلالة وصحار العُمانية المشروع إلى شبكة إقليمية متكاملة، ما يساهم في تعزيز طريق التنمية كممر تجاري عالمي مستقل.
منصة أمان
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي والباحث في شؤون الطاقة، عامر الشوبكي، أن سلطنة عُمان تشكل منصة أمان لتركيا على المحيط الهندي، بما تمتلكه من موانئ عميقة خارج مضيق هرمز، مثل صحار وصلالة والدقم، والتي تتوسع باستثمارات موثقة، وتخدم ناقلات أكبر، وتقدم خطوطاً بديلة عن البحر الأحمر.
وأضاف الشوبكي، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن هناك مسارين متوازيين يعيدان رسم خرائط التجارة الإقليمية في الخليج، لافتاً إلى أن "عُمان تتقدم بسرعة وتثبت نفسها كمركز لوجستي بديل خارج عنق الزجاجة لمضيق هرمز، عبر موانئ مثل صلالة وصحار والدقم، ومعها شبكة سكك عابرة للحدود مع الإمارات".
وفي الشمال تعمل تركيا مع العراق والخليج، على الطريق التنموي لربط الفاو بجيهان إلى أوروبا، لافتاً إلى أن هذا التقاطع اللوجستي يخلق نافذة مصلحة مشتركة عمانية تركية، ومنفذاً آمناً على المحيط لـ"الهلال الصناعي التركي"، ويؤمن ممراً برياً بحرياً مختصراً لعمان نحو أوروبا ووسط آسيا.
وتطرق الشوبكي إلى الواقع التجاري والمالي، حيث تشير الأرقام الحديثة إلى ديناميكية متصاعدة لحجم التجارة البينية بين تركيا وعُمان، والذي بلغ قرابة 520 مليون دولار، خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 2025.
كما تقدمت تركيا إلى المرتبة الـ11 كواجهة للصادرات غير النفطية العمانية في 2024، وارتفع رأس المال التركي المستثمر في السلطنة أيضاً بنحو 37% إلى 146 مليون دولار في 2024، لافتاً إلى أن كل ذلك يمثل إشارات ثقة، تساهم في توسيع قاعدة المستثمرين في مختلف القطاعات.
جغرافيا آمنة
يعتقد الشوبكي أن عُمان تمتلك جغرافيا آمنة ومباشرة على المحيط الهندي، حيث تقدم السلطنة لتركيا بوابة بحرية خارج مضيق هرمز، عبر صحار وصلالة، والدقم (قيد التوسعة والاستثمار)، وهو ما يهم الصناعات والسلاسل التركية الساعية لتقليل المخاطر الجيوسياسية والابتعاد عن مسارات مزدحمة كممرات البحر الأحمر وقناة السويس، خاصة بعد التهديدات الأخيرة لهذه الممرات.
وأشار أيضاً إلى اتفاق عُمان مع الإمارات لإنشاء وتشغيل خط سكة حديد بطول 330 كم، يربط صحار بأبوظبي، لافتاً إلى أن ذلك يقلص زمن العبور، ويخلق جسراً من موانئ عمان إلى شبكة الخليج، ثم إلى الممرات التركية الأوروبية.
ويعتبر أن هذا يمنح تركيا قدرة على جدولة خطوط الشحن، من القطارات إلى الشحن البري والبحري، بموثوقية أعلى، متحدثاً عن "توجه لمشاريع بناء إصلاح السفن والتعاون البحري، بين مستثمرين عمانيين وأتراك، ما يدعم سلاسل الإمداد البحرية التركية، في المحيط الهندي، ويخلق قيمة مضافة داخل سلطنة عمان".
كما يرى الشوبكي أن عُمان تحتفظ بدور الوسيط الهادئ، وبعلاقات متوازنة مع الإقليم، من إيران إلى الهند إلى أفريقيا إلى الدول العربية والخليج العربي، وهذا يمنحها ميزة تقليص مخاطرة الانقطاعات.
وأشار إلى أن الاستثمارات الكبيرة في البنية اللوجستية، التي تعمل وفق شراكة مع شركات عالمية، تطمئن المستثمر الصناعي التركي من ناحية أخرى.
طريق التنمية
في حال تم ربط طريق التنمية بموانئ عمان مع تقدم مشروع ربط الفاو بتركيا، وتوسيع التفاهمات التركية العراقية، يمكن لعُمان شحن حمولات عبر الخليج إلى الفاو، ثم براً إلى جيهان فأوروبا، وهذا يخلق بديلاً مكملاً لقناة السويس، في بعض السلع، بحسب الشوبكي.
واستطرد الشوبكي في حديثه لـ"الخليج أونلاين" قائلاً:
استئناف تدفقات نفط كردستان إلى جيهان، ضمن ترتيبات جديدة، واهتمام تركيا باتفاقات طاقة محدثة مع بغداد، يفتح أمام مشغلي الشحن العمانيين فرص خدمات وقود وتموين وتموينات بحرية على خطوط المحيط الهندي، إلى البحر المتوسط.
توسع رأس المال التركي في السلطنة، وتصاعد التبادل التجاري، يتيح تصنيعاً مشتركاً، لأسواق ثالثة في الشرق الأوسط، أو حتى في شرق أفريقيا وجنوب آسيا، من منصة عمان، بكوادر ولوجستيات حيوية ونافذة جمركية مرنة تؤمنها السلطنة.
استبعاد تركيا من الممر الاقتصادي يُمكن أن يعوّض جزئياً وربما يتفوق في بعض المسارات بشرط تسريع الربط البري الخليجي العراقي التركي، خصوصاً بعد تعثر الممر الاقتصادي، بسبب توترات غزة، وتعقيدات الحوكمة والتمويل، وهذا يمنح مسارات الحقائق على الأرض أفضلية، مثل ممر التنمية، أو سكة عمان الإمارات قيد التنفيذ.
عُمان وتركيا ليستا مقيدتين بالممر الاقتصادي، بإمكانهما الاستفادة من الممرات مع إيران وتركمانستان وأوزباكستان، وصولاً إلى آسيا الوسطى وروسيا بالتوازي مع طريق التنمية جنوباً، الذي هو جزء من مبادرة الحزام والطريق، هذا يخلق شبكة متقاطعة بديلة تربط المحيط الهندي بالمتوسط وبحر قزوين.
إذا اكتمل محور صحار أبوظبي الرياض، الكويت البصرة الموصل جيهان، خلال هذا العقد، فسيصبح لدى العمانيين والأتراك بالفعل ممر اقتصادي عملي، دون انتظار الممر الاقتصادي بين الهند الشرق الأوسط وأوروبا. تركيا ما يزال لديها أمل أن يكون لها دور في هذا الممر، بحيث تستطيع تحويل مسارات بعض أنابيب الطاقة من الوجهة الحالية في "إسرائيل" إلى تركيا خاصة بعد الواقع الجديد في سوريا، وحكومة الشرع.