علاقات » ايراني

الجزر الثلاث.. نزاع مؤجل يختبر حدود التفاهم الإيراني–الإماراتي

في 2025/12/19

يوسف حمود - الخليج أونلاين 

رغم التطور الملحوظ في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الإمارات وإيران خلال السنوات الأخيرة، بقي ملف الجزر الثلاث "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى"، نقطة الخلاف الأكثر حساسية واستمرارية بين الجانبين. 

وعاد هذا الملف إلى الواجهة، في ديسمبر 2025، بعد إدراج قضية الجزر في البيان الختامي لزيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى الإمارات، وهو ما قوبل برد إيراني حاد أعاد تأكيد ثوابت طهران في التعامل مع هذا النزاع، ورفضها المطلق لأي صيغة تشكك في سيادتها على الجزر.

ويعكس تجدد السجال طبيعة هذا الملف بوصفه نزاعاً قائماً بذاته، منفصلاً عن مسارات التعاون الأخرى، وقادراً على تعطيل أي تقارب سياسي كلما طُرح في سياق دولي أو إقليمي أوسع.

عودة الملف للواجهة 

جاء التصعيد الإيراني الأخير عقب البيان المشترك الذي صدر خلال زيارة وزير الخارجية الصيني إلى أبوظبي، في 13 ديسمبر 2025، الذي تضمن دعماً صريحاً لمساعي الإمارات للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث عبر المفاوضات الثنائية وفق قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وسرعان ما ردت إيران على البيان، إذ عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي عن أسف بلاده لما وصفه "إصرار الإمارات على تكرار الادعاءات الباطلة".

وأكد أن الجزر الثلاث "جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية"، وأن طرح القضية في بيانات مشتركة مع أطراف ثالثة "يتنافى مع مبادئ حسن الجوار واحترام السيادة".

كما شددت طهران على أن "استغلال زيارة أي وفد دبلوماسي لإعادة طرح الملف أمر غير مقبول"، في رسالة مباشرة مفادها أن ذكر الجزر في أي بيان دولي، حتى بصيغة تفاوضية، يُعد تجاوزاً للخطوط الحمراء الإيرانية.

جذور النزاع

تعود جذور الخلاف إلى 30 نوفمبر 1971، حين سيطرت إيران على الجزر، بالتزامن مع انسحاب بريطانيا من منطقة الخليج، وقبيل إعلان قيام دولة الإمارات في 2 ديسمبر من العام نفسه.

وتقول الإمارات إن طنب الكبرى وطنب الصغرى كانتا تابعتين لإمارة رأس الخيمة، وإن السيطرة الإيرانية تمت بالقوة، فيما تستند أبوظبي في ملف أبو موسى إلى ترتيبات سابقة مع إمارة الشارقة لا تمنح إيران سيادة كاملة على الجزيرة.

في المقابل تصر إيران على أن سيادتها على الجزر الثلاث ثابتة منذ ذلك التاريخ، وترفض توصيف ما جرى عام 1971 بأنه "احتلال"، معتبرة أن الجزر خضعت لسيطرة إيرانية مشروعة لا تقبل المراجعة أو إعادة التفاوض.

هذا التباين الجذري جعل من الصعب بناء أرضية مشتركة لأي تسوية لاحقة، إذ يختلف الطرفان حتى على توصيف الأساس التاريخي والقانوني للنزاع.

لماذا ترفض إيران التفاوض؟

تتعامل إيران مع ملف الجزر الثلاث بوصفه قضية سيادة وطنية مكتملة الأركان، وترفض من حيث المبدأ أي نقاش أو تفاوض قد يُفسر على أنه اعتراف بوجود نزاع قانوني حول ملكيتها.

وتربط طهران هذا الموقف باعتبارات داخلية، فيما تكتسب الجزر أهمية استراتيجية بسبب موقعها قرب مضيق هرمز، ما يمنحها بعداً أمنياً وعسكرياً يتجاوز الرمزية السياسية، ويجعلها جزءاً من منظومة الردع والسيطرة البحرية الإيرانية في الخليج.

ومنذ عام 2023، شهدت العلاقات الثنائية تطوراً ملحوظاً، إذ تم التوصل إلى اتفاقيات بشأن الطيران المدني، والشحن البحري، والتجارة، والاستثمارات، إضافة إلى التعاون في مجال إدارة العواصف الرملية والشؤون البيئية.

محاولات التسوية الخليجية 

منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي، شكلت قضية الجزر بنداً ثابتاً في بياناته الختامية للقمم، ومنها قمة هذا العام، حيث يدعو المجلس إيران بشكل متكرر إلى الدخول في مفاوضات مباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لحل النزاع.

غير أن هذه الدعوات لم تلقَ أي تجاوب عملي من الجانب الإيراني، الذي يرفض المسارين معاً، سواء التفاوض أو التحكيم الدولي، باعتبارهما ينطلقان من فرضية وجود نزاع قانوني.

ورغم تحسن العلاقات الثنائية في مراحل مختلفة، وعودة التمثيل الدبلوماسي، وتوسع التبادل التجاري، بقي ملف الجزر خارج أي تفاهمات، مع اعتماد الطرفين سياسة "الفصل" بين الخلاف السيادي وبقية مجالات التعاون.

سيادة وهوية سياسية

الباحث في الشأن الإيراني محمد العيسى يقول إن طهران لا تُعامل قضية الجزر بوصفها نزاعاً حدودياً تقليدياً، "بل تُدرج ضمن تعريف أوسع للسيادة والهوية السياسية".

وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يوضح قائلاً:

- في العقل الرسمي الإيراني، مجرد القبول بالنقاش يُعد كسراً لخط أحمر سيادياً، وقد يُفسر داخلياً تراجعاً، حتى لو جرى تقديمه خارجياً كمسار دبلوماسي محدود.

- ترى طهران في الجزر عنصراً استراتيجياً لا يقل أهمية عن أي موقع عسكري معلن، فالجغرافيا هنا تمنح إيران قدرة على المراقبة والضغط وإدارة التوازنات في الخليج دون الحاجة إلى تصعيد مباشر، ما يجعل الاحتفاظ بالوضع القائم خياراً أكثر فاعلية من الدخول في مفاوضات قد تفرض قيوداً مستقبلية.

- يفسر هذا المنطق سبب الحساسية الإيرانية من اللغة المستخدمة في البيانات الدولية، فالتعبيرات التي تبدو محايدة، مثل الدعوة إلى حل سلمي أو مفاوضات، تُقرأ في طهران باعتبارها تأسيساً لمسارٍ تراكمي قد يتحول لاحقاً إلى مرجعية دولية يصعب احتواؤها.

- فشل الاتفاقيات السابقة يعود من منظور إيراني إلى غياب تعريفٍ مشترك للمشكلة من الأساس، الطرف الخليجي يتعامل مع القضية كملف قابل للتسوية أو التحكيم، بينما تنطلق إيران من فرضية أن الملف مغلق وغير مطروح للنقاش، ما يجعل أي مبادرة محكومة بالفشل قبل أن تبدأ.

- كلما ارتفع منسوب التوتر في المنطقة تتراجع قابلية طهران لأي صيغة تفاوض، إذ تخشى أن يتحول الحوار إلى أداة ضغط سياسي أو اصطفاف دولي، لا إلى مسار متوازن يعالج جوهر الخلاف.

- تشدد إيران لا يرتبط فقط بالجزر بحد ذاتها، بل بالخوف من سابقة قانونية وسياسية، ففتح هذا الملف، من وجهة نظر طهران، قد يخلق نمطاً تفاوضياً يُعاد استخدامه في قضايا أخري، وهو ما تسعى القيادة الإيرانية إلى منعه مبكراً وبحسم.

الاتهامات المتبادلة 

تعتمد الإمارات نهجاً دبلوماسياً يقوم على إبقاء الملف حاضراً في المحافل الدولية، وضمن بيانات الشراكات مع قوى كبرى، بهدف تثبيت الموقف القانوني والسياسي وعدم ترك القضية عرضة للتقادم.

في المقابل ترد إيران باتهام الإمارات بتسييس الملف وتدويله، وتكرار ما تصفه بـ"الادعاءات الباطلة"، مع التشديد على أن العلاقات الثنائية لا ينبغي أن تُربط بقضية تعتبرها طهران منتهية قانونياً.

ورغم حدة التصريحات، لم يؤد النزاع إلى قطيعة شاملة، إذ حرص الطرفان على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، وإدارة الخلاف ضمن سقف سياسي يمنع تحوله إلى أزمة أوسع.