علاقات » عربي

هل تدرك الإمارات الأبعاد القانونية والتاريخية لدورها في السودان؟

في 2025/11/05

(أحمد شوقي \ راصد الخليج)

مع استمرار الحرب السودانية، والتي أودت بحياة أكثر من 150 ألف ضحية وشرّدت الملايين من المدنيين، جاءت مجازر الفاشر التي ارتكبتها قوات الدعم السريع مؤخرا لتفتح الباب بقوة لاتهام دولة الإمارات رسميًا بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية عن جرائم الحرب. وهذا تطور خطير يختلف عن الاتهامات السابقة بالانحياز إلى أحد أطرافها عسكريًا، فالانحياز أمر مختلف تمامًا عن المساعدة على ارتكاب جرائم حرب.

في هذا السياق؛ تدخل الإمارات في مقارنة مع أميركا التي تدعم وتغطي جرائم الإبادة في غزة، حيث تتشابه الاوضاع من حيث الجرائم واستخدام حصار التجويع. وهو وضع مأساوي للشعب السوداني، وأيضًا لدولة الإمارات وصورتها وسمعتها ومستقبلها ونظرة الشعوب والرأي العام اليها.

من مصاديق هذه السمعة السيئة وتطورها، جاءت جلسة مجلس الأمن الأخيرة معبّرة عن هذا التطور الخطير، حيث شنّ مندوب السودان في مجلس الأمن "الحارث إدريس" هجوما لاذعًا على ممثل الإمارات خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي بخصوص الوضع في السودان. وجاءت العبارات جارحة؛ على الرغم من أنها في بيان دبلوماسي، وهو دليل على تجاوز الأمر للخطوط الحمراء كلها وللأسقف بين بلدين عربيين من المفترض أنهما شقيقان.

العبارات التي استخدمها مندوب السودان ما قوله نصًا: "أتساءل عن السماح لممثل دولة الإمارات، والتي تلطخت أياديها بدماء السودانيين، بأن يخاطب هذا المجلس وكأنها دولة حريصة على السلام.."، ووصف الإمارات بأنها رمز للخيانة السياسية والانحراف الأخلاقي؛ وفقا لقوله.

الأخطر من ذلك، أن الأمر تخطى نطاق الاتهامات السياسية أو الكلام المرسل إلى نطاق تقديم الشواهد والأدلة، وتوثيق ذلك عبر منظمات دولية ووسائل إعلام كبرى، مثل ما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلا عن تقارير استخباراتية أمريكية متطابقة، من معلومات تؤكد إمداد الإمارات بالسلاح لميليشيا "الدعم السريع" في السودان، شملت طائرات مسيّرة صينية متقدمة من سلسلة "رينبو"، وأسلحة خفيفة وثقيلة وذخائر وراجمات صواريخ ومدفعية ووسائط نقل ميدانية. وهذه الشحنات منحت ميليشيا حميدتي جرعة قتالية مكّنتها من الصمود وإعادة الهجوم بعد خسارة الخرطوم، في مارس/أذار الماضي، ما أدى إلى تأجيج واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

هذا؛ وقد كان عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني أعلن، في مايو/أيار الماضي، قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات، كما اتهم بيان لمجلس الأمن والدفاع السوداني تلاه وزير الدفاع إبراهيم ياسين الإمارات بدعم "قوات الدعم السريع" التي استهدفت بالطائرات المسيرّة مستودعات النفط والغاز وميناء ومطار بورتسودان ومحطات الكهرباء وبعض الفنادق.

كما تتشعب الاتهامات لتطال دولاً أخرى، حين رفعت للأمم المتحدة وثائق تربط بين صادرات السلاح البريطانية إلى الإمارات وبين وصول معدات عسكرية متطورة إلى ساحات القتال في السودان، في انتهاك للحظر الدولي وتغذية مباشرة لصراع دموي مستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتشير المعلومات الواردة في الوثائق، بوضوح، إلى أن محركات بريطانية الصنع ومعدات تدريب على الأسلحة الصغيرة وجدت طريقها إلى أيدي "قوات الدعم السريع" عبر قنوات توريد إماراتية.

كما يصل الأمر الى ليبيا وتعاون "خليفة حفتر" مع قوات الدعم السريع؛ وهما برعاية إماراتية واحدة، وكأنّ الإمارات تدشن جبهة متكاملة في غرب السودان وليبيا وصولاً إلى قلب أفريقيا. ومما لا شك فيه أن علاقات "حميدتي"، والذي ينهب ذهب السودان لمصلحة الإمارات، سيضيف إليها تهمًا جديدة؛ حيث سينظر الشعب السوداني إلى الإمارات الدولة التي تنهب ثرواته.

كما سينظر الشعب الفلسطيني إلى أن الإمارات تقوم بدور مساعد لـــ"إسرائيل" في حصارها للمقاومة؛ حيث تزعم الأخيرة أن طرق تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية تمر عبر السودان وليبيا وصولاً إلى منطقة المثلث على الحدود المصرية، وهي منطقة احتلتها "قوات الدعم السريع" بالتعاون مع "حفتر" برعاية إماراتية..!

الخطير أن الأحداث الراهنة تدفع نحو انفصال دارفور وتقسيم السودان، وهي مسؤولية تاريخية كبرى، قد تتحمّلها الإمارات كما تتحمّل ذلك في ليبيا واليمن. وهو اتهام تاريخي بأنّ الإمارات لها دور وظيفي وراع لمخطط التقسيم، ويصعب الدفاع عن ذلك أو نفي هذه التهمة التاريخية البشعة، وهو ما يجب على الإمارات درأها بالعدول عن مسارها الخطير الراهن.