علاقات » عربي

7.5 مليار دولار من قطر.. دفعة قوية لعجلة الاقتصاد المصري

في 2025/10/08

متابعات 

تشهد مصر واحدة من أصعب المراحل الاقتصادية في تاريخها الحديث، إذ يضغط تضخم الديون وتراجع الاحتياطيات الأجنبية على قدرة الدولة في تلبية التزاماتها التمويلية، بينما تسعى الحكومة إلى تحقيق التوازن بين متطلبات صندوق النقد الدولي والحاجة لخلق بيئة جاذبة للاستثمار. 

في هذا السياق برزت حزمة الاستثمارات القطرية المباشرة بقيمة 7.5 مليار دولار كخطوة بارزة، لا تمثل مجرد تدفق مالي إضافي، بل تشكل تحولاً في مسار الشراكة الاقتصادية بين القاهرة والدوحة.

إعلان تفعيل الحزمة في سبتمبر 2025 جاء بعد شهور من المباحثات الثنائية، ليضع إطاراً عملياً لتنفيذ اتفاق جرى التوصل إليه، في أبريل، خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة، ويُنظر إلى هذه الحزمة باعتبارها أداة مزدوجة، فهي توفر لمصر تمويلاً ضرورياً لسد الفجوة التمويلية المتنامية، وفي الوقت نفسه تمنح قطر فرصة لتعزيز حضورها الاستثماري في واحد من أكبر أسواق المنطقة.

تفاصيل الحزمة  

تبلغ القيمة الإجمالية للحزمة القطرية 7.5 مليار دولار، وُصفت بأنها استثمارات مباشرة في مشاريع محددة، وليست مجرد ودائع أو تمويلات قصيرة المدى. 

وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مطلع أكتوبر 2025، أن بلاده "بدأت تفعيل الحزمة"، وأن التيسيرات ستُمنح للمستثمرين القطريين لتسريع التنفيذ، وأكد أن الهدف هو إدخال الأموال مباشرة إلى الاقتصاد المنتج.

وتتركز الاستثمارات على عدة قطاعات حيوية؛ أبرزها السياحة والعقارات، حيث خُصص نحو 4 مليارات دولار لمشروع سياحي متكامل على الساحل الشمالي في منطقة علم الروم بمرسى مطروح بمساحة تقدر بـ5000 دونم.

ومن المتوقع أن يتولى جهاز قطر للاستثمار تطوير المشروع عبر شركته "الديار"، التي تمتلك خبرة في مشاريع عقارية كبرى في المنطقة، فالمشروع، الذي يُنظر إليه كواحد من أضخم الاستثمارات الخليجية في الساحل الشمالي، يتضمن منتجعات وفنادق فاخرة وبنية تحتية سياحية، ويُتوقع أن يسهم في تعزيز مكانة مصر كوجهة سياحية إقليمية.

وتشمل الحزمة استثمارات في قطاع الطاقة، لا سيما في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وهو ما يتسق مع الخطط المصرية لزيادة حصة الطاقة النظيفة في مزيج الكهرباء، والزراعة والأمن الغذائي، ومن ذلك مشروعات الاستصلاح الزراعي وتطوير سلاسل الإمداد.

ويحظى القطاع المالي والبنية التحتية باهتمام في إطار الحزمة، حيث يُتوقع ضخ أموال في مشاريع الخدمات المالية والتمويل الرقمي، إلى جانب تطوير الموانئ والطرق والمناطق اللوجستية. 

الودائع إلى استثمارات

واحدة من الخطوات الأكثر أهمية في هذه الحزمة هي دراسة تحويل جزء من الوديعة القطرية في البنك المركزي المصري، التي تقدر بنحو 4 مليارات دولار، إلى استثمارات مباشرة. 

وتعتبر الخطوة بمنزلة انتقال من "التمويل الطارئ" إلى "الشراكة الاستراتيجية"، وهو ما يخفف من عبء الدين الخارجي على مصر، ويعزز ثقة المستثمرين الدوليين في السوق المصرية. 

وتتماشى هذه الخطوة مع توجه الحكومة نحو استبدال القروض قصيرة الأمد بتدفقات استثمارية طويلة الأجل، ومع التوصيات الدولية، وخصوصاً البنك الدولي وصندوق النقد العالمي.

وترى مصر أن هذه الاستثمارات فرصة لتعزيز احتياطاتها من النقد الأجنبي، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، ودعم تنفيذ رؤية مصر 2030 التي تركز على التشغيل والنمو المستدام، والمساهمة في خلق وظائف مباشرة وغير مباشرة في قطاعات السياحة والطاقة والزراعة، وهو ما يخفف من الضغوط الاجتماعية المرتبطة بالبطالة.

مصلحة مشتركة

يرى الباحث الاقتصادي أحمد عيد في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن هذه الحزمة تأتي "في توقيت حساس يعاني فيه الاقتصاد المصري من ضغوط تمويلية ونقدية كبيرة".

ويشير إلى أن هذه الاستثمارات من شأنها "أن تعزز احتياطيات النقد الأجنبي وتدعم الجنيه عبر ضخ سيولة مباشرة بالعملة الصعبة، إضافة إلى تحفيز قطاعات رئيسية يعتمد عليها الاقتصاد المصري".

وأضاف: "يمثل استثمار قطر لعدد من المناطق والقطاعات مدخلاً لتوسيع الحضور الاستثماري القطري في واحدة من أكثر المناطق جذباً للمشروعات العقارية والسياحية شمالاً، بما يضمن عوائد مرتفعة طويلة الأجل ويعزز الثقة ببيئة الاستثمار في مصر".

ويعتقد أن الدوحة "تسعى عبر هذه الحزمة إلى ترسيخ نفوذها الاقتصادي في المنطقة وتنويع استثماراتها في أسواق واعدة، مستفيدة من انخفاض قيمة الأصول المصرية ومن التسهيلات التشريعية التي تمنح المستثمرين الأجانب ضمانات واسعة".

وتابع: "بطبيعة الحال فان هذه الخطوة تمثل تقاطعاً بين المصلحة الاقتصادية والسياسية، إذ تحصل مصر على دعم مالي واستثماري يعزز استقرارها، فيما تكرس قطر حضورها كلاعب اقتصادي مؤثر في واحد من أكبر البلدان العربية".

توجه مشترك

تأتي هذه الخطوة في وقت تعمل فيه مصر على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي متفق عليه مع صندوق النقد الدولي، يهدف إلى تقليص عجز الموازنة، وتحقيق مرونة أكبر في سعر الصرف، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. 

وتواجه الحكومة المصرية التزاماً بالحصول على مليارات الدولارات من التمويلات الخارجية، خلال العامين المقبلين، لتغطية احتياجاتها التمويلية وسداد ديونها المستحقة.

وتأتي الحزمة القطرية امتداداً لاتجاه أوسع من الاستثمارات الخليجية في مصر، ففي مطلع 2025، أعلنت الإمارات استثماراً ضخماً بقيمة 35 مليار دولار لتطوير منطقة رأس الحكمة، وهو ما اعتُبر أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ البلاد.

وتستهدف السعودية زيادة استثماراتها في مصر لتصل إلى 50 مليار دولار، خلال السنوات الخمس المقبلة، بعد أن تخطت حاجز الـ35 مليار دولار حالياً، حيث تعمل أكثر من 7 آلاف شركة سعودية داخل السوق المصري.

آلية التنفيذ

أوضحت الحكومة المصرية أن الحزمة القطرية ستُدار عبر آلية مشتركة بين وزارات الاستثمار والمالية المصرية وجهاز قطر للاستثمار، مع تقديم حوافز ضريبية وتيسيرات إجرائية.

ومن المقرر تنظيم منتدى استثماري مصري قطري في الربع الأول من عام 2026 لمناقشة فرص التوسع في الاستثمارات المشتركة.

ومن الناحية السياسية تمثل هذه الخطوة تتويجاً لمسار التقارب بين مصر وقطر خلال الأعوام الأخيرة، بعد فترة من القطيعة والتوتر، فقد شهدت العلاقات منذ 2021 انفراجة تدريجية انعكست في زيادة الزيارات الرسمية، وتوقيع مذكرات تفاهم اقتصادية.